انتخب المغرب بتاريخ 10/1/23 رئيسا لمجلس حقوق الانسان الدولي بتصويت 30 دوله لفائدته من أصل 47 في حين حصلت دولة جنوب افريقيا على 17 صوتا، هكذا أصبحنا منذ ايام قليلة على هذا النبأ الذي مر على اذاننا في اقل من دقيقة وربما ستطمره في اذان بعضنا الأحداث الوطنية والعالمية المتلاحقة حتى يصبح كأن شيئا لم يكن.
ولكن يجب ان لا يمر هذا الانتصار التاريخي علينا مرور الكرام ويختزل الامر في السرعة التي سمعناه بها، إن شيئا ما قد حدث ليس فقط على الصعيد الوطني ولكن كذلك على الصعيد العالمي خاصة في مجال عوالم حقوق الانسان.
إن ما وصلنا اليه في مجال حقوق الانسان وهو ما يبوئنا المكانة التي أحرزنا عليها عن جدارة واستحقاق وأطاحت بأعلى قوة إفريقية تناصبنا العداء مدعومة من جارنا الشرقي الشرس الذي أصبح شغله الشاغل هو مهاجمتنا على جميع الأصعدة. لم يأتي من محض الصدفة ولا ببخل القوتين العدوتين اللدودتين لمصالح المغرب عن شراء ذمم من يستطيعون لاستمالته لأطاريحهم الضالة والمضلة اتجاه المغرب ولكنه نتاج ما يربو على 20 سنة من معانقة بلدنا لمبادئ حقوق الانسان والإيمان بها والدفاع عنها وتجذيرها وتعميقها في هياكل المجتمع إداريا وقضائيا وأمنيا…. الخ
في خطاب له بمناسبة افتتاح السنة التشريعية سنة 1998 -1999 قال جلالة المغفور له الحسن الثاني ما يلي:
*إن المغرب اختار أن يكون ملكية دستورية بكل ما في هذه الكلمة من معنى وأساس هذا المعنى هو العدل واحترام الحقوق وإننا نريد، وعزمنا أكيد، أن نطوي نهائيا في غضون الستة أشهر المقبلة ملف حقوق الانسان، وقد توصلنا من رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الانسان بملتمسات، نقول هنا قبلنا الاستجابة الى تلك الملتمسات، معطين أوامرنا السامية لأن تتحرك الأليات التي اتفق عليها أعضاء مجلس حقوق الانسان حتى تنظر في الملفات وحتى تصفي هذا الموضوع لكي لا يبقى المغرب جارا من ورائه سمعة ليست هي الحقيقة، وليست مطابقة لماضيه ولا لواقعه ولا تفيده في مستقبله.* انتهى كلام صاحب الجلالة.
وكنا قبل ذلك نعيش على ايقاع ارهاصات واشارات أبانت عن عدالة انتقالية من طبيعة خاصة وذلك بالرجوع الى سياق دستور 1996، وكانت بداية الانطلاقة الفعلية للعدالة الانتقالية بالمغرب مع رفع المجلس الاستشاري لحقوق الانسان مذكرة الى المغفور له الملك الحسن الثاني بتاريخ 2/4/1999 يلتمسون فيها تمتيعه جميع ضحايا حقوق الانسان أو ذوي حقوقهم بالتعويضات الملائمة وأن تتولى هيئة تحكيمية خاصة تلك المهمة، تم الجواب الملكي المصحوب بالتعليمات الملكية القاضية بتحريك جميع الاليات للعمل على طي ملف حقوق الانسان داخل أجل ستة أشهر، وهكذا توصل أعضاء المجلس الى الاتفاق على اقتراح إحداث هيئة تحكيمية للتعويض عن الاختفاء القسري، ثم الاتفاق على تركيبتها وتمديد اختصاصها ومهامها.
ووصلت العدالة الانتقالية بالمغرب أوجها وذلك بتأسيس هيئة الانصاف والمصالحة بمقتضى القرار الملكي الصادر بتاريخ 6/11/2003 بالمصادقة على توصية للمجلس الاستشاري لحقوق الانسان.
ولإن كان المغفور له الملك الحسن الثاني وراء تدشين مقدمات أساسية للمسار المفضي الى العدالة الانتقالية من خلال كثير محطات يضيق المقام عن تفصيلها فإن الإرادة السياسية العليا للدولة من خلال ما عبر عنه جلالة الملك محمد السادس منذ توليه العرش من إرادة صريحة وقوية في مجال حقوق الانسان كانت وراء ما وصل اليه المغرب مؤخرا في مجال حقوق الانسان ولولا ذلك لما اعتلى منبر رئاسة مجلس حقوق الانسان. لقد أعطى عاهل البلاد دفعة قوية للمجال الحقوقي ببلادنا بحيث فتح الطريق على مصراعيه للتغييرات السياسية والحقوقية لنصبح أول بلد عربي واسلامي و(من بين الدول العالمية القليلة جدا) يفتح ملف ضحايا الانتهاكات الجسيمة، وهذا الامر تطلب شجاعة سياسية كبيرة جعلت المغرب لا يخلف موعده مع التاريخ كما فعل في العديد من المجالات الأخرى.
ان هذا الانتصار التاريخي لم يكن بالمفاجئ، هو اعتراف دولي صريح وواضح بمكانة المغرب الحقوقية التي لطالما كانت متميزة وبادية للعيان، بل وشكلت بلدنا نموذجا يحتذى به، رغم كل ما يحاك ضده من طرف أعداء الوحدة الترابية للمملكة، وخصوصا الحملة الشرسة التي تقودها الجزائر وصنيعتها جبهة البوليزاريو.
ومن محاسن الصدف أن ما وصل إليه المغرب من خلال تبوئه مقعد رئاسة مجلس حقوق الإنسان، التقت فيه إرادة جلالة الملك محمد السادس والمنظمات الحقوقية والمجتمع المدني والأحزاب السياسية، كما التقت إرادة الملك محمد الخامس والشعب في المطالبة بتقديم وثيقة الاستقلال التي نحتفل بذكراها هذه الأيام.
كتبت : حجيبة ماء العينين