واقع القراءة في المغرب : الكتاب وحيد بدون جليس

دق تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول ” النهوض بالقراءة ضرورة ملحة” ناقوس الخطر حول واقع القراءة بالمغرب وما يشهده من تراجع مهول ينذر بكارثة حقيقية على للمستوى المعرفي كآلية أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

فرغم التدابير والإجراءات التي تم اتخاذها من طرف السلطات العمومية والفاعلين في المجتمع المدني من أجل التشجيع على القراءة إلا أنها تظل قليلة جدا ولا تحقق النتائج المتوخاة.

من جانبه خلص تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الى ” ضرورة وضع إستراتيجية وطنية منسقة، تنفذ بصورة تدريجية بهدف تشجيع القراءة مدى الحياة وفي كل مكان “.

تقرير المجلس يدفعنا إلى طرح عدة إشكاليات ، أولها : ماهي أسباب عزوف المغاربة عن القراءة؟ ماهي السبل الكفيلة بعلاج هذه المعضلة التي تعيق التنمية ؟

1- واقع القراءة في المغرب

في ظل الثورة الرقمية التي نعيشها اليوم وسهولة الوصول الى الكتب وبالتالي التحول نحو القراءة الرقمية ، ظل الميل الى القراءة ضعيفا في مجتمعنا، فالدراسات والأبحاث الميدانية تشير الى ان المغاربة لا يقرؤون، او أنهم على الأقل لا يقرؤون كثيرا، وان عادات القراءة داخل الاسرة ناذرة ، واقتناء الكتب لا يعد أولوية بالنسبة لعدد كبير من المواطنين ، على حسب ما جاء به تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
ان تدني مستوى القراءة في المغرب أصاب مجالات عديدة بالخلل، منها قطاع المكتبات ، هذه الأخيرة التي أغلق العديد منها بسبب ضعف بيع الكتب وغياب عادة اقتناءها، أضف الى ذلك الوهن الذي أصاب قطاع الإنتاج المعرفي إذ أن قطاع النشر في وطننا يبقى متواضعا جدا من حيث الإنتاجية.

كشفت نتائج بحث ميداني أجري سنة 2016، بعنوان الممارسات الثقافية للمغاربة وهي دراسة أنجزها كل من عائشة نوري ومحمد السموني ان 48.2 في المائة من الأشخاص المستجوبين لا يقرأون الجرائد ، مقابل 15 في المائة ممن يقرأون بكيفية يومية، واذا كان 10.6 في المائة من الأشخاص لا يقرأون الا في حالات ناذرة، فان 26.2 في المائة يقرأونها تقريبا مرتين في الأسبوع، الإضافة إلى ذلك فان 64.3 في المائة من المغاربة لم يشتروا كتابا واحدا خلال 12 شهرا التي سبقت هذا البحث الميداني ، مقابل 35.7 في المائة هم الذين اشتروا الكتب خلال الفترة نفسها.

احتل المغرب في تصنيف اليونسكو المرتبة 162 على الصعيد الدولي في مجال القراءة والكتابة، وهي وضعية تؤكدها إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، التي تشير الى أن أزيد من 97 في المائة من الأطفال المتراوحة أعمارهم مابين 7 و 14 سنة لا يقرؤون.

في هذا السياق علقت حنان بنسعيد أستاذة مشاريع الأقسام ودراسة المؤلفات بالتعليم الخصوصي السلك الابتدائي ” نحن في مجال التعليم نعاني من عزوف الأطفال عن القراءة ، وذلك راجع بالاساس الى التقليد أي أن الطفل يقلد والديه ومدرسه ومحيطه، لكن للأسف أطفالنا الآن يقلدوننا في تعاملنا مع الهاتف، والعامل الثاني يتمثل في غياب الكتب المشوقة التي تثير لهف الأطفال للقراءة، فالتأليف في مجال الإبداع الخاص بالطفل ضئيل جدا، كما ان المناهج المدرسية مملة و الأطفال تحولوا إلى فئران تجارب، كما أن الظروف لا تشجع على القراءة ، و القليل من العائلات التي تبقى بعيدة من التلفاز الهواتف الذكية فالتعليم في المغرب مازال تقليديا جدا وهو تعليم يقتل الطفل وإبداعه “.

2-إشكالية القراءة والمدرسة المغربية

من المؤكد ان الأسرة تعد هي النواة الرئيسية والفاعلة في تربية الفرد على القراءة، كما ان غياب فضاءات التنشيط الثقافي تساهم في امتداد الفراغ المعرفي وبالتالي الإحجام عن القراءة .

في تقرير له حول ” أماكن العيش والفعل الثقافي ” ، أشار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ان هناك غيابا لفضاءات التنشيط الثقافي في أماكن العيش، والمقصود هنا أماكن الاستقبال التي يقصدها الناس كل يوم للقيام بخدمة معينة، ويتعلق الأمر بالإدارات وأماكن العمل والمستشفيات ووسائل النقل والمقاهي والأماكن العمومية.

ان الفراغ الثقافي الذي تعاني منه مختلف أماكن العيش ناتج عن غياب مشروع ثقافي وسياسة عمومية تثمن الإبداعية والمبادرة.

فواقع الحال يكشف عن انعدام المكتبات المدرسية في العديد من المؤسسات العمومية والخاصة، كما أن تقرير المجلس يكشف بدوره عن عدم توفر عروض قرائية كافية للشباب داخل المكتبات والخزانات الوسائطية ومراكز التوثيق داخل المدارس والثانويات، كما ان المدارس و الثانويات التي تتوفر على مكتبات فان المشرفين عليها لا يختارون الكتب على حسب خصائص المشروع الثقافي للمؤسسة وحاجيات الشباب، كما أن التأطير غالبا ما يعاني من نقص، و ان معظم المكتبات المدرسية تبدو مهجورة على الرغم من المذكرة رقم 156 الصادرة بتاريخ 17 نونبر 2011 المتعلقة بتفعيل ادوار المكتبات المدرسية ونظام الإعارة.

في هذا السياق يقول الفاعل الجمعوي عبد العالي الرامي في تصريح للمصدر ميديا بان من بين الأسباب الرئيسية في عزوف المغاربة عن القراءة هو غياب ثقافة المطالعة داخل الاسرة وبالتالي غياب مكتبات منزلية صغيرة تكون ملاذ معرفيا للطفل ، كما أشار الرامي الى إقفال عدد كبير من مكتبات الحي التي كانت تساهم في تطوير حب القراءة للشباب والأطفال على حد سواء.

وأكد الفاعل الجمعوي على ضرورة إعادة الاعتبار إلى دور الشباب ودور الثقافة قائلا ” على وزارة التربية الوطنية ووزارة الشباب والرياضة تحمل كامل المسؤولية في اعادة الاعتبار لدور الشباب ودور الثقافة التي كانت تحتضن الشباب وتشجعهم على القراءة والمعرفة، فاليوم تعد المطالعة رافعة للتنمية، بالأمس القريب كنا أمام تجربة فريدة وجميلة جدا وهي الجامعات الشعبية التي عرفت إقبالا كبير للمواطنين، اليوم نتسائل لماذا أقبرت الجامعات الشعبية التي أتى بها الكحص لما كان وزيرا للشباب والرياضة ؟ ”.

وفي جوابه على السبل الكفيلة لتشجيع المواطن المغربي على القراءة قال الفاعل الجمعوي عبد العالي الرامي ” اليوم يجب على كل الفاعلين في المجال بما فيهم الإعلام على الاتحاد لتوعية المواطن المغربي بأهمية القراءة ، وإحداث مبادرات خلاقة قادرة على النهوض بالمطالعة في المغرب ”.

في هذا السياق، تقدم الدراسة الدولية لتطور الكفايات القرائية 2016 مؤشرات تتعلق بالمكانة التي تحلتها المكتبة المدرسية داخل المدرسة المغربية، ذلك أن 9 في المائة فقط من المؤسسات المدرسية هي التي تكاد تتوفر على مكتبة تضم أكثر من 500 كتاب، في حين ان 28 في المائة من هذه المؤسسات تتوفر على مكتبة تضم 500 كتاب او اقل في حين أن غالبية المؤسسات ، أي 63 في المائة، لا مكتبة فيها، علما ان أحد الدروس الرئيسية المستفادة من هذه الدراسة الدولية هو أنه بالإضافة إلى التأهيل الجيد لهيئة التدريس والإدارة، فان تعلم القراءة في المدرسة له علاقة في كثير من الأحيان بالولوج إلى المكتبة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد