الكل مازال يتذكر الصورة التي جمعت مؤخرا بين رئيس الجمهورية الجزائرية “عبد المجيد تبون” ورئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” على هامش زيارة هذا الأخير للعاصمة الجزائرية، وتسلمه شيك بمبلغ 100 مليون دولار كدعم مقدم من الجزائر للسلطة الفلسطينية.
المكلفين بالجانب الإعلامي في قصر المرادية، كما جل المنابر الإعلامية الجزائرية حرصوا على إخراج تلك الصورة التي تجمع الرئيسين على أنها فتح كبير وانتصار غير مسبوق للقضية الفلسطينية في ظل تخاذل الأطراف الأخرى (وهنا الغمز بطبيعة الحال على الجار المغربي) وأسهبوا في الحديث عن الدور المحوري التي تلعبه القيادة الجزائرية في سبيل دعم الفلسطينيين وقضيتهم العادلة… !
وبما أننا في صدد الحديث عن القضية المحورية الأولى عند العرب والمسلمين أجمعين، فكلنا نعلم أنها طالت لسنين وسنين، ومرد الفشل في تحقيق أي تقدم في هذه القضية كان دائما المزايدات من قبل العديد من الأطراف، التي لم يكن همها على امتداد ما يقرب من السبعين عام، إلا تحقيق أهداف سياسية آنية وضيقة قد تخدم مصلحة هذا الزعيم العربي أو ذاك، بدون أدنى اكتراث حقيقي لمعاناة الشعب الفلسطيني أو لمصيره، في ظل الاحتلال الذي استغل النفاق السياسي العربي الرسمي، لعدم فعل أي شيء، لا فيما يخص السلام ولا فيما يخص المطالب والحقوق الفلسطينية المشروعة.
المغرب من جهته ووفاء منه لعادته في الوضوح في المواقف والتوجهات، اتخذ قرارا شجاع اتجاه الإسرائيليين بما يخدم مصالحه العليا، وبما لا يتعارض مع حقوق الإخوة الفلسطينيين، ولم يكترث للأصوات النشاز التي تعالت منددة بتطور العلاقات بين الرباط وتل أبيب، العلاقات التي أرادت لها المملكة أن تكون في العلن وفي وضح النهار، وأثبت المملكة هذه الأيام بما لا يدع للشك أنها قادرة على تحقيق المعادلة الصعبة والدقيقة التي تتجلى في الدفع بالأمور بين الإسرائيلي والفلسطيني في إتجاه بداية لحل يحافظ على مصالح جميع الأطراف بواقعية، بعيدة عن النفاق والكذب والمزايدات الرخيصة التي لا تقدم ولا تؤخر، ولا تفيد لا العرب ولا الفلسطينيين بخطوة دبلوماسية، اقل ما يمكن أن توصف بها أنها رائعة، رائعة ديبلوماسيا، وجميلة انسانيا وذكية سياسيا.
فقد أفضت الوساطة التي قادها قائد البلاد الملك محمد السادس بمعية الرئيس الأميركي جو بايدن إلى اتفاق على فتح المعبر الوحيد بين الأردن والضفة الغربية المحتلة “جسر الملك حسين” أو ما يعرف بـ”اللنبي” بلا انقطاع.
وقد كان هذا المعبر يغلق في وجه المسافرين، ويفتح بشكل متقطع، الشيء الذي كان ينغص على الفلسطينيين حياتهم ويشل من قدرتهم على الحركة بسلاسة.
وسيكون هذا الجسر بموجب الوساطة المغربية الناجحة، مفتوحا طوال الوقت في تلبية لمطلب فلسطيني تعذرت الاستجابة له لمدة عشرات السنين .
وهنا يحق للمغاربة الافتخار مرة أخرى بقدرتهم على تحريك التاريخ والجغرافيا بلمسات ديبلوماسية ساحرة، تمس صميم القضية الفلسطينية بخطوات ملموسة، بعيدا عن الصور الفوتوغرافية التذكارية التي يهوى جيراننا التشدق بها كلما استعصى عليهم اللحاق بركب المنجزات المغربية الباهرة على امتداد السنين الأخيرة.
فهنيئا لهم بجميل الصور وهنيئا لنا بحسن الصنائع.