هل ينهار التوافق السياسي الهش بتونس بعد وفاة “السبسي”؟

ينظر عدد من المتتبعين للشأن التونسي بقلق شديد على تجربة الإنتقال الديمقراطي السلس بتونس، بعد وفاة رئيس الجمهورية “قايد السبسي”، مهندس التوافق السياسي مع الإسلاميين، الذي إستطاع ان يقيم توافقا داخل النظام السياسي التونسي منذ انتخابه رئيساً للبلاد، مبني على التفاهم بينه وبين رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي.

يكشف مسار الرجل السياسي، عن حنكة وذكاء كبيران، فعلى الرغم من توليه مناصب رفيعة في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي حكم البلاد بين عامَي 1956 و1987، بينها وزارات الداخلية والدفاع والخارجية، كما تولى في بداية عهد الرئيس زين العابدين بن علي، منصب رئيس مجلس النواب، وكان عضو اللجنة المركزية للحزب الحاكم «التجمع الدستوري الديمقراطي» حتى 2003، إستطاع الرجل أن يضمن لنفسه مكانا داخل المشهد السياسي التونسي ما بعد الثورة التونسية، وأن يقود تفاهما يوصف بـ”الغريب” بينه وبين رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي، بعد ان عاد في مطلع فبراي 2011 إلى الاضطلاع بدور المسؤولية في دواليب الدولة بعد تعيينه رئيساً للحكومة خلفاً لمحمد الغنوشي المستقيل.

وبقي في هذا المنصب حتى نهاية دجنبر 2011، وهو تاريخ تسلُّم حركة «النهضة» الإسلامية الحكم إثر فوزها في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي أُجريت يوم 23 أكتوبر 2011، قبل ان يقدم السبسي على تأسيس حزب «نداء تونس» في عام 2012، الذي ضم نقابيين ويساريين ومنتمين سابقين إلى حزب «التجمع الدستوري الديمقراطي» الحاكم في عهد بن علي (1987 و2011)، وتم حلّه بقرار قضائي في مارس 2011، والذي وصفته المعارضة بأنه حزب «تجمع جديد»، في إشارة إلى «التجمع الدستوري الديمقراطي»، لمنافسة «النهضة» التي حققت فوزاً كبيراً بأول انتخابات حرة في أكتوبر 2011.

وقبل توليه السلطة حذَّر كثير من معارضيه من عودة «الاستبداد» إلى تونس إن وصل إلى الحكم، وهي الإتهامات التي ردَّ السبسي عليها آنذاك بالقول: «إنه لم يضمّ إلى حزبه مسؤولين تولوا حقائب وزارية في عهد بن علي (2011/1987) أو التجمّعيين الذين عندهم مشكلة مع القضاء».

وفاز السبسي في الانتخابات الرئاسية عام 2014، بعدما امتنعت «النهضة» عن دعم أي مرشح في الانتخابات، ليفوز السبسي على الرئيس السابق المنصف المرزوقي وهو السياسي العلماني الذي كان حليفاً لـ«النهضة» في السابق، بعد أن حصل السبسي على نسبة 55.68 في المئة من الأصوات، في جولة الإعادة من انتخابات الرئاسة، ونال المرزوقي 44.32 في المئة من الأصوات، في حين بلغت نسبة المشاركة 60.11 بالمئة من إجمالي الناخبين الذين يتمتعون بحق التصويت.

بعد توليه السلطة خفف السبسي لهجته ضد حزب «النهضة»، خاصة بعد تراجع قوة حزب «نداء تونس» داخل البرلمان، ومنافسة رئيس الوزراء يوسف الشاهد، المتزعم لحزب «تحيا تونس» له على السلطة، والذي يهدف عبر «تحيا تونس» حزب إلى منافسة الإسلاميين المعتدلين في تونس خلال انتخابات نهاية العام الجاري، بعد خلافات محتدمة بينه وبين قيادات حزب نداء تونس الذي يقوده نجل الرئيس الباجي قائد السبسي،  وهو ما جعل تعاونه مع «النهضة» أمراً لا مفر منه.

ويقود الحكومة ائتلافاً من العلمانيين وحركة النهضة الاسلامية المعتدلة ولكن الائتلاف اصبح هشاً ويواجه صعوبات عدة في تمرير اصلاحات يطالب بها المقرضون الدوليون، وقرب إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في نهاية العام الجاري، في ظل تنافس شرس بين القوى العلمانية وحركة النهضة الإسلامية.

وحظيت تونس بإشادة واسعة من المجتمع الدولي باعتبارها النجاح الديموقراطي الوحيد الذي حققه “الربيع العربي” بعد أن أطاحت الاحتجاجات بالرئيس السابق زين العابدين بن علي في عام 2011 من دون إثارة اضطرابات عنيفة مثل تلك التي شهدتها سوريا وليبيا، لكن الوضع في أيعاده الإقتصادية والإجتماعية ظل هشا منذ عام 2011 بعد ان أخفقت 9 حكومات في‭‭ ‬‬حل المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها تونس والتي تشمل ارتفاع معدلات التضخم والبطالة فضلاً عن نفاد صبر المقرضين مثل صندوق النقد الدولي الذي يحضّ تونس على تسريع اصلاحاتها لخفض العجز.

وتبقى المفارقة اليوم بعد رحيل مهندس التوافق السياسي مع الإسلاميين بتونس ، أن الإسلاميين قد يكونون الأكثر قلقاً الآن بعد وفاة السبسي، في ظل وضعية الفراغ في منصب رئيس الجمهورية الذي قد تدخل البلاد المستهدَفة بعد نجاح تجربتها الديمقراطية، والتي اكتسبت طابعاً خاصاً بفضل البصمات التي تركها السبسي ومعه الغنوشي عليها، في صراع جديد ما بين اليساريين والإسلاميين المعتدلين الذين ترشحهم استطلاعات الرأي المحلية لنيل الأكثرية في الانتخابات المقبلة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد