أزمة حقيقية، تلك التي تعيشها وزارة الصحة في الأيام الأخيرة وفي عز أزمة “كورونا”، بسبب التخبطات الكثيرة واللامتناهية أسقطت الوزير خالد ايت الطالب في لهيب الانتقادات، ووجهت له أصابع الاتهام بسبب سياسته التواصلية التي وصفت بـ “الفاشلة” طيلة فترة تدبير المغرب للجائحة.
الكاتب العام للوزارة بالنيابة، عبد الإله بوطالب، من بين الأسماء التي أثارت الجدل في الآونة الأخيرة رغم مهامه المؤقتة، حيث أصبح حديث جميع الألسن محملين إياه مسؤولية ما يقع داخل وزارة الصحة والحديث عن رغبة ايت الطالب في تثبيته رسميا في منصب الكتابة العامة للوزارة.
قرار إقالة مجموعة من الأطر الإدارية بالوزارة، تلك النقطة التي أفاضت الكأس في هذه الأزمة، إذ اعتبرها العديد من المهتمين أن هؤلاء كانوا ضحية لتصفية حسابات شخصية، وهو الأمر الذي دفع بالبرلماني سعيد اشباعتو، النائب البرلماني عن فريق التجمع الدستوري، إلى توجيه سؤال إلى خالد ايت الطالب، بسبب حملة الإعفاءات التي طالت عددا من الأطر.
اشباعتو، أشار في سؤاله الموجه إلى المسؤول الأول عن القطاع الصحي أن البيت الداخلي للقطاع، عرف جملة من الاختلالات التي أثرت بشكل سلبي على صورته أمام الرأي العام، موضحا أن الإعفاءات طالت حوالي 40 مسؤولا على المستوى المركزي، الجهوي، والإقليمي، المشهود لهم بالنزاهة والتفاني في العمل من طرف السكان المعنيين والمنتخبين والسلطات المحلية.
وأوضح البرلماني المذكور أن “مسلسل الإعفاءات راجع إلى تحكم بعض المسؤولين بالوزارة واتخاذ قرارات مبنية في غالب الأحيان على علاقات شخصية وتصفية حسابات وأشياء أخرى”، في تلميح غير مباشر وضمني إلى الكاتب العام بالنيابة عبد الإله بوطالب.
حملة الإعفاءات التي وصفت بـ “الغريبة” والتي يقودها وزير الصحة الجديد الذي تم تعيينه في شهر أكتوبر الماضي في “حكومة الكفاءات” والكاتب العام بالنيابة، طالت كذلك رئيسة قسم الإعلام والتواصل بوزارة الصحة، والتي اشتغلت مع عدد من الوزراء ويشهد لها بالمهنية حيث كان التواصل خلال مرحلة عملها يسيرا والبلاغات والمعلومات متاحة امام كل الصحفيين وقد اثر اعفاءها على سياسة التواصل الاخيرة للوزارة، وكذا إعفاء رشيد الخداري من منصب المكلف بالاتصال بديوان وزير الصحة، وتعيين حفيظ الزاهري مكانه، ثم إعفاءه وإعادة الخداري الذي سبق أن اشتغل مع عدد من الوزراء ويحرص على التواصل الجيد مع الجميع ويقدم خدمات إعلامية مع وسائل الإعلام والصحفيين ويسهل عليهم الوصول إلى المعلومة.
خالد أيت الطالب، استنجد برشيد الخداري ليشغل منصب مسؤول التواصل بديوانه بعد المشاكل الأخيرة التي باتت تتخبط فيها الوزارة، وفشل مستشاريه الإعلاميين في القيام بمهامهم وطريقة تدبيرهم لعملية التواصل مع رجال ونساء الإعلام وكذا الرأي العام الوطني.
استغناء الوزير عن أطر إعلامية كانت تتواصل بشكل جيد وتجيب عن كل الإشكالات المطروحة، أكد بما لا يدع مجالا للشك غياب استراتيجية إعلامية وتواصلية لوزارة الصحة خاصة في زمن “كورونا” الذي كشف عن تخبطات بالجملة وصراع داخلي حامي الوطيس في وقت يجب أن يتظافر فيه جهود جميع المتدخلين بعيدا عن الأخطاء والحسابات الضيقة وجعل مصلحة الوطن وخدمة المواطنين فوق أي اعتبار.
ملف آخر يؤكد ارتباك ايت الطالب على مستوى التواصل وافتقاده لأبجدياته، تصريحه بشأن إعطاء التعليمات الملكية من أجل الشروع في إعادة المغاربة العالقين بالخارج الذي أثار جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا بعدما تراجع الوزير عن تصريحه الموثق بـ”الفيديو”.
وزير الصحة، في رده على تعقيبات النواب خلال اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية بالغرفة الأولى، أوضح أن تعليمات ملكية أعطيت لإعادة المغاربة العالقين عبر دفعات، مشيرا إلى أن تدبير العملية انطلق من خلال برمجة إعادة 300 شخص في الأسبوع الواحد، ليعود مجددا وينفي عبر وكالة المغرب العربي للأنباء ما تم ذكره قائلا أن “كلامه تم تحويره”.
وفي وقت يدخل فيه المغرب مراحل حاسمة للاستعداد للرفع التدريجي للحجر الصحي، وما يتطلبه من تظافر الجهود الجماعية بكل مسؤولية وروح وطنية، تفجرت أزمة جديدة داخل وزارة الصحة بين محمد اليوبي، مدير مديرية الأوبئة، وصلت تداعياتها إلى حديث عن إشهاره ورقة الاستقالة.
الخلاف مع محمد اليوبي، خرج إلى العلن، بعدما راج خبر تقديم مدير مديرية الأوبئة استقالته، وأصبحت قضيته قضية رأي عام بسبب شعبيته الكبيرة في زمن “كورونا”، حيث دخل بيوت المغاربة من خلال تقديمه للإيجاز الصحفي اليومي عن تطورات الحالة الوبائية ببلادنا بطريقة سلسلة وواضحة ومفهومة.
محمد اليوبي، يشهد له الجميع بكفاءته وخبرته الطويلة في الوزارة، حيث عاشر فيها أكثر من وزير، قبل وصول ايت الطالب ومقربيه للوزارة لتبدأ فصول الصراع بينهما بسبب السياسة التواصلية المنتهجة خاصة في ما يتعلق بوباء “كورونا”، إلى أن اختفى اليوبي عن أنظار المغاربة مؤخرا.
ووفق ما ذكرته مصادر مطلعة، فإن اليوبي وجه أصابع الاتهام إلى أشخاص في محيط خالد آيت الطالب، موضحا إنهم وراء إثارة المشاكل، مؤكدا أن علاقته مع ايت الطالب يطبعها الاحترام والتقدير.
وضعية صعبة تلك التي يوجد فيها آيت الطالب حاليا، بعدما وجهت إليه انتقادات واسعة جراء إصراره على تعيين الكاتب العام الحالي بالنيابة في نفس منصب الكاتب العام، رغم أن رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني رفض التأشير على هذا التعيين أكثر من مرة، تورد المصادر.
وأصبح واضحا، في غمرة كل هذه المشاكل والصراعات، أن وزارة الصحة تعاني خللا كبيرا في التواصل، ولم تكشف أي خطة تواصلية تسمح بنبذ الشائعات والإجابة بشكل واضح وصريح عن أكثر الأسئلة إلحاحا.