هل هناك فكر فلسفي مغربي معاصر؟

قد يكون من المفيد جدا، الحديث عن فكر فلسفي مغربي معاصر، هو حديث عن المصادر الداخلية والخارجية المتشابكة والمتداخلة والمتفاعلة فيه من جهة؛ وعن الشروط الذاتية والموضوعية، التي ساهمت بشكل أو بآخر في وجوده، مما أتاح الفرصة لبعض الباحثين والدارسين والمهتمين إمكانية الحديث عن فكر فلسفي مغربي معاصر. وهكذا وإن كانت هذه الإشكالية، هي الأخرى، لا تخلو من صعوبات وتعقيدات وتشابكات متنوعة ومختلفة ومتعددة، فإنها أخذت تفرض نفسها على الساحة الثقافية والفكرية على العموم، وعلى الفكر الفلسفي على الخصوص، في عصرنا المعاصر، وذلك بفعل الاهتمامات والأبحاث والدراسات والكتابات المتراكمة في مجال الفكر المغربي، وعلى الأخص في مجال الفكر الفلسفي المغربي المعاصر..!

ومن الملاحظ، أن ما قمنا به من محاولة طرح مجموعة من الأسئلة والتساؤلات، وما حاولنا، كذلك، مناقشته بشكل أو بآخر، في القسم الأول من قراءتنا -المنشور في جريدة المنظمة- حول: هل هناك فكر فلسفي مغربي معاصر..!؟!، قد جعلنا نقف عند مجموعة من المشاكل والحقائق المرتبطة بالفكر الفلسفي المغربي المعاصر؛ كما فتح أمامنا المجال، مرة أخرى، لنتساءل عن إشكالية ما هو ذاتي وما هو موضوعي كوني في الفكر الفلسفي المغربي المعاصر!؟ وعن هل بإمكاننا الحديث في الفكر الفلسفي المغربي المعاصر عن إبداع فكري فلسفي أم عن اتباع للفكر الفلسفي العربي الإسلامي والفكر الفلسفي الغربي معا..!؟! وإذا كان الأمر كذلك، أين يتجلى ذلك، وما هي الدلائل والبراهين التي يمكن الاعتماد عليها في هذا الموقف أو ذاك..!؟!

يقول الاستاذ عبد السلام بنعبد العالي في كتابه: التراث والهوية-دراسات في الفكر الفلسفي بالمغرب(1) ص7: “ربما لم يحن الوقت بعد لدراسة الإنتاج الفلسفي عندنا ومتابعة حركته وتقويمه، خصوصا وأن هناك من ينكر حتى وجوده فيتعتبر أن ما يروج عندنا من أفكار وما يتداول من كتب لا يعدو أن يكون مؤلفات مدرسية تعليمية مهمتها ترويج ما يصدر في أوروبا أو محاولة تأريخ الفلسفة الإسلامية، وأن هذه المحاولات لا ترقى إلى مستوى الفلسفة الغربية، ولا تضاهي الفلسفة الإسلامية أيام عزها ومجدها.

istiqlal

إلا أن ما نود القيام به في هذه العجالة، هو بالضبط التساؤل عما إذا كانت هناك حياة فكرية فلسفية عندنا، وما إذا كان هذا الفكر يحيا بالفعل، أي يموت، ما دامت حياة الفكر، كما يقول هيجل، هي موته وعدم خلوده إلى التطابق وبناء الوحدات لخلق الفوراق وتعديد الهوية وهدم الأوثان.

لن نتقصى الفكر الفلسفي إذن من منظور الوحدة، ولا من حيث هو تيارات سارية أو مذاهب مفترضة أو منظومات مغلقة، وإنما سنرصده في تعدده واختلافاته عسى أن نبلور مخاضه وحركته.

غير أن صعوبة كبرى سرعان ما تواجهنا وهي كيف نقوم بذلك الرصد: أنتابع الإنتاج الفلسفي كأشخاص ومصنفات، أم نحصره في موضوعات وقضايا، أم نبلوره في مفاهيم؟”.

ويضيف قائلا في ص8: “ولكن ما القول في الدراسات الإبستمولوجية؟ الظاهر أن الموضوعات الإبستمولوجية متداولة عندنا. لكن، حتى في هذه الدراسات ينصب الاهتمام على التاريخ: على تاريخ إبستمولوجي وإبستمولوجية تاريخية. ولا عجب أن نتفتح اليوم على باشلار وكانغلهم وفوكو. إن الدراسات الإبستمولوجية عندنا عبارة عن حوار مع تاريخ العلوم ومراجعة لمفاهيم أكثر منها محاولة لنحت نظرية عن العلم.”(1) ويضيف قائلا كذلك، في ص9 و10: “المفاهيم الفلسفية المتداولة عندنا إذن هي مفاهيم من أجل تملك التراث الفلسفي، سواء تعلق الأمر بما يسمى التراث الغربي أو بتراثنا العربي الإسلامي. وفي اعتقادنا أن هذه المفاهيم، رغم تعددها، يمكن أن ترد إلى ثلاثة أساسية:

ـ مفهوم التاريخ وما يرتبط به من مفاهيم أخرى كالتراث والكلية والتاريخية والإرادية والاستمرارية والقطيعة.

ـ مفهوم الهوية وما يتعلق به من مفاهيم كالأصالة والقومية والخصوصية والتغاير.

ـ مفهوم الإيديولوجيا، وما يرتبط به كمفهوم التأويل والقراءة والموضوعية والحقيقة والواقع واللاشعور والخيال.”(1).

من الملاحظ كذلك، ومن خلال ما جاء في تقديم الأستاذ بنعبد العالي حول التساؤل عن إمكانية وجود إنتاج أو فكر فلسفي مغربي، في مستوى الفلسفة الإسلامية أو مستوى الفلسفة الغربية، إن مثل هذه التساؤلات والمناقشات المختلفة. قد تخطت -في اعتقادنا- بالفعل هذه الإشكالية بوجود تفكير فلسفي مغربي معاصر، منبثق بالأساس عن وجود مفكرين فلاسفة ومهتمين بالفلسفة بمفهومها العام كما يبدو واضحا من خلال الأنشطة الفكرية والفلسفية، وكذلك من خلال الإنتاجات الفكرية والفلسفية المتنوعة التي أفرزها الواقع الموضوعي المتحرك المعاش. ما يؤكد كذلك، وجود “حياة فكرية فلسفية” في المغرب -كما قال بنعبد العالي- بالرغم من أن هذا التفكير الفلسفي المغربي المعاصر لم يرق بعد أو لم يصل بعد إلى ما وصلت إليه الفلسفة العربية الإسلامية ايام ازدهارها والفلسفة اليونانية في القديم والفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة. وهذا لا يتناقض مع المنطق الفكري والتاريخي، كما نرى، بحيث أن التفكير الفلسفي المعاصر في المغرب لا زال في مراحله الأولى الجنينية والبنائية. ومع ذلك يصعب أن ننفي عنه إمكانية الوجود، باعتبار أنه لم يصل بعد إلى مكانة الفلسفة الإسلامية أو الفلسفة الغربية. وهذا ما جعلنا كذلك، في هذا القسم الثاني، أن ننتقل بمناقشتنا وتحليلنا وتساؤلاتنا إلى إشكالية أخرى، تتعلق بالمصادر الداخلية والخارجية وبالشروط الذاتية والموضوعية -كما قلنا في السابق-، وهذا الموقف قد استخلصناه من التراكم المتنوع في مجال الفكر الفلسفي المغربي المعاصر، حيث نجد في الساحة الفكرية والثقافية مجموعة من المفكرين الفلاسفة والمهتمين والأساتذة الباحثين بالرغم من وجود مشاكل متعددة ومتنوعة تعترض سبيل بلورة وتطوير الفكر الفلسفي المغربي المعاصر، كما هو الأمر بالنسبة للفلسفات الكبرى السابقة عنه والمعاصرة له، وهذا لا يمكن أن يقف في وجهه، ليجعل منه فكرا مشلولا وعاجزا عن التغيير والتطوير والبناء والتجديد والإنتاج.. الخ، كما حدث في الفكر الفلسفي الإنساني عبر مراحله التاريخية المختلفة والمتنوعة، وإلا سقطنا في منطق العزلة والتحجر والنظرة ذات البعد الواحد والأحكام الجاهزة، والتي لا يمكن أن تخدم الفكر المتحرر والمنفتح والمبدع.. الخ.

وإذن، كيف يمكن أن نحد من إمكانيات الإنسان وقدراته وأن نحكم عليه بالعجز وعدم القدرة على إنتاج فكر فلسفي أو علمي أو أدبي، بالرغم من أن محاولاته لازالت تبحث بجد وبعزيمة قوية على تحقيق ما استطاع أن يحققه الإنسان منذ القديم إلى عصرنا المعاصر..!؟! وهل الفكر الفلسفي هو فكر من اختصاص “عقل” أو “إنسان” معين ومحدد، أم إنه فكر إنساني يحتاج فقط، إلى مجموعة من الشروط المتوفرة من أجل أن يوجد ويتطور ويتبلور ويتجدد باستمرار..!؟! ألسنا في حاجة إلى فلسفات ترتبط بواقعنا وتهتم بمشاكلنا وتنطلق من هويتنا وثقافتنا من غير نسيان أو تهميش الآخر، والحط من قيمته!؟! ألسنا في حاجة إلى فلسفات تقوم بالأساس على الحوار الهادف والجاد، حوار مستقبل الإنسان وحاضره، مع احترام مقوماته الروحية والمادية؟ أليس من حقنا الاهتمام بالفكر الفلسفي العربي الإسلامي والاستفادة من جوانبه الإيجابية ونبذ جوانبه السلبية التي لا تنسجم مع واقعنا على جميع المستويات..!؟! أليس من حقنا إنتاج فكر فلسفي مغربي منسجم مع النسق الفلسفي الإنساني الشمولي على العموم والفكر الفلسفي العربي الإسلامي على الخصوص..!؟! أليس من حقنا الاهتمام بالتراث الفكري الإنساني على العموم والتراث الفكري الفلسفي على الخصوص..!؟!

على أية حال، هناك مؤيدون وهناك معارضون وسوف لا ندخل في نقاش أسباب الموقفين، المختلفة والمتنوعة بقدر ما سنعتمد على مجموعة من النصوص والأقوال، وذلك للاستشهاد والبرهنة، تاركين المجال للقارئ الجاد والواعي والمهتم المساهمة معنا بشكل أو بآخر، في قراءة وتحليل ومناقشة ومساءلة هذا الموقف أو ذاك، أثناء الحديث عن: هل هناك فكر فلسفي مغربي معاصر..!؟!. وهكذا وكما نرى، ننتقل من منطق البعد الواحد والنظرة الضيقة والموقف المتعصب إلى نظرة التفتح والانفتاح والحرية والحوار الهادف، وكذلك إلى المشاركة الفكرية والثقافية والإبداعية الديمقراطية، مما سيساهم في تقعيد فكر إنساني وفلسفي مغربي يقوم على منطق الديمقراطية النشطة والفاعلة.. منطق المساواة بين الناس وبين العقول في حق العمل والإبداع والإنتاج في جميع المجالات، وعلى جميع المستويات.

يقول الأستاذ عبد السلام ياسين في كتابه: محنة العقل المسلم بين سيادة الوحي وسيطرة الهوى(2) ص93: “يبحث الفلاسفة العرب المعاصرون عن سلف لهم في اللاييكية، فينادون شبح ابن رشد. ويلتمسون عند المعتزلة آباء أصلاء للعقلانية الجريئة.

وما لنا نشرح الجثث الهامدة! ماتت الفلسفة الأرسطية وشبعت موتا. وماتت بعدها فلسفات نقضها تقدم العلوم الكونية، كلما اكتشف العقل العلومي أفقا جديدا للمعرفة انغلق على العقل الفلسفي أفقه الأول. وكلما أسست الكشوفات الكونية قارة جديدة للعلوم تداعى بنيان الفلسفة، وحاولت الاستنجاد بشقيقها العقل العلومي لتنشئ لنفسها بنيانا جديدا”(2).

لسنا في حاجة إلى مناقشة هذه الأقوال الواضحة الأهداف والأبعاد، لأن هدفنا هو محاولة البحث عن جواب/أجوبة -إذا كان ممكنا- لإشكالية فكرية فلسفية قائمة بذاتها في الفكر الفلسفي المغربي المعاصر. ولكن الذي أثار اهتمامنا أكثر في هذه الأقوال، للأستاذ عبد السلام ياسين، هو هجومه على الفلسفة والإعلان عن “موتها” كما فعل الفيلسوف الكبير، رحمه الله، أبو حامد الغزالي-مضيفا “ضعفها”، واحتماءها بالعلوم؛ ومن غير أن ندخل في التفاصيل، إن فلسفة العلوم، في عصرنا المعاصر، قائمة بذاتها وتفرض نفسها بشكل أو بآخر، حتى على العلم نفسه، بالرغم من أنها تنطلق منه ومن نتائجه وتستفيد منه كذلك ومن نتائجه ومناهجه..الخ. فلسفة العلوم هذه التي تعرف بالإبستمولوجيا في الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر، بالرغم من صعوبة الحديث عنها في المجتمعات التي لا زال العلم فيها يعرف مجموعة من الصعوبات والعوائق -كما قلنا- وكما جاء واضحا في أقوال الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي السابقة الذكر. يقول الأستاذ محمد المصباحي في كتابه: دلالات وإشكالات(3) ص: “الدلالة وبناء المذاهب الفكرية”: “بيد أنه بصدد هذا الموضوع، موضوع الدلالة وبناء المذاهب الفكرية، أوثر أن آخذ الإبستمولوجيا أو الأصل بمعنى الفعل لا الملكية، وحيث أن فعل البناء الكلامي أو الفلسفي هو أساسا فعل للدلالة، بمعنى أن النشاط النظري هو في جوهره ابتكار للدلالة أو تعديل لها أو إعادة بنائها أو تشويهها، فإنني سأتكلم على الخصوص عن هذه العملية المشتركة للتأسيس المذهبي بين الإبستمولوجيا والدلالة”(3).

أما عبد المجيد الصغير فيقول في دراسات مغربية(4) ص93 و94: “مواقف رشدية” لتقي الدين ابن تيمية؟ -ملاحظات- “وإذا كان من النادر أن نقف على الحديث عن هذا الأثر الخافت للرشدية في المغرب، فإنه يكاد يكون من المستحيل الحديث في تلك الدراسات عن أثر الرشدية ومواقفها النقدية بين مفكري الإسلام في بلاد المشرق، نظرا لعدة عوامل اجتماعية وسياسية قديمة وظرفية، بالإضافة إلى اختلاف البيئة الفكرية التي أفرزت الرشدية بالمغرب عن تلك التي سادت المشرق منذ قرون، وخاصة بعد “الغزالي”، الشيء الذي يجعل مجرد محاولة للبحث عن احتمال تسرب للرشدية نحو المشرق الإسلامي، ينظر إليها كمحاولة لا تاريخية، وبكونها مخالفة لما أبانه التاريخ من التمايز الواضح بين فلسفة ابن رشد وبين عصر الانحطاط الذي بدأ يزحف على المغرب، بعد أن أناخ بكلكله على دول المشرق ومماليكه، كما قد ينظر إلى تلك المحاولة باعتبارها مخالفة للرأي القائل باختلاف بنية الفكر المغربي، الذي أنتج الفلسفة النقدية لابن رشد، عن بنية الفكر المشرقي الذي أنتج فكرا كفكر “الغزالي”…”(4).

وهذا الفيلسوف الكبير ابن رشد يقول في كتابه فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال(5) ص23: “[ضرورة النظر]: وإذا تقرر أن الشرع قد أوجب النظر بالعقل في الموجودات، واعتبارها، وكان الاعتبار ليس شيئا أكثر من: استنباط المجهول من المعلوم، واستخراجه منه، وهذا هو القياس، فواجب أن نجعل نظرنا في الموجودات بالقياس العقلي.

وبين أن هذا النحو من النظر، الذي دعا إليه الشرع وحث عليه، هو أتم أنواع النظر بأتم أنواع القياس، وهو المسمى برهانا.

وإذا كان الشرع قد حث [على] معرفة الله تعالى [وسائر] موجوداته بالبرهان، [وكان ] من الأفضل، أو الأمر الضروري، لمن أراد أن يعلم الله، تبارك وتعالى وسائر الموجودات بالبرهان، أن يتقدم أولا فيعلم أنواع البراهين وشروطها وبماذا يخالف القياس البرهاني القياس الجدلي، والقياس [الخطابي ]، والقياس المغالطي، وكان لا يمكن ذلك دون أن يتقدم فيعرف قبل ذلك ما هو القياس المطلق، وكم أنواعه، وما منها قياس، وما منها ليس بقياس، وذلك لا يمكن أيضا [إلا ويتقدم] فيعرف قبل ذلك أجزاء القياس التي منها [تركبت ]، أعني المقدمات وأنواعها.

فقد يجب على المؤمن بالشرع، الممتثل أمره بالنظر في الموجودات، أن يتقدم قبل النظر، فيعرف هذه الأشياء التي تتنزل من النظر منزلة الآلات من العمل..”(5).

ويضيف ابن رشد قائلا في ص28و 29: “فقد تبين من هذا أن النظر في كتب القدماء واجب بالشرع، [إذ] كان مغزاهم في كتبهم ومقصدهم هو المقصد الذي حثنا الشرع عليه، وأن من نهى عن النظر فيها من كان أهلا للنظر فيها-وهو الذي جمع أمرين:

ـ أحدهما: ذكاء الفطرة

ـ والثاني: العدالة الشرعية، والفضيلة [العلمية] الخلقية – فقد صد الناس عن الباب الذي دعا الشرع منه الناس، إلى معرفة الله، وهو باب النظر المؤدى إلى معرفته حق المعرفة. وذلك غاية الجهل والبعد عن الله تعالى”(5).

أما الأستاذ جمال الدين العلوي فيقول في كتابه المتن الرشدي(6): “على أن ما يهمنا تسجيله ها هنا منذ البداية ليس هو وحدة هذا التراث فحسب، ولا تماسكه المنطقي الصارم فقط، بل ما يلاحظ فيه من غنى وتنوع واختلاف، أعني غنى مضامينه وتنوع مصادره واختلاف مكوناته”(6).

ويقول كذلك الأستاذ محمد سبيلا في كتابه مدارات الحداثة مقالات في الفكر المعاصر ص4: “وباعتقادنا أن كل تعامل مع الفكر الغربي يتعين أن يكون تعاملا نقديا، وأن يستحضر جملة معايير: أولها ضرورة التمييز بين ما هو علمي وما هو إيديولوجي. وثانيها التمييز بين ما هو كوني وما هو محلي، وثالثها مراعاة تاريخية هذه المكتشفات الثقافية”(7).

إن طبيعة العلاقة بين الفلسفة والعلم وأهميتها لدى الفلاسفة القدماء والمحدثين والمعاصرين تستخلص من الواقع الموضوعي لهذه العلاقة الأساسية بين الفلسفة والعلم، ومن خلال تصورات الفلاسفة والعلماء معا، حيث كانت الفلسفة -كما هو معروف عنها- في القديم، (أم العلوم) أي أنها كانت تشمل كل فروع المعرفة الأخرى، من علوم رياضية وطبية وطبيعية.. الخ. وهكذا وبالرغم من استقلال العلوم في العصر الحديث، حين عرفت تقدما وتطورا وتحولا تجاوز الفكر الفلسفي، فإن الفلسفة لم “تمت” ولم تتوقف عن البحث والتساؤل بل ظلت حية تسير بسيرورة الإنسان وبصيرورته، ومن تمة فبالإضافة إلى اهتمامها بالجانب الميتافيزيقي وبالمجالات أو المواضيع الغير فيزيائية مثل (الحق والجمال والحرية..الخ)، أصبحت في عصرنا المعاصر، كما هو معروف عنها كذلك تهتم بالمعرفة العلمية، وتبتدئ من حيث ينتهي العلم، وذلك من خلال اهتمامها بحثا ودراسة ونقدا بمفاهيمه ومناهجه ونتائجه. وهذا ما يجعلنا نقول إن العلاقة بين الفلسفة والعلم ظلت مهمة وأساسية، سواء في القديم، أو في العصر الحديث وفي العصر المعاصر، بالرغم من سيطرة العلم (الآن). وهذا ما أصبح يسمى في مجال الفكر الإنساني عموما، وفي مجال الفكر الفلسفي خصوصا، بفلسفة العلوم أو الإبستمولوجيا، التي أصبحت تغزو كل المجالات والميادين في عصرنا المعاصر. وهذا ما تبدى لنا على سبيل المثال لا الحصر، من خلال بعض النماذج الفكرية الفلسفية المغربية التي استشهدنا بها في السابق.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الحديث عن العلاقة بين الفكر الفلسفي المغربي المعاصر والتراث الإنساني بمفهومه الواسع على العموم وبمفهومه الفلسفي على الخصوص، يقتضي منا بادئ ذي بدء، تسليط بعض الأضواء على هذين المفهومين، لما يكتنفهما من صعوبة في التعريف ومن تشابك وتداخل في الطرح والتصورات والطرق المتنوعة والمختلفة. وهكذا فإذا كان من التراث والفكر الفلسفي.. إنتاجين إنسانيين مرتبطين بالإنسان وبوجوده وبأنشطته وكانا كذلك أسلوبين إنسانيين في الحياة والتفكير، فهذا الشيء وغيره يعطي أهمية للإنسان الواعي ولوجوده في هذه الحياة، باعتباره كائنا نشيطا ومنتجا ومبدعا وعاملا وباحثا ومتسائلا باستمرار، وبذلك يمكن القول بأن الإنسان منذ أن وجد على وجه هذه البسيطة وهو يفكر ويتساءل ويتصارع مع الطبيعة من أجل فهمها ومعرفتها والسيطرة عليها قصد الاستفادة منها من جهة، ومن جهة أخرى قصد بلورة إنتاجه الفكري والمادي، الذي يحققه بواسطة العمل المشترك، وذلك من خلال بناء علاقات إنسانية واجتماعية واقتصادية وفكرية وثقافية بين الإنسان وأخيه الإنسان في كل الأزمنة وفي كل الأمكنة.
هكذا وبالرغم من صعوبة إشكالية تعريف الفلسفة، وإن كانت، مثلا، واضحة التعريف في المجتمع اليوناني، على المستوى الاصطلاحي والاشتقاقي، فإن معرفتنا بالتراث الإنساني تزداد صعوبة وتعقدا وتشابكا، أكثر من الفلسفة، لأنه لا زال غير واضح بالشكل المطلوب نظرا لمجموعة من الصعوبات والمشاكل التي تعترض الإنسان الباحث والمهتم والدارس لهذا المجال الواسع النطاق والغزير الإنتاج. ومن هنا ينبغي الحذر والانتباه، إلى ما يمكن أن يعترضنا في مجال البحث والدراسة، في مجال التراث الإنساني على العموم والتراث الفلسفي على الخصوص. فإذا كنا أمام فلسفات، فكذلك نحن أمام تراث متنوع ومتعدد ومختلف. ومن هنا كذلك أهمية الارتباط بالواقع الموضوعي وبالمراحل التاريخية والفكرية والثقافية لكل إنتاج فكري إنساني. فالفلسفة، مثلا، هي جزء لا يتجزأ من التراث الإنساني، بالرغم من اختلاف الفلسفات وتنوعها، وكذلك بالرغم من اختلاف وتعدد التراث الإنساني. فالتراث هو الآخر يختلف حسب اختلاف الأزمنة والأمكنة، كما هو معروف كذلك عن الفكر الفلسفي. وهذا ما سيجعلنا، في هذه القراءة المتأملة، نتناول -من خلال الأقوال والنصوص- علاقة الفكر الفلسفي المغربي المعاصر بالتراث العربي الإسلامي وبالتراث الفكري الغربي كذلك، وذلك لاعتبارات وشروط ذاتية وموضوعية، كما سنرى.

أ – علاقة الفكر الفلسفي المغربي المعاصر بالتراث العربي الإسلامي:

كل فيلسوف، كما هو معروف، له نسق فلسفي محدد ورؤية فلسفية معينة إلى الأشياء والقضايا الفكرية والثقافية المختلفة. وهو لا ينطلق من لا شيء، بل إنه إنسان مرتبط بواقعه وبزمنه، وبالتالي فهو يتوفر على ثقافة وتكوين معينين، وهذا ما بإمكانه أن يحدد تفكيره الخاص ونظرته إلى القضايا الفلسفية المتنوعة والمتعددة المرتبطة بالخالق والخلق وبالإنسان والمجتمع والتاريخ والتراث بما في ذلك العادات والتقاليد..الخ. حيث يقول الأستاذ سعيد بن سعيد، مثلا، في ص7 من المصدر السابق دراسات مغربية في الفلسفة والتراث والفكر العربي الحديث..(4):

“ولكننا نعتقد أن هناك أسلوبا آخر ممكنا للحديث عن الحضور الفلسفي في الفكر العربي المعاصر ولمعرفة المكانة الفعلية التي تحتلها الفلسفة في الخطاب الفلسفي العربي المعاصر. هذا الأسلوب يكمن في التعرف على تلك الفلسفة واختبارها من خلال اختبار قضية تمس هذا الفكر في صميم كيانه، قضية يتلقى معها في كل أشكاله التعبيرية، يتلقى بها سلبا وإيجابيا: إنها قضية التراث.

كل حديث ممكن حول التراث يكون، في تقديرنا، تساؤلا ضمنيا أو صريحا حول العناصر الثلاثة الآتية: من الذي يتساءل بصدد التراث؟ ما قيمة التساؤل بالنسبة للمتسائلين أو لماذا التراث؟ وأخيرا ما هو التراث أو ما المقصود بالتراث؟

هذا التساؤل الثلاثي الحدود يعني بوضوح أنه لا سبيل إلى الحديث عن التراث كما لو كان مسألة منتهية وكما لو كان ما يفهم منه شيئا واحدا ومشتركا بين الدارسين وهو يعني كذلك أن التساؤل يستمد مشروعيته الفلسفية من التشكيك في هذه المسألة بالذات: وأحادية المعنى والدلالة التي يكتسيها التراث عند كل الذين يتحدثون عنه(4).

ليست إشكالية علاقة الفكر الفلسفي المغربي المعاصر بالتراث العربي الإسلامي وبالتراث الإنساني على العموم، وبالفكر الفلسفي العربي الإسلامي وبالفكر الفلسفي الإنساني على الخصوص، سهلة وبسيطة، بل إن التراث بمفهومه العام هو جسم الفكر الإنساني على العموم والفكر الفلسفي على الخصوص لأن الفيلسوف ينهل من هذا التراث الإنساني ومن تاريخه ومن أجل ذلك وجب التفكير فيه بعمق وبحذر وبتأن وتبصر، لأن حتى الفلسفة تجد نفسها قائمة داخله وبذلك فهي إحدى العناصر التي تكون بنيته الكلية العامة. ذلك أن التراث يجسد تاريخ الأمم وحياتها الغنية بالعطاءات والإنتاجات المختلفة والمتعددة.

وكما أنه لا وجود لمجتمع إنساني بدون تراث، فإن الإنسان المفكر والمبدع والعامل هو شرط ضروري وأساسي لهذا التراث. فبواسطة الفكر والعمل يستطيع الإنسان أن ينتج بوعي، كل ما بإمكانه أن ينتجه في جميع المجالات والميادين. ومن هنا تتبدى العلاقة الأساسية بين الفكر الإنساني والتراث على العموم. ومن هنا نتساءل، مرة أخرى – أليس من حق الفكر الفلسفي المغربي المعاصر أن يهتم بالتراث الإنساني على العموم والتراث العربي الإسلامي على الخصوص بعيدا عن الاجترار وعن التبعية العمياء..!؟!

إن محاولة الإجابة عن هذا السؤال وعن غيره نستمدها -نسبيا- مما أنتجه الفكر الفلسفي المغربي نفسه، حتى لا نسقط في فخ النظرة الضيقة والأحكام المسبقة والتأويلات الخاطئة الممكنة، حيث يقول الأستاذ عبد الصمد الديالمي -على سبيل المثال لا الحصر- في هذا المجال، في كتابه: المعرفة والجنس من الحداثة إلى التراث(8) ص6: “3) الجنس والتراث: هل العقل حكر على العلوم الإنسانية؟ هل تنحل وظيفة التراث في تشكيل مجموعة من الوثائق المنفعلة أمام الجهاز المعرفي الغربي؟ ألا تحقق السوسيولوجيا ثوريتها عند إشراك خطاب الآخر (اللاغرب)، عند الإنصات إلى الخطاب الداخلي، من أجل إنجاز لعبة معرفية أقل فرجة؟ إن الهدف ليس إبراز التناقض بين رؤيا داخلية نرجسية ورؤيا خارجية عدوانية. إن الهدف هو أولا الإنصات إلى القول الفقهي كوثيقة سوسيولوجية أغفلتها الكتابة التاريخية الكلاسيكية. صحيح أن بناء التاريخ الاجتماعي من خلال النصوص الفقهية يوهم بأن العملية كلها مجرد استغلال لوثائق لم تبق لها صلاحية في بناء الحاضر. إلا أن مسألة تلك النصوص “الصفراء” تؤدي إلى مفاجآت، إلى اكتشاف البعض من العقلانية في أماكن قولية أصبحت غريبة حتى بالنسبة للفكر العربي المعاصر نفسه. إن “غرابة” نكاح بنت الثمانية لا تقل عن “غرابة” ضرورة “إلتقاء الماءين، منها ومنه”(8).

أما الأستاذ بنسالم حميش فيقول بصدد هذه الإشكالية في أعمال ندورة الفكر الفلسفي بالمغرب المعاصر(9) ص70: “حول إعادة التفكير في علاقتنا بالتراث عامة: إن باحثينا ومفكرينا سيظلون مطالبين دوما ببذل مجهودات عريضة وشاقة من أجل بلورة تراثنا الفلسفي والفكري وإضاءة عتماته ومركباته. غير أنه بموازاة مع هذه المجهودات، وأحيانا كتعويض عن تعذرها، قد يكون من الأجدر والأنجع استجواب التراث المذكور من موقع الذاكرة النفعية وفي مرآتها، أي بقولتي الحي والميت فيه، وبمعيار حاجة حاضرنا إليه. وبعبارت أخرى، إن خلق شروط العود المعرفي والحنين المبدع إلى التراث الحي النافع يبقى رهينا بتمكننا من إحلال ميلنا إلى القوة والصحة محل وجوه عجزنا وتبعياتنا”(9).

إن الموقف الذي يدعو إلى مناهضة الفلسفة ومحاربتها بشتى الطرق وبالتالي الإعلان عن موتها بدون الإعلان عن حياتها، إن مثل هذا الموقف يعلن صراحة عن رفضه للفكر الفلسفي بما فيه التراث الفلسفي، وذلك لحساب تفكير آخر، باعتباره “الفكر الوحيد والواحد” الصالح للإنسان، أينما كان هذا الإنسان!؟! أليست فلسفة كل من أرسطو وابن رشد-على سبيل المثال لا الحصر- تدرس وتقرأ حتى الآن في كثير من المجتمعات الإنسانية..!؟! أليس معنى هذا في المنطق الإنساني هو حياة الفكر واستمراريته..!؟! ثم لماذا التخوف من الفكر الفلسفي إذا كان لا يضر بنا وبمقوماتنا ومقدساتنا وتراثنا..!؟! ألم يقل ابن رشد في كتابه السابق الذكر فصل المقال.. ص28: ” وإذا كان هذا هكذا، فقد يجب علينا إن ألفينا النظر لمن تقدم من الأمم السالفة نظرا في الموجودات، واعتبارا لها، بحسب ما اقتضته شرائط البرهان، أن ننظر في الذي قالوه من ذلك، وما أثبتوه في كتبهم، فما كان منها موافقا للحق قبلناه منهم وسررنا به، وشكرناهم عليه، وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه، وحذرنا منه وعذرناهم”(5).

إن من حق المسلم المؤمن الدفاع بكل الوسائل والطرق عن الدين الإسلامي وأن يجعله في المكانة اللائقة به. وأن يواجه ويحارب كل التيارات والمذاهب الفكرية والسياسية والفلسفية..الخ، التي تحاول المسمى به أو القضاء عليه. ولكن هذا لا يجعل المسلم المؤمن ينبذ كل شيء لا يتوافق ولا ينسجم مع نظرته الخاصة والهادفة إلى تحقيق أغراض معينة. إننا في حاجة إلى التفكير الفلسفي الناقد والفاضح والمتجدد باستمرار وإلى التراث الفلسفي، الذي يعتبر من بين الضرورات للإجابة على معضلات ومشاكل وقضايا قديمة أو قديمة جديدة أو جديدة، لا زالت تشكل عائقا من العوائق في تنمية مجتمعاتنا العربية الإسلامية، التي لا زالت تعاني بدورها من النزعات الذاتية الضيقة المتحجرة ومن التصورات والنظرات والتأويلات المتحجرة الغير موضوعية. ومن هنا تظهر أهمية علاقتنا بالتراث إيجابيا وسلبيا.

وليس من شك، في أن الاهتمام بالتراث الفلسفي والفكري على العموم، من طرف المهتمين والباحثين والدارسين والمفكرين في واقعنا المغربي على الخصوص أصبح من بين المسائل المشكلة والمتعبة. إننا كما يقول الأستاذ بنسالم حميش، في حاجة ضرورية إلى قراءات التراث بطرق مختلفة ومتنوعة وإلى إعادة قراءة هذا التراث مجددا وفق السيرورة المجتمعية والتاريخية والحضارية. ينبغي الاستفادة مما هو إيجابي وحي في تراثنا، وذلك من أجل مقاومة العجز والاتكال والتقاعس والتبعية. وهذا موقف من التراث مناقض للموقف السابق، كما رأينا.

وعلى ضوء الموقفين السابقين من التراث ومن ربط العلاقة معه مجددا، نستنتج ثنائـية التناقض، تتجلى بوضوح في: موقف الرفض وموقف الأخذ بالتراث الفلسفي العربي الإسلامي. موقف النبذ والتهميش والموت وموقف أخذ ما هو حي فيه والعمل على تطويره وتجديده حتى يصبح ملائما ونافعا لواقعنا المأزوم والمهموم.

لقد برزت إشكالية الدين والفلسفة، من جديد، في واقعنا العربي الإسلامي وفي فكره، بموازاة مع تقدم الغرب وتخلف المجتمعات العربية الإسلامية ومن هنا تتشعب وتتعقد هذه الإشكالية، التي ترتبت عنها مجموعة من التناقضات والمفارقات والصراعات، أدت بدورها إلى مجموعة من المواقف والتصورات والاتجاهات.. الخ. مما أدى كذلك إلىتبلور إشكالية الديني والعلماني: من منهما بإمكانه أن يخرج هذه المجتمعات العربية الإسلامية من ورطتها وتخلفها..!؟! هل الموقف الديني؟ أم الموقف العلماني!؟! من منهما يملك العصا السحرية لتحقيق ذلك!؟

وعلى أساس هذه الإشكالية وغيرها، وعلى ضوئها، يمكن القول، وحتى الآن، إن المجتمعات العربية الإسلامية تزداد تأزما واختناقا وتخلفا. تزداد معاناة ومآسي وفواجع ومظالم سيظل التاريخ المعاصر، شاهدا على ذلك، من خلال مجموعة من الصور القاتمة واللاإنسانية. مما أصبح يقتضي من كل المفكرين والفلاسفة والمتدينين والباحثين والدارسين المهتمين البحث عن قنوات أساسية وصلبة، منطقية ومعقولة وواقعية، لتوحيد أهداف الخطاب الإصلاحي والنهضوي أو التغييري والتجديدي إلى ما فيه صالح الأمة العربية الإسلامية. وهذا في اعتقادنا يتطلب وعيا علميا صحيحا يقوم على مبدإ الاختلاف واحترام الرأي وحريته بين وجهات النظر المختلفة والمتنوعة.

ومن خلال ما تقدم طرحه، وفي سياق ما رأيناه وقلناه، حول أزمة الواقع العربي الإسلامي على العموم والواقع المغربي على الخصوص، تتوضح أهداف حدود العلاقة التي يمكن أن تقوم بين التراث الفلسفي خاصة والتراث الإنساني عامة. وهكذا يصبح من الضروري في اعتقادنا، أن نصغي لكل التيارات والتصورات الفكرية، بوصفها مشكلة من الواقع الموضوعي المعاش، وبالتالي الأخذ بما هو منطقي وإيجابي ونفعي وصالح لواقعنا والتخلي عن كل ما هو سلبي وغير مفيد لنا وصالح لنا كذلك.

وفي سياق ذلك، يمكن القول، إن الحضارة العربية الإسلامية قد عرفت تقدما ملموسا ونهضة واسعة في كل المجالات -كما عرف عنها- وما كان ذلك يتحقق بهذه الطريقة، لولا تداخل العوامل الداخلية والخارجية وتفاعل الشروط الذاتية والموضوعية على المستوى الفكري والديني والسياسي والاقتصادي والحضاري والثقافي. وما التراث الفلسفي العربي الإسلامي إلا أحد الإفرازات أو الخلاصات الناتجة عن الاحتكاك الإنساني والتاريخي والاجتماعي والثقافي والفكري والحضاري.. الخ، كما قلنا.

والفكر المغربي على العموم، ليس فكرا معزولا، بل هو فكر مرتبط بالتراث الفكري الإنساني، ومتأثر كذلك بالتراث العربي الإسلامي. لذلك يبدو من الضروري، إذا ما أردنا معرفة تراثنا المغربي، معرفة معمقة وهادفة وواعية بإشكالية بلورته وتطويره وتجديده في حدود الإمكان، وضعه في إطاره التاريخي والفكري والحضاري والثقافي، لمعرفة كيف نشأ؟ وكيف تطور بشكل أو بآخر!؟! وما آل إليه في عصرنا المعاصر..!؟! وهذا يقتضي معرفة تفاعل المؤثرات والعوامل والأسباب والشروط التي ساهمت بشكل أو بآخر، في تأسيس الفكر الفلسفي المغربي المعاصر المتجسد في هذا التراكم الفكري المتنوع والمتعدد الأبعاد والأهداف. هذا التراكم الذي يؤشر على أن هناك رغبة واستعدادا وإرادة لبناء فكر فلسفي لا يقل أهمية عن ما وصلت إليه الفلسفات الإنسانية من خلال المراحل التاريخية المختلفة لمسار تاريخ الفكر الإنساني. يقول أحمد اليابوري في: دراسات مغربية في الفلسفة والتراث والفكر العربي الحديث…(4) ص17: “يعرف محمد عزيز الحبابي بإنتاجه الفلسفي والشعري فقد ألف في الفلسفة الإسلامية وفي الشخصانية. كما نشر ديوان شعر مزج فيه بين التأمل والنزعة الغنائية. فلا عجب إذا حاول استعمال القالب القصصي والشكل الروائي للتعبير عن رؤيته للوجود شأن كثير من المفكرين في الشرق والغرب، في القديم والحديث. وليس بغريب أن نتيجة لذلك أن نجد الاهتمامات الفلسفية تحتل مكان الصدارة في هذا الإنتاج وتكيف شكله وتلون أساليبه”(4).

ويقول الأستاذ علي أومليل في نفس المصدر السابق(4) ص237 “ملاحظات حول مفهوم “المجتمع” في الفكر العربي الحديث”: “لكن هل استطاع الفلاسفة بعلمهم الفلسفي وحده أن يصلوا في مجتمع إسلامي إلى اكتساب السلطة العلمية؟ بعبارة أخرى: هل كان للفلسفة أن تقدم لمثل هذا المجتمع نظرية تقوم عليها شرعية السلطة؟ طبعا لم يكن ذلك ممكنا في مجتمع تقوم السياسة فيه نظريا على الشرعية الدينية، لذا لجأوا إلى طريق آخر وهو محاولة احتواء الشريعة نفسها. اعتبروا أن الشريعة حق، ولكنها تخبر عن ظاهرة الحقائق، وفي ذلك حكمة لأنها بلاغ للناس أجمعين. أما الفلسفة فهي علم “الراسخين في العلم” وهي المفسر الحقيقي للشريعة. فحقيقة الشريعة في الفلسفة. هكذا إذن يكون الفقهاء إنما يداولون معرفة بالشريعة لا يعرفون حقيقتها، والفلاسفة أعلم بها. والتأويل هو منهج استتباع الشريعة للفلسفة، علم الفقهاء إذن هو دون علم الفلاسفة، فهم إذن لا يملكون الحقيقة (أي الحقيقة-السلطة). الفلاسفة إذن أولى بالصدارة العلمية، أي بالسلطة العلمية”(4).

أما الأستاذ عبد المجيد الصغير فيقول في نفس المرجع(4) ص93 “مواقف “رشدية” لتقي الدين ابن تيمية؟ -ملاحظات-“(4): “من النادر جدا أن نجد في “الدراسات الرشدية” الحديثة كلاما عن أثر ابن رشد في الفكر الإسلامي بالجناح الغربي في العالم الإسلامي، وقد قال قديما “ابن عبد الملك”: “وتفرق تلاميذ أبي الوليد (ابن رشد) أيدي سبأ” فهذا الأثر يجب تتبعه بالأولى، حسب رأي أصحاب تلك الدراسات في التراث النهضوي بأوروبا، بدل تلمس بصماته الخافتة في الفكر المغربي الذي كان يزحف زحفا حثيثا نحو الانحسار والجمود والانحطاط”(4).

ما أهمية الاهتمام بالفكر الغربي عموما والفكر الفلسفي خصوصا من طرف المفكرين والفلاسفة والباحثين والدارسين المهتمين بالفكر الفلسفي المغربي المعاصر!؟! وما هي إشكالية الأثر والتأثير، المنبثقة في العمق عن المثاقفة بين الثقافة المغربية والثقافة الغربية..!؟! هل يمكننا الحديث عن بلورة وتطوير وتفعيل الثقافة المغربية على ضوء الثقافة الغربية بالرغم من الصعوبات والمشاكل والاختلافات والتناقضات القائمة بينهما؟ هل عملية الأثر والتأثير بين الفكر الغربي والفكر المغربي عموما وبين الفكر الفلسفي الغربي والفكر الفلسفي المغربي خصوصا ترجع إلى أن الأغلبية من هؤلاء المفكرين والباحثين والدارسين قد تتلمذوا على أساتذة ومفكرين وفلاسفة غربيين..!؟! وهل أن هذه الإشكالية قد أثرت على الفكر الفلسفي المغربي المعاصر، فجعلت منه فكرا “تابعا” و”مترجما” وغير قادر على الإبداع والتمايز..!؟! أم أنه بالرغم من هذا وذاك، فإن الفكر الفلسفي المغربي المعاصر يبذل مجهودات جبارة من أجل الارتقاء والالتحاق بالفكر الفلسفي الإنساني العالمي، وبما استطاعت أن تحققه الفلسفات الكبرى عبر مسار المسيرة التاريخية والفكرية والإنسانية الطويلة..!؟!

تلك هي الأسئلة والتساؤلات التي سنحاول ملامستها وبسطها للحوار والنقاش على ضوء مجموعة من الأقوال -كذلك- المستنبطة من أقوال بعض الأستاذة والمفكرين والباحثين والدارسين والفاعلين المهتمين بالفكر الفلسفي المغربي المعاصر..!؟!

يقول الأستاذ الطاهر وعزيز في المصدر السابق الذكر، ص27 في “من الحب إلى التشخصن في الشخصانية الواقعية”(4): “لقد قادتنا الشخصانية الواقعية إذن إلى تشخصن يتم عن طريق تواصل لا يستطيع لباسه الفلسفي أن يخفي عنا أنه الحب، هذا الحب “القديم” الذي هو “وجع دائم يفتت العواطف ويسحق القلوب”. وفي ذلك مصداق لما نحس به، من خلال حديث فيلسوفنا عن الحب، في أطروحته التي تملأها لغة فلسفية خالصة”(4).

أما الأستاذ سالم يفوت فيقول في نفس المصدر كذلك، ص73، حول “الهاجس الثالثي في فلسفة محمد عزيز الحبابي: “نريد في هذه المحاولة، أن نؤكد على وجود ثابت حكم فكر الأستاذ الحبابي في مرحلتيه الأولى والثانية، ذلك أن التحول الذي عرفه تفكيره، من الشخصانية الواقعية إلى الغدية، هو في تقديرنا الشخصي، تحول كان مرتقبا، وجدت إرهاصاته الأولى وبصورة جنينية في المؤلفات الأولى، وإن تعذر أحيانا استشفافه فإن ذلك لا يعني أننا أمام فلسفتين متعارضتين، إحداهما غارقة في التأمل، والثانية أكثر التصاقا بالتطور النوعي للمجتمع الآلي المعاصر، وأكثر حرصا على البحث عن مكان العالم الثالث داخل أفق تفكير الآخر، وثانيهما يطرح علامة استفهام على ذلك الأفق نفسه، مبلورا بذلك توجها فلسفيا وأخلاقيا جديدا، يريد تدعيم ركائز حقيقية لفلسفة جديدة من أجل الغد وللغد، لا يبقى فيها الغرب بؤرة العالم ومركزه، ولا العالم الثالث محيطه وهامشه؛ بل أمام لحظتين لفلسفة واحدة، لحظة هيمن فيها هاجس إثبات الذات كمكافئ ومساو للآخر…”(4)

من الملاحظ أن اهتمام الفكر الفلسفي المغربي المعاصر، ينطلق من الاعتراف بالآخر، أي بالفكر الإنساني عموما والفكر الفلسفي خصوصا، في عصرنا المعاصر، ويبدو ذلك من خلال الاحتكاك بالفكر الغربي على الخصوص، والفكر الإنساني على العموم. ولسنا في حاجة إلى أن نضيف أقوالا أخرى، حول ما قام به الأستاذ المفكر والفيلسوف والمبدع محمد عزيز الحبابي، من أعمال فكرية وفلسفية وأدبية جعلته يرقى بشكل أو بآخر إلى مصاف المفكرين والفلاسفة والمبدعين المعاصرين في العالم. وبجانب الأستاذ الحبابي هناك أساتذة مغاربة آخرون، قد أكدوا حضورهم، كذلك بشكل أو بآخر، في الساحة الفكرية والثقافية الإنسانية المعاصرة، وهكذا ومهما تكن المواقف والتصورات من هذه المسألة المتعلقة بالفكر الفلسفي المغربي المعاصر، ومهما تكن الاختلافات، التي هي من طبيعة الفلسفة، فإن ذلك الحوار الجاد والهادف في نظرنا ينطوي على مجموعة من الدلالات المتنوعة والمتعددة، من أهمها أن الفكر المغربي المعاصر، قد أصبح واعيا بأهمية الثقافة والفكر داخل المجتمع المغربي المعاصر، هذه الثقافة المغربية التي تنطوي بدورها على مدى وعيها بأهمية الاستفادة من الآخر، استفادة واعية بالجوانب السلبية والجوانب الإيجابية لثقافة الآخر/الغرب، ثقافة هادفة لأن تكون متلائمة مع الواقع الموضوعي المعاش، وقادرة على تطويره وتغييره وبنائه بناء جديدا، على ضوء التقدم الحضاري والثقافي والفكري الذي حصل بفضل المجهودات الإنسانية المتوالية. وهذا يقتضي وجود فلسفة ثورية مناهضة لكل أشكال التسلط والتبعية والاستعمار، فلسفة تفرض وجود “العالم الثالث” وترقى به إلى مصاف الدول المتقدمة، كما رأينا في الأقوال السابقة التي استشهدنا بها.

هذه المسائل والقضايا المختلفة والمتنوعة والمتعلقة بمسألة تأثر الفكر الفلسفي المغربي المعاصر بالفكر الفلسفي الغربي، رأينا من الضروري الاعتماد على أقوال المشتغلين في الحقل الفلسفي والمهتمين به على جميع المستويات -وإن كان يتعذر علينا ذكر الجميع-. وذلك لإبراز أهمية هذه الإشكالية وخصوصيتها في الفكر الفلسفي المغربي المعاصر.

كما تجدر الإشارة كذلك، إلى أن الذين تشبعوا بالفكر الغربي، قد ساعدهم على ذلك إتقانهم للغة الآخر/الغرب، وفي مقدمتها اللغة الفرنسية، نظرا لعدة عوامل وأسباب معروفة. ولذلك، لم يجدوا صعوبة كبيرة في استيعاب الفكر الفلسفي الغربي المترجم إلى اللغة الفرنسية أو المكتوب بها. فاستوعبوه وتفاعلوا معه إما بطريقة غير مباشرة أو مباشرة. ومن هنا نتساءل، ألم يطرح هذا إشكالية على المستوى الإبداعي الفلسفي المغربي المعاصر..!؟! كيف تعامل الفكر الفلسفي المغربي المعاصر مع الفكر الفلسفي الغربي..!؟! هل هناك وعي بإشكالية التبعية والإبداع والنقد والاختلاف مع الآخر..!؟!

يقول الأستاذ محمد سبيلا، على سبيل المثال، في كتابه السابق الذكر مدارات الحداثة..(7) ص4: “وباعتقادنا أن كل تعامل مع الفكر الغربي يتعين أن يكون تعاملا نقديا..”(7).

وهكذا، فلا عجب أن يتعرف ويتفاعل الفكر الفلسفي المغربي مع الفكر الغربي أو غيره.. وهذا تأكيد ودليل آخر على مدى وعي الفكر الفلسفي المغربي بأهمية علاقته بالفكر الإنساني والكوني من غير التخلي عن النزعة النقدية، التي تعتبر مؤشرا حقيقيا لقيام فكر مبدع وناقد.. حين يكون هذا الفكر واعيا بدوره وبوظيفته الجوهرية والأساسية على جميع المستويات. هذه الوظيفة المستخلصة من القراءة المتأنية والمتعمقة والهادفة. يقول الأستاذ كمال عبد اللطيف بصدد الأمير خطاب الحظ والقوة(4) ص69: “…، تلك خلاصة قراءتنا (المستوى الثالث) لخطاب الأمير، وهي قراءة استهدفت أساسا إبراز قوة النص الماكيافيلي واستمراريته، صحيح أن ماكيافيل يقف نظريا في فجر تأسيس “السياسي” كما تبلور في الفكر الأوروبي الحديث، إلا أن قراءة نماذج من التراث السياسي تتيح للمرء أن يتبين استمرار حضور مفاهيم ماكيافيل ملونة بألوان متعددة”(4).
هذه الأقوال وغيرها تبرز مدى أهمية الاستفادة من الآخر بوعي، ومدى القدرة على الحوار مع الآخر، في إطار الجوانب المتعلقة بالفكر والتاريخ والسياسة والنزعة الإنسانية والاجتماعية. وهذا سيبعد -نسبيا- العزلة والنزعة الضيقة، مما جعل الفكر المغربي المعاصر يعرف قفزة نوعية لا يمكن نكرانها في الفكر الإنساني.

ومن جهة أخرى، تم التركيز في الفكر الفلسفي المغربي المعاصر، على النزعة الإنسانية، التي اهتمت بها الفلسفة الغربية كثيرا، هذه الأخيرة لقيت رواجا كبيرا في واقع دول “العالم الثالث”، التي يعاني فيها الإنسان معاناة كبيرة.

وهكذا اكتست النزعة الإنسانية على العموم والفلسفية على الخصوص شهرة عالمية، كما عرفت إقبالا من طرف المدافعين عن المقهورين والمهمشين والمظلومين في كل أرجاء العالم. حيث نجد النزعة الشخصية المتعلقة بالمدافع/ المفكر أو المبدع أو الفيلسوف. نفسه، متجلية في ميولاته الفكرية وفي مدى اهتمامه وإقباله على الفكر الإنساني. يقول الأستاذ عبد الرزاق الدواي -على سبيل المثال لا الحصر- في كتابه موت الإنسان في الخطاب الفلسفي المعاصر -هيدجر-ليفي ستراوس-ميشال فوكو(10) ص191: “إن النزعة الإنسانية هي كل نظرية أو فلسفة، تتخذ من الإنسان محورا لتفكيرها، وغايتها وقيمتها العليا”.

وفي هذا السياق الحديث، أصبحت كلمة النزعة الإنسانية تعني كل فلسفة تخص الإنسان بمكانة ممتازة في هذا العالم، وتعزو إليه القدرة على المبادرة الحرة والإبداع، وتعتبره متحليا بالوعي وبالإرادة، وبالتالي مسؤولا عن أفعاله وعن تحرره”(10).

تجدر الإشارة هنا إلى أن المدلول العام للنزعة الإنسانية، الذي اهتمت به الأقوال السابقة، لا يمكن جعله يرتبط بالغرب وبالفكر الغربي فقط، وإن كان المجتمع الغربي قد وفر لذلك الشروط الذاتية والموضوعية أكثر من غيره لنشأة وتكوين فلسفة النزعة الإنسانية وحقوق الإنسان. ومن هنا أصبحت حاجة كل المجتمعات الإنسانية ضرورية من أجل إنشاء وتكوين فلسفة إنسانية منبثقة من واقعها. مما سيقودها إلى تكوين فكر فلسفي إنساني واقعي وموضوعي.. فكر محلي وإنساني وكوني.. فكر فلسفي قابل للتطور والتغير حسب الظروف والمتغيرات. وبهذا الشكل يتخذ الفكر الإنساني مكانته الإنسانية والكونية.

وهكذا، وانطلاقا مما قلناه، أليس من حقنا أن نتساءل مرة أخرى!؟! أليس من حق الفكر الفلسفي المغربي الاستفادة من الآخر..!؟!، أليس من حقه كذلك أن يلعب دورا أساسيا في الحياة الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية المغربية التي هي في أمس الحاجة إلى ذلك..!؟!

ومهما يكن من أمر، فإن نمو وتبلور فكر من الفكر وانتشاره بشكل واسع على مستوى إنساني وثقافي وفكري وتاريخي لا يتأتى دفعة واحدة بقدرما هو نتيجة خلاصة أعمال جادة وهادفة وباحثة بوعي..الخ.
وقد يكون من أهم خصائص الفكر الإنساني القدرة على الإبداع والتطوير والتجديد.. ذلك لما له من فعالية ديناميكية وواعية، على جميع المستويات.

ولعل ما يلفت الانتباه في الفكر الفلسفي المغربي المعاصر -كما رأينا- هو أنه لم يقتصر على تصور معين أو نموذج محدد أو مرحلة معينة من مراحل التاريخ الفكري الإنساني، وإنما هناك نوع من استيعاب الثقافة الإنسانية، بما في ذلك التراث الفلسفي الإنساني.

يقول الأستاذ محمد عابد الجابري في كتابه قضايا في الفكر المعاصر(11) ص9: “عاد الحديث، في المدة الأخيرة، عن الفلسفة و”المدينة” وهذه العودة لها معنى، خاصة في الوطن العربي. فالفلسفة اليوم إما غائبة وإما مهمشة، كما في أقطار المشرق. أما في المغرب العربي حيث كان للفلسفة مكان واعتبار في المدارس الثانوية والجامعات والسوق الثقافية عموما -وبكيفية خاصة خلال الستينات والسبعينات- فلقد تراجع حضورها وتقلص لأسباب سياسية في الغالب”(11).

ويضيف قائلا في ص10 و11: “أجل، مهمة الفلسفة اليوم هي “خلق المفاهيم”، غير أن “الخلق” -في نظر الفلسفة نفسها- لا يكون “من عدم” وإنما يكون من شيء ما. إن الأمر يتعلق في الحقيقة بإعادة بعث الحياة في مفاهيم سابقة أو إعادة مفاهيم سائدة بعد فحصها ونقدها وأيضا تحليل مفاهيم طارئة يقذف بها إلى ساحة الفكر السياسي الراهن، “فكر الوقت” المؤقت، بدون شك”(11).

وإذن، هل نحن في حاجة إلى “خلق” مفاهيم جديدة أم في حاجة إلى إعادة بعث الحياة في مفاهيم سابقة بوعي عميق كما قال الأستاذ الجابري؟! أم نحن في حاجة إلى أشياء أخرى بالإضافة إلى “خلق أو إعادة المفاهيم” من أجل خلق فلسفة ترتبط وقضايا العصر المعاصر..!؟!.. أليست الفلسفة فكرا مبدعا ومتجددا، حرا وديمقراطيا، يؤمن بالاختلاف وحرية الرأي باستمرار؛ ومن تمة ضرورة وجود مواقف معارضة ومواقف مؤيدة لهذه الإشكالية أو تلك، وذلك بالاعتماد على العقل والمنطق والحوار الجاد والهادف..!؟! ألم نقل إن الفلسفة حاضرة في الفكر الفلسفي المغربي المعاصر على الخصوص وفي الفكر المغربي المعاصر على العموم!؟! هل بإمكاننا أن نتحدث عن حضور الفلسفة في الأدب المغربي المعاصر كذلك!؟!

المصادر:
1 – عبد السلام بنعبد العالي: التراث والهوية، دراسات في الفكر الفلسفي بالمغرب. دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى 1987 – المغرب.
2 – عبد السلام ياسين: محنة العقل المسلم بين سيادة الوحي وسيطرة الهوى، الطبعة الأولى 1994، مؤسسة التغليف والطباعة – الرباط – المغرب.
3 – محمد المصباحي: دلالات وإشكالات، منشورات عكاظ، الطبعة الأولى 1988، الرباط – المغرب.
4 – دراسات مغربية في الفلسفة والتراث والفكر العربي الحديث، الطبعة الأولى 1985، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت – لبنان.
5 – فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، دراسة وتحقيق محمد عمارة، دار المعارف، الطبعة الثانية 1983، القاهرة – مصر.
6 – جمال الدين العلوي: المتن الرشدي، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى 1986، الدار البيضاء – المغرب.
7 – محمد سبيلا: مدارات الحداثة مقالات في الفكر المعاصر، منشورات عكاظ، الرباط – المغرب.
8 – عبد الصمد الديالمي: المعرفة والجنس من الحداثة إلى التراث، دار قرطبة للطباعة والنشر، الدار البيضاء 1987.
9 – أعمال ندوة الفكر الفلسفي بالمغرب المعاصر، منشورات كلية الآداب بالرباط، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 1993.
10 – عبد الرزاق الدواي: موت الإنسان في الخطاب الفلسفي المعاصر “هيدجر-لفي ستراوس-ميشال فوكو”، الطبعة الأولى، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت-لبنان، ديسمبر 1992.
11 – محمد عابد الجابري: قضايا في الفكر المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت-لبنان، حزيران/يونيو 1997.

بوسلهام الكط

istiqlal
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد