هل سيؤثر نظام “التعويم المرن للدرهم” على أسعار المحروقات وعبره على المواد الإستهلاكية؟

بعد أن تخطت أسعار المحروقات سقف العشرة دراهم لأول مرة منذ تحرير قطاع المحروقات، في فاتح دجنبر 2015، وبعد قرار حكومة “بنكيران” اعتماد نظام المقايسة في 2013، عادت من جديد الأسعار إلى الإرتفاع ليواجه مستهلكوا قطاع الطاقة بتداءا من الثلاثاء 16 يناير 2018، وتزامن مع عمل الحكومة بنظام ما أسمي “التعويم المرن لسعر الدرهم”، بمخاوف تأثير النظام في إرتفاع أسعار المحروقات التي تنعكس بدورها على باقي المواد الاستهلاكية.

سؤال نقلته المصدر ميديا إلى مختصين ومحللين ومهتمين بالموضوع، لنفهم ويفهم القارئ ثأثير نظام “التعويم المرن للدرهم” الجديد على أسعار المحروقات وعبرها على المواد المستهلكة؟

 

الحكومة

عزت الحكومة على لسان وزيرها المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، لحسن الداودي، أسباب ارتفاع أسعار المحروقات في المغرب، إلى تقلبات الأسعار التي تشهدها السوق الدولية، بعد ان أكد الوزير في تصريحات صحفية أن “سعر النفط ارتفع في السوق الدولية، وهو اليوم أقرب من 70 دولارا للبرميل الواحد، فطبيعي أن ينعكس الارتفاع على سعر المحروقات في المغرب”، موضحا أن “البترول الذي يوزع حاليا يتم اقتناؤه قبل عشرة أيام على الأقل، والمزودون يبيعونه بناء على الثمن الذي اقتنوا به الخام”.

وأضاف الوزير أنه “وفي حالة استمر الارتفاع دوليا، طبيعي أن تنعكس على السوق، مثلها مثل أي مادة أخرى محررة، بعد أن أصبحت الدولة غير قادرة على التدخل لتحديد سعرها، بل مهمتها مراقبة المنافسة”، “ما نتمناه هو تراجع الأسعار على المستوى الدولي، لأنه لا وجود لمبرر لهذه الزيادة نهائيا، غير أن التوتر مع إيران هو السبب، فالعراق يستعيد حصته في السوق الدولية، وليبيا، وأمريكا تنتج وتستعد للتصدير، والأسعار مرشحة للتراجع لأن العرض مفترض أن يكون أكثر من الطلب في السوق الدولية”.

ورفض لحسن الداودي الربط بين ارتفاع أسعار المحروقات في المغرب، وبين قرار الحكومة القاضي بتعويم الدرهم، معتبرا أن الدرهم لم يتراجع أمام الدولار، كعملة  يتم بها بيع البترول.

 

 النقابة الوطنية للبترول والغاز

كشف اليمني حسين الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز أنه يرتقب أن تشهد أثمنة البترول والغاز زيادات بسبب اختيار المغرب تعويم عملته الدرهم.

واكد اليمني في تصريح للمصدر ميديا أن اختيار المغرب لنظام التعويم المرن للدرهم سيكون له تأثير أكيد على أسعار المحروقات التي يستوردها المغرب بالعملة الصعبة، في ارتباط بعاملين اساسيين يحددان ثمن المحروقات، هما ثمن البرميل في السوق الدولية وسعر الصرف، معتبرا أن تعويم الدرهم يضع شركات النفط أمام مخاطر تقلبات أسعار النفط، لأن أي تراجع لقيمة الدرهم أمام الدولار سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المحروقات حتى لو ظلت الأسعار مستقرة في السوق”.

وأضاف الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز ان التحولات السياسية والاقتصادية التي ترتبط دوليا بتوجه السوق العالمية للمحروقات نحو وضع أكثر نظامية بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وهيكلة وتنظيم المصادر الغير النظامية، ستدفع نحو ارتفاع في أسعار المحروقات قد يصل إلى70 و80 دولار.

وأوضح اليمني أن الارتفاعات المنتظرة تصطدم بواقع تخلي المغرب عن “شركة لا سامير” وعبره على الإنتاج المحلي، الذي كان يوفر مخزونا مهما كان يساهم بشكل كبير في ضمان استقرار أثمنة المحروقات.

 

الجامعة المغربية لحقوق المستهلك

إعتبر بوعزة الخراطي رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك أن ارتفاع أسعار المحروقات أكبر من قضية تعويم الدرهم، بل هو أمر يرتبط  بغياب مؤسسة دستورية “مجلس المنافسة” الساهر على مراقبة الأسعار والضامن لحماية المستهلك من اللوبيات المسيطرة على القطاع.

وأكد الخراطي أن قرارات الزيادة قرارات غير مفهوم، ففي الوقت الذي تشهد فيه أسعار المحروقات انخفاضا ملحوظا عبر العالم، يتاكد وبشكل تام انه وفي المغرب التحكم التام للوبيات المحروقات في أسعارها، في إستهتار تام بالمستهلك وحكومته وبرلمانه، ” وهذا إن دل على شئ فإنما يدل عن ضعف الحكومة، وإنعدام الوسائل القانونية لردع مثل هذه التصرفات، وخاصة مجلس المنافسة الذي يوجد حاليا في حالة سبات”.

وحول إستعداد اللجنة الاستطلاعية البرلمانية حول المحروقات لوضع تقريرها على مكتب مجلس النواب، اعتبر الخراطي  أن تشكيل مثل هذه اللجان ما هو إلا ضحك على ذقون المغاربة، وريع سياسي وهضر للمال العام، في الوقت الذي يتوفر المغرب على هيئة دستورية صاحبة إختصاص أصيل للضرب على أيادي كل من تسول لهم نفسهم العبث بحرية الأسعار والمنافسة، متسائلا: “هل من حق هذه اللجنة التدخل لمراقبة الأسعار، في ظل وجود هيئة وطنية تحوز كامل الصلاحيات الدستورية للتدخل”.

ودعي الخراطي إلى ضرورة تفعيل مجلس المنافسة، في ظل تعطيل تام لما يناهز الأربع سنوات، من طرف لوبيات تمنع إطلاق عمله، للضرب على يد كل من تسول له نفسه العبث بحرية الأسعار والمنافسة.

 

خبير اقتصادي 

قال الخبير الاقتصادي عمر الكتاني أن سبب ارتفاع أسعار المحروقات يرتبط بتخلي الحكومة المغربية عن “شركة لاسامير” مما ساهم في ارتفاع تكلفة شراء المنتوجات البترولية.

وأوضح الكتاني أن التكرير أصبح اليوم يتم بشكل كلي في الخارج مما اثر سلبا على التكلفة الطاقية البترولية للمغرب، محملا المسؤولية فيما وقع للدولة قائلا: “كيف يمكن لدولة تمتلك محطة تكرير وحيدة أن تمنح امتياز التكرير لمقاول أجنبي؟”.

وإعتبر الخبير الإقتصادي أن التوجه نحو سياسة تعويم الدرهم أمر غير مبرر، ويحمل مخاطر كبرى على الإقتصاد المغربي، مؤكدا أن الحل للخروج من الأزمة يستدعي إعتماد سياسة تقشفية، بعيدا عن الصورة التي يحاول المغرب ترويجها بين الشركاء، على أنه بلد غني، فهناك دول أغنى من المغرب إعتمدت سياسة التقشف، وإختار وزراؤها ركوب الطاكسي والدرجات الهوائية، في تعبير واضح عن المنطق السليم والغيرة وروح الوطنية.

وأكد الخبير الاقتصادي أن الدولة فقدت السيادة الاقتصادية قائلا: “ما معنى أن تترك الدولة السوق يتحكم في سيادتها، أي أن الدولة لم تعد تحمي الشعب…، وهو ذات الأمر الذي حصل بعد قرار تعويم الدرهم”.

ودعي الكتاني على ضرورة التعامل الحذر مع نظام السوق، وضمان حماية للمواطن المغربي من وحشية السوق، وتحكم شركات وطنية في زمام سوق المحروقات، بدل تركه يتخبط في واقع، من المفترض أن تكون الدولة حامية له ضمنه.

 

إن الأكيد ولإعتبارات ترتبط بالعلاقة الوطيدة بين ثمن البيع والشراء التي تحيط بعملية إستيراد المحروقات والتي تجري من خلال عملات أجنبية ذات قوة إقتصادية عالمية “الدولار واليورو” سيكون لها تاثير بشكل أو بآخر على أثمنة المحروقات ببلادنا، إيجابا أو سلبا، والتي في حالة التأثير السلبي سيكون المواطن المغربي هو من يتحمل واقع الزيادات ومطالبا بمواكبة تحولاتها، ليبقى السؤال من سيضمن إستفادة المواطن في حال تأثيرها الإيجابي في حال إنخفاض أسعارها في ظل غياب مؤسسة ضامنة لحرية المنافسة وفق قواعد الربح المشروع وليس قواعد الإحتكار؟.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد