موسيقى الشارع: الترحيب بدل الترهيب

بشكل لافت، طفت على السطح في السنوات الأخيرة ظاهرة فنية جديدة بالمغرب هي “موسيقى الشارع”، إذ أصبحت ساحات وشوارع مجموعة من المدن المغربية خاصة المدن الكبرى، قبلة لموسيقيين شباب اختاروا من الفضاء العام منصة لأداء أغانيهم وعزف مقطوعاتهم الموسيقية، شباب انفتحوا على العالم الخارجي لإمتاع المارة بأغاني مختلفة وتفجير طاقاتهم ومواهبهم الفنية وتقاسمها مع الآخرين عوض إمتاع أنفسهم والمقربين منهم فقط، حاملين معهم حلم ترسيخ ثقافة “موسيقى الشارع” في المدن المغربية على غرار الدول المتقدمة.

موسيقى الشارع بالمغرب وتباين المواقف بشأنها

تختلف الآراء حول ظاهرة “موسيقى الشارع” التي عرفت انتشارا واسعا في عدد من المدن المغربية أبرزها ساحة “ماريشال” بالدار البيضاء، وساحة “البريد” بالرباط بين مؤيد لهذا الفن الجديد بالمغرب ومعارض له باعتباره دخيلا على الثقافة المغربية، فتشكل موسيقى الشارع في رأي المؤيدين لها وسيلة لممتهنيها من أجل التعبير عن ذواتهم وإبراز مواهبهم وإبداعاتهم، كما تعد متنفسا للمعجبين بألوانهم الفنية التي يقدمونها، وبالإضافة إلى هذا كله يعتبرونها ظاهرة محمودة تكسر رتابة المدن الكبرى وصخبها المعتاد وتضفي جمالية ورونقا متميزين على فضاءاتهما العامة.

أما المعارضون لهذا النوع من الموسيقى، فيعتقدون أن موسيقى الشارع لا تعدو أن تكون استيرادا لنماذج غربية دخيلة على الثقافة الموسيقية المغربية سواء من حيث الشكل الذي يظهر عليه “فنانو الشارع” وكذا المقاطع المعزوفة والمؤداة، كما يعيبون على ممتهني هذه الموسيقى إثارة الضوضاء وإزعاج الساكنة، بل يذهب البعض من المعارضين لهذه الموسيقى  إلى نعت ممتهنيها بالمتطفلين على الفن لغرض الاسترزاق بعيدا عن ممارسة الهواية المفضلة لهؤلاء الشباب وإظهار إبداعاتهم لعموم المواطنين.

وبعيدا عن المواقف المتباينة بشأن الشكل الجديد من موسيقى الشارع، وبالرجوع قليلا إلى الوراء، نجد أن هذه الظاهرة متجذرة داخل المجتمع المغربي، فلطالما احتضنت الساحات والشوارع والأسواق رواد فن الحلقة والمجموعات الموسيقية الشعبية والتراثية منذ زمن طويل، إلا أن انتشار موسيقى الشارع بشكلها الجديد في العصر الحالي وتزايد المقبلين على هذا النوع من الموسيقى في ظل عدد من الأسباب والدوافع، باتت الأضواء تسلط بشكل كبير على هذه الفئة من الموسيقيين.

موسيقى الشارع ليست جريمة 

بعد موجة التنديد التي رافقت اعتقال موسيقيي الشارع بساحة “ماريشال” بالدار البيضاء وإصدار عقوبة حبسية في حقهم والمتمثلة في شهر سجن موقوفة التنفيذ، تضامن عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع هؤلاء الموسيقيين بإطلاق هاشتاغ “الفن الشارع ليس جريمة” وذلك تعبيرا عن التعسف الذي طال هؤلاء الفنانين والشطط في استعمال السلطة تجاههم رغم أنهم لم يقترفوا ذنبا يستحق العقوبة.

وباعتقال هؤلاء الفنانين، اختلفت الرؤى حول دور هؤلاء الموسيقيين في تأثيث الفضاء العام وإمتاع الجمهور وكسر الروتين المعتاد الذي تعرفه المدن الكبرى وصخب شوارعها، وأن فنون الشارع بصفة عامة لا تعتمد إطارا معينا يقننها في سبيل احترام الفضاء العام المخصص للمواطنين.

أسماء المنور، قالت بخصوص موسيقى الشارع: إن “ظاهرة الفن في الشارع فرصة لشباب موهوب ليعبر عن موهبته ويشاركها مع الآخرين في ظل ندرة مسارح القرب والمعاهد الموسيقية”، ودعت إلى تقنينه بدل منعه بحكم أنه راسخ في الثقافة المغربية من خلال “المواسم” و”الحلقة” و”الأسواق الأسبوعية” على غرار أزقة أوروبا الذي يعد مظهرا حضاريا مقننا يتمتع المساهمون فيه بكل حقوق الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية وغيرها من الحقوق.

بدورها، استنكرت الفنانة المغربية نجاة الرجوي في تصريح لـ “المصدر ميديا” ما وقع لموسيقيي الشارع بساحة ماريشال بالدار البيضاء معلنة تضامنها معهم، وقالت بهذا الخصوص:” أنا ضد التعسف الذي طال هؤلاء الموسيقيين لأن الفن ليس جريمة، بل يجب علينا إحياء هذا التقليد وتربية الجيل على الموسيقى والغناء لمحاربة الانحرافات السلوكية التي غزت شوارعنا المغربية وأصبحت تقض مضجع المغاربة”.

موسيقى الشارع هي متنفس لممارسيها لكسر الحواجز بين الجمهور، حيث أصبح الناس في الوقت الحالي في حاجة إلى من يروح عليهم ويرسم على وجوههم ابتسامة تنسيهم صخب وروتين الحياة اليومية، وبالتالي، ففن الشارع  يجب أن يحظى بالترحيب وليس بالترهيب.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد