الدعارة، هي أقدم مهنة عرفها تاريخ البشرية، وارتبطت بالنساء لكونهن وعلى مر العصور، كن يجبرن على ممارستها لظروف اجتماعية واقتصادية أو لأسباب سياسية، لكن الذكور كذلك كانوا ولازالوا يمارسون الدعارة، إلا أن الأضواء لم تسلط عليهم، لعدة أسياب اهمها التفكير الذكوري في أغلب المجتمعات، لذلك سيتطرق “المصدر ميديا”، لموضوع يعتبر من الطابوهات في المغرب، وهو “دعارة المثليين”.
يعاني المثليون في المغرب، من الاضطهاد والاهمال، لأن طبيعة المجتمع لا تتقبل الميولات الجنسية المختلفة، لأسباب دينية ومجتمعية، الأمر الذي يدفعهم للهروب من الأماكن التي يحتكون فيها بالمغايرين، كالمدارس وفضاءات العمل، ويتجهون لميدان الدعارة بهدف الحصول على المال السريع، والشعور بالراحة لأن الليل بنسبة لمعظمهم أرحم مما يتعرضون له نهارا.
بلال-نيفرتيتي من مراكش
سنبدأ رحلتنا من مدينة مراكش، حيث يقطن بلال (19 سنة) الذي يلقب نفسه بـ”نيفرتيتي”، يصف نفسه بالعابر جندريا، أي أنه يشعر بنفسه كأنثى في جسد ذكر، رفض الافصاح عن معلومات كثيرة عن حياته، لكنه تحدث لنا عن مساره المؤلم، منذ طفولته إلى شبابه، حيث عاش الاضطهاد في مدرسته وأسرته كذلك، يقول “نيفرتيتي”: “لم أشعر بطعم الراحة في حياتي لقد عانيت في الشارع الذي تعرضت فيه للضرب والسرقة فقط لكوني مختلفا، وكذلك في المدارس لأن الاساتذة كانوا ينبذونني بسبب مشيتي وطريقة كلامي، أما أسرتي فلم تتقبلني لذلك طردوني من المنزل لأواجه وحوش الشوارع”.
الطرد من بيت الأسرة، هو أول عامل جعل بلال أو نيفرتيتي يدخل إلى عالم الدعارة، حيث وجد طريقة لكسب المال وفي نفس الوقت الشعور بالانتماء الذي لا يحس به في مجتمع منعه من الدراسة ومن العمل بسبب مشيته وتصرفاته الأقرب للنساء من الرجال، هذا العامل الذي سهل عليه اصطياد الرجال الذي يحبون “المبنتين” كما يصفونهم، يحكي لنا بطل القصة: “عالم الدعارة شاسع وفيه الكثير من المخاطر، فقد تعرضت للسرقة والضرب والتعنيف دون شفقة أو رحمة لعدة مرات، كما أن عددا من طالبي المتعة يرفضون أن يمنحوني المبلغ المالي الذي اتفقنا عليها ما يجعلني دائما في حالة صراع معهم”.
نورة من أكادير
من مراكش، سننتقل لأكادير المدينة التي احتضنت الشاب الذي يطلق نفسه إسم نورة (21 سنة)، رافضا أن تتم مناداته بإسمه الحقيقي لأنه لا يمثل هويته الحقيقة، تصريحات نورة لا تختلف على نيفرتيتي بخصوص الاضطهاد والاقصاء الذي يعاني منه المثليون بالمغرب، لكن كانت لها نظرة أخرى لممارسة الدعارة، حيث اعتبرتها متنفسا لممارسة الميولات الجنسية وكسب المال بطريقة أسرع وأسهل، خصوصا في ظل التهميش الذي يعيشونه، تقول نورة: “أنا لست سعيدة بممارسة الدعارة لكن على الأقل أجد متنفسا للميولاتي الجنسية التي تشعرني بالراحة والحرية والانتماء”.
خلال حديثنا عدنا بنورة إلى الماضي وسألتها عن بداية ممارستها الدعارة، وإجابتها كانت صادمة، حيث أكدت أنها لا تتذكر اليوم الذي دخلت فيه هذا الميدان لأنها كانت تمارس الجنس مقابل المال منذ نعومة أظافرها لكي تلبي احتياجاتها اليومية، دون أن يعلم أفراد أسرتها الذين تعيش معهم لحد الآن.
الجانب الحقوقي
لمعرفة معلومات أكثر عن المثليين الذين يمارسون الدعارة بالمغرب، ربطنا الاتصال بمدافعة عن حقوق الأقليات الجنسية، والعابرة جندريا، “صولا الجيد”، التي أكدت لنا أن جميع الافراد الذين لديهم ميولات مختلفة يعانون في المجتمع، أولا بسبب تجريم ممارساتهم قانونيا، وثانيا لأن معظم المغاربة يرفضونهم ويضغطون عليهم أكثر من الدولة سواء في الشارع أو الأماكن العمومية، مايدفعهم لعيش الازدواجية في حياتهم.
أما بخصوص ممارسة الدعارة، أكدت لنا الناشطة أن “الدعارة الذكورية”، ليست مهنة جديدة في المجتمع المغربي، لكن رفض المجتمع يزيد ترسيخها، فهناك من لم يتمكنوا من استكمال مسارهم الدراسي بسبب المضايقات في المدرسة، ووجدوا الشارع ملجأ بهم، وهناك من طردوا من منازل أسرهم واضطروا لممارسة البغاء لتلبية احتياجاتهم اليومية، إضافة إلى الذين يعتبرون الدعارة تمردا على بطش المجتمع.
في ذات السياق، أشارت المتحدثة لعامل آخر وهو مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت تسهل ممارسة الدعارة، وتدفع المثليين المراهقين والشباب للاستعانة بها بهدف تنظيم مواعيد مع زبائنهم بسهولة، دون أن ننسى الشوارع والمقاهي الخاصة بهذه الممارسات.
وأشارت الناشطة المدافعة على حقوق الأقليات، إلى المشاكل التي تواجه ممارسي الدعارة، وأولها القانون المغربي الذي يجرم الدعارة والممارسات المثلية، مؤكدة أن أغلب المثليين سبق وأن قضوا عقوبات سجنية، اضافة لارتفاع خطر الاصابة بالامراض الجنسية خاصة مرض الايدز، بسبب غياب الثقافة الجنسية، ورفض الزبائن استعمال وسائل الحماية.
وبالنسبة لأنشطتها في مجال الدفاع عن الأقليات أكدت لنا صولا، أن المجموعات المدافعة على حقوق المثليين، غالبا ما تكون أنشطتها في الواقع محدودة بسبب تضييق السلطات ورفض المجتمع لافكارهم، أما مطالبهم فتتمثل في الغاء القوانين التي تجرم المثلية ، والدعوة لتقبل المختلفين في الميولات الجنسية، مع توعية المثليين بمخاطر الممارسات غير المحمية.