معركة الكاوكاو….

”واش بغيتوني نشفر ولا نبيع الحشيش ؟
ماعنديش الكرا والعواشر هادي أشغادي نوكل لولادي … ماعندي حتا درهم ؟! ”

هكذا دخل بائع متجول في حالة من الهيجان والهستيريا بعد حجز السلطات المحلية بالناظور لسلعته التي كان يبيعها فوق عربته على ناصية الشارع !

سلعة الرجل المسكين ليست سوى بضع كيلوجرامات من الفول السوداني، وبالدارجة “كاوكاو” ومفردها “كاوكاوة” وأصلها الكلمة الفرنسية : “cacahuète ” ولذلك ستجد استعمال اسم “كاوكاو” في اللغة الدارجة منتشر خصوصا، عند دول المغرب العربي، التي كانت تحت الاستعمار الفرنسي.

البائع المتجول الذي تعرض لفقدان مصدر رزقه البسيط، اتهم السلطات بأنها اتخذت في حقه إجراء ظالما، ووصف قرار المسؤولين هناك ب”الحكرة”، وأنهم يقضون على أمله في توفير مستلزمات عيد الأضحى الذي نحن على أبوابه… لصغاره.

للعدل والانصاف هناك عدة زوايا يمكن أن نرى منها الموضوع :
من ناحية الاجراء الذي قامت به السلطة، نستطيع أن نقول إنها تحركت في إطار القانون، لأن التجارة في أي بلد تخضع لقوانين، ومساطر، ورخص، لا يتوفر عليها عادة الباعة المتجولين ! ولذلك لا يمكن القاء اللوم على من قام بمصادرة بضاعة ذلك الرجل، فالقانون في صفهم ولا عتب عليهم في ذلك.

ولكن إن أردنا أن نركز على ما حدث من زاوية الحالة الإنسانية للبائع المتجول موضوع مقالنا هذا، فالرجل ضعيف وفقير ولا حيلة له لاطعام أطفاله واعالتهم، وخصوصا ونحن على أبواب عيد الأضحى المبارك إلا هذا الحل، وهو البيع بذلك الشكل الغير المنظم وغير قانوني، والسبب وراء كل هذا، الوضعية الاقتصادية الهشة والمزرية التي تسببت فيها الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد.

ارجعوا معي قليلا إلى الوراء فإلى حدود عشرة او خمسة عشرة سنة الماضية، كان هناك دائما باعة متجولين، ولكن ما ستلاحظونه هو انفجار كبير في عددهم هاته السنين الاخيرة، فأصبحت تراهم في كل زاوية وفي كل ركن، وما إن يؤذن المؤذن صلاة العصر، حتى أصبحت ترى جحافل منهم يجتاحون الميادين العامة، ويغلقون الأزقة والشوارع ويحتلون الملك العام والخاص.

وسألت مرة أحدهم لماذا أصبح عددكم كثيرا ؟
وأصبح التساهل هو النهج الغالب على التعامل معكم ؟فاجأبني بلغة دارجة بسيطة: “راه مخلينا نبيعو ونشريو فالزناقي باش يتهناو من صداعنا”.

الأمراض لها نوعين من العلاجات، العلاج المباشر السريع الذي يحارب الأعراض ويحسن من وضعية المريض، والمستوى الثاني وهو علاج مسببات المرض في العمق للقضاء عليه نهائيا.

وفي حالة الباعة المتجولين أقترح كعلاج عاجل وسريع،
أن يتم تخصيص فضاءات ومساحات لهم في كل مدينة لا يسمح لهم البيع خارجها، وتحديد أوقات معينة يشتغلون فيها، بحيث لا يتسببون في الفوضى وانسداد الطرقات وتلويث الازقة، وبالمناسبة هذا مطبق حتى في الدول الغنية حيث تنظم أسواق شعبية يبيع فيها تجار غير رسميين (تقريبا كالباعة المتجولين هنا) حيث يعرضون بضاعتهم في أماكن مخصصة لكل واحد منهم بشكل لائق ونظيف، ويدفعون مقابل ذلك مبلغ صغير كنوع من الضريبة للبلديات جراء استغلال المكان.

وفيما يخص العلاج في العمق والذي سيقضي على المشكلة من جذورها، فهو أولا الضغط من طرف السلطة لتحديد وتخفيض اثمنة كراء المحلات التجارية، فبعض أصحاب تلك المحلات التجارية المعدة للكراء يفضلون إغلاق محلاتهم، بدل كرائها باثمنة معقولة للتجار، فتجدهم يطلبون أثمنة خيالية كسومة كرائية، وكأنهم يريدون امتصاص دماء التاجر والاستحواذ على ارباحه بلا مجهود يذكر، مما يتسبب في عجز الباعة البسطاء وعدم قدرتهم على اكتراء محلات لممارسة التجارة واللجوء عوض ذلك للشوارع لبيع بضاعتهم.

ثانيا يجب على الحكومات التي تتنافس في إغناء وزرائها وبرلمانييها ومنتسبي أحزابها، أن تستحي قليلا وان تفكر في اغناء الشعب … كل الشعب عن طريق تحريك الاقتصاد، والاستفادة من تجارب دول كانت حتى الأمس القريب أفقر من الفقر وأصبحت اليوم تتسلق سلم التنمية بسرعة خارقة كرواندا واثيوبيا.

الصدام الذي حدث مع “مول الكاوكا” ليس إلا مثالا لحالة ستتكرر حتما في المستقبل، كلما وضعت إنسانا ضعيفا وفقيرا بين اختيارين احلاهما مر، العيش بكرامة أو العيش بلا مصدر رزق.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد