محمد العاني: مشكلتنا الحقيقية اليوم ليست مع الدين بل مع القراءات غير العقلانية

أكد محمد العاني، المدير العام لمؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث”، أن تطوير الدراسات الإسلامية أصبح اليوم أمرا ملحا أكثر من أي وقت مضى، خاصة و”نحن نشهد نوعا من الاختطاف الخطير للإسلام، ومن التوظيف الإيديولوجي له”، معتبرا أن “مشكلتنا الحقيقية اليوم ليست مع الدين، بل مع الاختلالات الناشئة، والقراءات غير العقلانية، والفهم المؤدلج والمسيس للدين”.

وقال محمد العاني خلال كلمته الني ألقاها في افتتاح الدورة الأولى من الجامعة الربيعية، والمنظمة من طرف مؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث” من 29 إلى غاية 31 مارس الجاري، بمدينة مراكش، تحت عنوان: “دراسة الإسلام اليوم: نحو دراسات إسلامية برؤى متعددة”، أنه لا يجب القفز على هذا الموروث والبقاء على نفس النمط القديم في تدريس الدين، وأضاف قائلا: “فإما أن نخلي الساحة لهذه الدراسات الإسلامية المؤدلجة، ولمن يتخذونها مطية لتحقيق أغراض معينة، وتوظيفها سياسيا، أو ننخرط في مشروع تطوير الدراسات الإسلامية، مادامت الجامعات العربية تعاني من مشاكل كثيرة، على الرغم من التسطيح المعرفي والشعبوية السائدين، واللذين يصعبان من هذه المهمة”.

وأوضح العاني أن تخصيص الدورة الأولى من الجامعة الربيعية لمؤسسة “مؤمنون بلا حدود”، أمر ضروري انخرطت فيه المؤسسة دون تردد، بهدف تكوين طلبة باحثين في الدكتوراه في مجال الدراسات الإسلامية بشكل علمي صحيح، يؤهل الباحثين ويساعدهم على تقديم دراسات إسلامية مهمة تعود إلى أمهات الكتب، والأصول والمصادر، ولا تعتمد على النقل فحسب، وتعود إلى الكتب الاستشراقية المهمة والعميقة، التي قدمت خدمات جليلة للدراسات الإسلامية العربية، ولكن للأسف فإن نعت هذه الدراسات بشكل كلي ودون تمييز، بالنزوعات الاستعمارية، التي هدفها الهيمنة، تهمة تنطوي على خطأ فادح.

وأشار المدير العام لمؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث”، إلى أن الجامعة الربيعية تندرج أيضا في سياق مشروع علمي، سبق واقترحه المفكر اللبناني رضوان السيد على مؤسسة “مؤمنون بلا حدود”، ويتعلق الأمر بدراسة “التقليد الديني”، وهو مشروع ضخم سيهتم بفهم واستيعاب وتجاوز موروثنا الديني دون القطيعة معه، والبحث في انسداداته ومشاكله، وكيف تحول الدين في العصر الحالي إلى عائق، عوض أن يكون مساهما في تطور وتقدم المجتمعات العربية الإسلامية.

واعتبر العاني أن لجوء الجامعة الربيعية حول الدراسات الإسلامية، لتأطير أشغالها وورشاتها إلى باحثين غربيين وعرب يعملون في جامعات غربية، “يعود إلى قلة الباحثين العرب المتخصصين في السرديات الإسلامية الجديدة، المتمكنين من اللغات ومن سعة الاطلاع”، مشيرا إلى أن نجاح هذه الجامعة يعتمد على الطلبة المستفيدين من ورشاتها، والأساتذة هم من سيعطونها قيمتها العلمية.

من جانبه، أبرز عبد الله هداري، المنسق العلمي للجامعة الربيعية، أن الهدف من هذه الجامعة هو التعريف بالدراسات الإسلامية، والتطورات التي تعرفها في الغرب، وأن هاجسها هو أن يتحقق للطلبة العرب المستفيدين منها رصيد علمي ومعرفي متميز، يؤهلهم على المستوى الأكاديمي.

وأضاف عبد الله هداري أن الجامعة عمدت لتحقيق هذا الغرض إلى تنويع الأسماء المساهمة، والتخصصات المعرفية المدروسة حتى يتحقق الوصل بين مختلف العلوم السياسية، والشرعية، والفلسفية، وغيرها، حيث لم يتم الاكتفاء بالأمور العلمية البيداغوجية، بل انفتحت على معارف عديدة، الجامعة الربيعية ستكون خير معرف بها وبمقاصدها.

وأشاد هداري بالتعاون العلمي المثمر لمؤسسة “مؤمنون بلا حدود”، وحرصها على توفير الفضاء الملائم لأشغال هذه الدورة الأولى من الجامعة الربيعية، والتي من المؤكد ستتلوها دورات مقبلة.

وتواصلت أشغال الجامعة الربيعية يوم الجمعة 29 مارس الجاري، حول موضوع “دراسة الإسلام اليوم: نحو دراسات إسلامية برؤى متعددة”، بمشاركة مجموعة من الأكاديميين والباحثين العرب والغربيين المتخصصين في الدراسات الإسلامية.

وتميز اليوم الأول من الدورة الأولى للجامعة الربيعية، بالمحاضرات الغنية والمثيرة، التي ألقاها ثلاثة من الباحثين والمفكرين العرب والأجانب، كانت أولاها المحاضرة الافتتاحية للمفكر اللبناني رضوان السيد، والتي دعا فيها إلى إعادة بناء الدراسات الإسلامية وفق مناهج علمية دقيقة، تستجيب للحاجيات المجتمعية المتغيرة، والملحة، والتي تتطلب الفهم العميق للدين، وهو ما عبر عنه بـ “السرديات الإسلامية الجديدة”، التي تحارب كل الانسدادات الفكرية المستشرية في المجتمعات العربية الإسلامية.

وتلتها محاضرة أحمد عاطف أحمد، أستاذ الدراسات الدينية بجامعة كاليفورنيا، الذي تحدث عن أهمية الاستشراق وضرورة دراسته والتمييز فيه بين الجيد والضعيف، واعتماد كل ما يمكن أن يخدم تطوير الدراسات الإسلامية، وذلك من خلال محاورته للموتى: إجناتس جولدتسهير(ت 1921)، وجوزيف شاخت (ت 1969)، ونورمن كالدر (ت 1998 )، ثم تطرقت المحاضرة الثالثة التي ألقاها بول هيك، المدير المؤسس لمشروع دراسة الأديان عبر الحضارات بجامعة جورج تاون بأمريكا، والذي دعا إلى ضرورة تجديد الدراسات الدينية وإعطائها طابعا إنسانيا، وإبعاد الدين عن الغموض، وربطه باللذة، لأنه لا يمكن أن نفهم الإيمان بعيدا عن الطبيعة.

وخلص النقاش بعد نهاية المحاضرات الثلاث إلى أن عودة الدين إلى الحياة ليست أمرا بسيطا، بل شيئا مهما صار يسائلنا جميعا، وتسائل الحاضرون كيف يمكن استعادة الإنسان في عالم يشكو من المحدودية؟ وكيف يمكن انتشاله من الضياع؟ ولم وصل الدين اليوم إلى هذه الحالة؟

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد