ما تشهده الساحة الوطنية هذه الأيام من احتجاجات مطلبية من طرف فئات مهنية مختلفة تطالب بما تعتبره حقوق مشروعة تساهم في تحسين وضعيتها، وبإيلاء المزيد من الاهتمام للقطاعات الحيوية في البلاد، هو أمر يستحق فتح نقاش قوي وعميق، خصوصا عندما يتعلق الامر بقطاعات تمس المواطن في صحته، فقد انظم الى هذه الاحتجاجات أصحاب البدلة البيضاء، حيث نزلوا الى الشارع، ودخلوا في اضرابات متتالية، وهم الذين لايمكن باي حال الاستغناء عن خدماتهم، فهذا يعني أن هناك خللا ما، كما يدل ايضا على أن الاطباء وجدوا انفسهم أمام طريق مسدود جعلهم يضعون صحة المواطنين على كف عفريت، وذلك بتقديم البعض منهم استقالته مثلا رغم الحاجة الملحة لهم، كما ان هذا الامر يطرح تساؤلات عديدة حول من يعتبرون حجرة الأساس في قطاع الصحة ببلادنا.
إن ما يثير الاستغراب هو كون هذه الاحتجاجات قد طال أمدها، في مقابل صمت مطبق للحكومة، رغم مايعانيه هذا القطاع من تردي واضح جعل الجسم الطبي العمومي بكافة أطيافه يطالب الحكومة بالتدخل العاجل لإنقاذ هذا القطاع ، وهو الامر الذي ينعكس سلبا على المواطن، الذي يجد نفسه مابين مطرقة ضعف الخدمات الطبية وسندان اضراب الاطباء.
والغريب في الامر انه رغم احتجاج العديد من القطاعات في زمن حكومة العثماني الا ان المطالب تظل معلقة الى اجل غير مسمى، ولكن ان يظل قطاع الصحة العمومي يعاني بهذا الشكل، ويظل معه المواطن البسيط الذي لايستطيع التوجه للقطاع الخاص هو أمر شديد الخطورة، وتنتج عنه عواقب وخيمة.
المواطن الذي يعاني من القطاع الصحي بشكل كبير جدا، اذا توجه للطب العمومي يجد نفسه أمام مستشفيات تفتقر لابسط الاجهزة الطبية التي يحتاجها ويمكن ان يسلم الروح لباريها فقط لأنه لم يتلق العناية اللازمة التي يحتاجها كمريض وكإنسان، واذا توجه للعيادات الخصوصية، عانى الأمرين جراء الاموال الباهضة التي تطلب منه، ويقع تحت رحمة البعض ممن يجعلون من هذه العيادات تجارة مربحة.
قطاع الصحة ببلادنا يعاني من مرض عضال، ويعيش ازمة حقيقية، يدفع ثمنها المواطن، ويتحمل مسؤوليتها الحكومة.