محمد رضا مقتدر : قراءة في مؤشر حرية الصحافة

كتب : محمد رضا مقتدر

يُعد المؤشر العالمي لحرية الصحافة، الذي يُنشر سنويًا منذ عام 2002 من قبل منظمة مراسلون بلا حدود (RSF) ، أداة مهمة للدعوة لوقف الانتهاكات ضد الصحفيين ووسائل الإعلام، ويستند المؤشر إلى مبدأ المحاكاة بين الدول، ولأنه مؤشر معروف جدا، فإن نفوذه على الحكومات يتزايد، ويخشى العديد من رؤساء الدول والحكومات إصداره السنوي، كما يمثل المؤشر نقطة مرجعية تنقلها وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم، ويستخدمه حقوقيون وسياسيون دبلوماسيون، وكيانات دولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي.

أولا: منظمة مراسلون بلا حدود.

تم تأسيس منظمة مراسلون بلا حدود Reporters Without Borders، المعروفة أيضًا باسمها الفرنسي Reporters Sans Frontières – RSF، من قبل أربعة صحفيين فرنسيين في عام 1985. وقد تم تسجيل المنظمة كمنظمة غير ربحية في فرنسا منذ عام 1995، وهي تعزز حرية التعبير والمعلومات من خلال دعم الصحفيين في جميع أنحاء العالم. اليوم، لدى المنظمة ثلاثة أنشطة أساسية: أولاً، المراقبة اليومية للانتهاكات ضد الصحفيين وحرية التعبير؛ ثانياً، مكافحة الرقابة السيبرانية؛ ثالثًا، دعم الصحفيين وحمايتهم من خلال توفير التدريب، والمواد، والتأمينات، وأي نوع من المساعدة الخاصة.

مراسلون بلا حدود منظمة مستقلة تحظى بصفة استشارية لدى الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو، ومجلس أوروبا، والمنظمة الدولية للفرانكوفونية. وهي تتخذ من باريس مقراً لها ولديها مكاتب دولية مختلفة موزعة على عشر مدن من بينها بروكسيل وواشنطن وبرلين وتونس وريو دي جانيرو وستوكهولم، كما تزخر بشبكة من المراسلين المنتشرين فيما لا يقل عن 130 بلداً، مما يوفر لها قاعدة قوية للتعبئة والمساءلة، بالإضافة إلى ما يتيح لها ذلك من تأثير ميداني، وكذلك داخل الدوائر الحكومية والمنتديات والمحافل، حيث تُصاغ القوانين والتشريعات والقواعد الناظمة لمهنة الصحافة وقطاع الأنترنت.

ثانيا: كيف يتم تجميع مؤشر حرية الصحافة

يتم تحديد درجة الحرية المتاحة للصحفيين في 180 دولة من خلال تجميع ردود الخبراء على استبيان وضعته منظمة مراسلون بلا حدود. يتم الجمع بين هذا التحليل النوعي والبيانات الكمية عن الانتهاكات وأعمال العنف ضد الصحفيين خلال الفترة التي تم تقييمها.

المعايير التي تم تقييمها في الاستبيان هي التعددية، واستقلال وسائل الإعلام، والبيئة الإعلامية والرقابة الذاتية، والإطار التشريعي، والشفافية، ونوعية البنية التحتية التي تدعم إنتاج الأخبار والمعلومات.

 الاستبيان

لتجميع المؤشر، قامت منظمة مراسلون بلا حدود بتطوير استبيان عبر الأنترنت مكون من 87 سؤالاً يركز على هذه المعايير. وتم ترجمة الاستبيان إلى 20 لغة بما في ذلك الإنجليزية والعربية والصينية والروسية والإندونيسية والكورية، ويستهدف الاستبيان الإعلاميين والمحامين وعلماء الاجتماع الذين يُطلب منهم الإجابة عن الأسئلة.

يتم احتساب النتائج على أساس ردود الخبراء المختارين من قبل منظمة مراسلون بلا حدود مع بيانات حول الإساءات والعنف ضد الصحفيين خلال الفترة التي تم تقييمها.

 البيانات عن الانتهاكات

يقوم فريق من المتخصصين، كل منهم مكلف بمنطقة جغرافية مختلفة، باحتساب تفصيلي للإساءات والعنف ضد الصحفيين ووسائل الإعلام. ويعتمد هؤلاء الباحثون أيضًا على شبكة من المراسلين في 130 دولة. يتم احتساب مؤشر الإساءة لكل بلد على أساس البيانات حول كثافة الإساءات والعنف ضد الجهات الإعلامية خلال الفترة التي تم تقييمها. ثم يستخدم هذا المؤشر الكمي لتثمين التحليل النوعي للوضع في البلاد على أساس الردود على الاستبيانات.

ثالثا: فئات المعايير والمؤشرات

يركز الاستبيان على فئات المعايير مثل أداء البلد فيما يتعلق بالتعددية، واستقلال وسائل الإعلام، واحترام سلامة الصحفيين وحريتهم. كل سؤال في الاستبيان مرتبط بأحد المؤشرات الستة التالية:

1/ التعددية [مؤشر النتيجة[
يقيس درجة تمثيل الآراء في وسائل الإعلام.
2/ استقلال وسائل الإعلام [مؤشر [scoreInd
يقيس مدى قدرة وسائل الإعلام على العمل بشكل مستقل عن مصادر السلطة السياسية والحكومية والتجارية والدينية والنفوذ.
3 / البيئة والرقابة الذاتية [مؤشر [scoreEA
يحلل البيئة التي يعمل فيها مقدمو الأخبار والمعلومات.
4 / الإطار التشريعي [score scoreCL]
يقيس تأثير الإطار التشريعي الذي ينظم أنشطة الأخبار والمعلومات.
5/ الشفافية [مؤشر [scoreTra
يقيس شفافية المؤسسات والإجراءات التي تؤثر على إنتاج الأخبار والمعلومات.
6/ البنية التحتية [مؤشر [scoreInf

يقيس جودة البنية التحتية التي تدعم إنتاج الأخبار والمعلومات.
كما يتم حساب مؤشر سابع يستند إلى البيانات التي تم جمعها حول الإساءات وأعمال العنف ضد الصحفيين ووسائل الإعلام خلال الفترة التي تم تقييمها في الحساب.
7/ الانتهاكات [مؤشر [indicExa
يقيس مستوى الانتهاكات والعنف.
يتم إعطاء كل مؤشر درجة بين 0 و100.

رابعا: وضع المغرب في مؤشر حرية الصحافة من سنة 2013 إلى 2020

تحدد درجة الحرية المتاحة للصحفيين في 180 دولة من خلال تجميع ردود الخبراء على استبيان وضعته منظمة مراسلون بلا حدود. ويتم الجمع بين هذا التحليل النوعي والبيانات الكمية عن الانتهاكات وأعمال العنف ضد الصحفيين خلال الفترة التي تم تقييمها. وضعت منظمة مراسلون بلا حدود نظاما للتنقيط من 0 إلى 100، بحيث 0 تعني حرية إعلامية مثالية، و100 يفيد انعدام الحرية الإعلامية.

فيما يخص وضع المغرب، يشير تقرير منظمة مراسلون بلا حدود إلى أن ” تتواصل موجة الضغوط القضائية ضد الصحفيين في المغرب. فبالإضافة إلى المحاكمات التي استمرت لسنوات ضد العديد من الفاعلين الإعلاميين، انهالت المتابعات القضائية على الصحفيين من جديد، حيث أصدرت أحكام مشددة في بعض الحالات، علماً بأن العديد من الصحفيين والصحفيين-المواطنين ما زالوا يقبعون في السجن. هذا ولم يساعد إلغاء وزارة الاتصال وتشكيل مجلس وطني للصحافة على خلق بيئة عمل أخف وطأة بالنسبة للصحفيين ووسائل الإعلام على حد سواء.”
ومن ناحية أخرى أشار مؤشر حرية الصحافة لسنة 2020 إلى أن المغرب لم يسجل أي حالة قتل في أوساط الصحفيين، أو في أوساط المدونين الالكترونيين، أو المساعدين الإعلاميين.

تصنف حالة حرية الصحافة في المغرب على أنها سيئة، بحيث يشار إلى خريطة المغرب باللون الأحمر، كحالة قبل الأخيرة باللون الأسود التي تشير إلى البلدان ذات الوضع السيء للغاية، وفي المقابل لم يشهد مركز تصنيف المغرب أي تطور منذ 2013، وهو ما يعني أن عناصر تصنيف مؤشر حرية الصحافة لم يحقق فيها المغرب أي تطور وهي التعددية، واستقلال وسائل الإعلام، والبيئة الإعلامية والرقابة الذاتية، والإطار التشريعي، والشفافية، ونوعية البنية التحتية التي تدعم إنتاج الأخبار والمعلومات.

خامسا: قراءة نقدية للمعايير المعتمدة في مؤشر حرية الصحافة

في البداية لابد من الإشارة إلى أن تحليل المؤشرات الدولية والعالمية حول حرية الإعلام هي تصدر عن خمس (5) مؤسسات في خمس (5) مؤشرات، وبالتالي فدراستنا هذه لا تتطرق سوى للمؤشر الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود، تغطي جميع المؤشرات الخمسة بالفعل جوانب متشابهة، وبالتالي يُنظر إليها عمومًا على أنها مؤشرات حرية وسائل الإعلام من قبل الجمهور. لأنها المبادرات الوحيدة التي تعمل على تقييم حرية وسائل الإعلام دوليًا وبشكل منتظم. وفيما يلي المؤسسات الصادرة لمؤشر حرية الصحافة:
1. مؤشر حرية الصحافة من فريدوم هاوس
The Freedom of the Press Index by Freedom House
2. مؤشر حرية الصحافة من قبل مراسلون بلا حدود
The Press Freedom Index by Reporters Without Borders
3. مؤشر استدامة وسائل الإعلام من قبل المجلس الدولي للبحوث والتبادل
The Media Sustainability Index by the International Research & Exchanges Board (IREX(
4. البارومتر الإعلامي الأفريقي لفريدريش إيبرت ستيفتونغ
The African Media Barometer by the Friedrich Ebert Stiftung
5. مؤشرات تطوير وسائل الإعلام من قبل اليونسكو
The Media Development Indicators by UNESCO

يواجه مؤشر منظمة مراسلون بلا حدود تحديات شاملة، على سبيل المثال الذاتية والتحيز، بحيث يعتمد تحديد الأسئلة على عملية ذاتية؛ ويتم اتخاذ القرارات فقط من قبل فريق مكتب المنظمة في باريس. وتعتمد كل من الأسئلة المختلفة على آراء عدد قليل من الموظفين الذين يعيشون جميعًا في فرنسا ومعظمهم من خلفية أوروبية، ومع ذلك، لا يتم التعامل معها علنا. ومن ناحية أخرى، على سبيل المثال، تعرضت منظمة مراسلون بلا حدود لانتقادات بسبب دعمها لوسائل الإعلام التي كانت تؤيد محاولة الانقلاب في فنزويلا عام 2002. ورداً على ذلك، أشارت مراسلون بلا حدود إلى أنها أدانت في الواقع دعم وسائل الإعلام للانقلاب.

ينشأ انحياز آخر بسبب إجراء أخذ العينات، أي الأشخاص المكلفين بالجواب عن أسئلة الاستبيان، على الرغم من أنهم جميعًا يعيشون في البلد الذي يقيمونه، إلا أنهم جميعًا من المحتمل أن ينتمون إلى دائرة معينة من الناس: الطبقة الاجتماعية، والأيديولوجيا وما إلى ذلك، وبالتالي ربما تمثل آرائهم وتقييماتهم خلفياتهم المتباينة. وفي المقابل هناك من يعتبر تعدد وجهات النظر يساعد على إثراء الاستبيان وسد الثغرات المحتملة، والتي قد لا ينتبه إليها واضعوا الاستبيان نفسهم.

علاوة على ذلك، لا تكشف المنظمة عن المفهوم أو التعريف العام لحرية الإعلام التي حددت منهجية لتقييمها. بدلاً من ذلك، تستخدم باستمرار مصطلحات مختلفة وتدعي أن منهجيتها أداة لقياس حرية الصحافة، دون توضيح ما المقصود بذلك. حقيقة أنه لا يتم نشر نتائج أجوبة الأسئلة، ولا عدد أو تفاصيل الأشخاص الذين قاموا بملء الاستبيان، بشكل عام هذه النواقص تحد من شفافية المؤشر وتجعله عرضة للانتقاد.

فيما يتعلق بالتفاصيل المنهجية، يجب التأكيد على النقاط التالية: بما أن الاستبيان طويل جدًا ويتطلب معرفة بمجموعة كبيرة من الجوانب، فمن المحتمل أن تظهر مشكلتان. أولاً، قد يتعب المستجوب بعد فترة، وبالتالي يجيب على الجزء الأخير من الاستبيان بأقل صرامة. وثانيًا، لا يمكن للمستجوب أن يكون خبيرًا في جميع الموضوعات التي يغطيها الاستبيان، وبالتالي قد لا يجيب على جميع الأسئلة بشكل مناسب، ومن المحتمل أن يختلف مستوى المعرفة كثيرًا بين المستجوبين الأفراد، مما يعني أن تقييمات الدول المختلفة تعتمد على كميات مختلفة من المعلومات.

على الرغم من ذلك، تنصح المنظمة المستجوبين بإمكانية تخزين الإجابات مؤقتًا ومواصلة ملء الاستبيان في وقت لاحق. علاوة على ذلك، يطلب من المستجوبين عدم الإجابة على الأسئلة التي ليسوا متأكدين منها. وهذه ليست نقاط ضعف (لا أحد يفضل استبيانًا أقل شمولاً، ولا يمكنه من جمع البيانات التفصيلية)، ولكن هذه التحديات يجب التعامل معها بشكل علني من أجل تمكين المجيب من الحصول على فكرة حقيقية عن المنهجية، وبالتالي تكوين صورة أوضح عن النتائج.

يعد مؤشر حرية الصحافة مقياس عالمي يتم نشره سنويًا لحرية وسائل الإعلام، وهو اليوم معروف جدا. إلا أن المؤشر حتى الآن كان دائمًا يركز فقط على الانتهاكات ضد الصحفيين، وبالتالي فهو لا يوفر مؤشرا على جودة الصحافة. إذ يهتم بما إذا كان الصحفيون والمدونون يستطيعون نشر المعلومات أم لا. ولا يأخذ في الاعتبار جودة المحتويات التي تنشرها، علاوة على ذلك، يحدد مؤشر حرية الصحافة المؤشرات ويقدم نتائج كمية، في حين أن العملية نوعية.

محمد رضا مقتدر
باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد