قانون المساواة في الإرث بين الجنسين يخلق الجدل من جديد بتونس

احتشد آلاف المتظاهرين وسط العاصمة تونس، مساء أمس الإثنين، لدعم الإصلاحات المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة بين الجنسين، بعد ساعات من إعلان الرئيس الباجي قايد السبسي عن مشروع ِ قانون للمساواة في قانون الميراث، وتقاطـَر الآلاف من ممثلي الجمعيات النسائية والمجتمع المدني والأحزاب الليبرالية على شارع “الحبيب بورقيبة”، لمساندة تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة وسط أجواء احتفالية.

ورفع المتظاهرون الرايات الوطنية وشعارات مساندة للحرية والمساواة مثل “لا جمهورية بلا حرية” و”الحرية في كل وقت” و”لا فتوى لا استفتاء على حقوق النساء”، كما أطلقوا شعارات مناوئة لتيار الإسلام السياسي في البلاد، وهتفوا “يسقط حكم المرشد”، في إشارة الى زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي..

وكان رئيس الجمهورية التونسية الباجي قايد السبسي قد دعى يوم أمس الإثنين “سن قانون يضمن المساواة في الإرث بين الجنسين”.

وقال السبسي في كلمة ألقاها الاثنين بمناسبة العيد الوطني للمرأة، إن سن مثل هذا القانون يترافق مع “احترام إرادة الأفراد الذين يختارون عدم المساواة في الإرث”، بحسب ما نشرت وكالة الأنباء التونسية “واتس”.

وأكد الرئيس السبسي “ضرورة مراجعة مجلة الأحوال الشخصية لمواكبة تطور المجتمع وملاءمة التشريعات الجاري بها العمل مع ما نص عليه دستور الجمهورية الثانية”.

وتشهد تونس جدلا حول تقرير لجنة “المساواة والحريات الفردية” الذي سلمته للرئيس السبسي في يونيو الماضي، حيث رفض الحزب الدستوري السبت العديد من النقاط الواردة في التقرير المتعلقة بحقوق المرأة والأسرة، فيما تؤيد التقرير منظمات وجمعيات حقوقيّة الذي سيدعم تكريس مبادئ حقوق الإنسان في تونس.

وكان الرئيس التونسي قد شكل لجنة في غشت عام 2017 وكلفها بإعداد تقرير يتضمن إصلاحات تشريعية متعلقة بالحريات الفردية والمساواة منها إقرار المساواة في الميراث وأثار وقتها جدلا واسعا في تونس وخارجها.

وإحتشد آلاف التونسيين أمام مجلس النواب، احتجاجا على تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة الذى أثار جدلا وانقساما واسعا فى المجتمع التونسى بين المحافظين والليبراليين، والذى اقترح المساواة فى الميراث، وإلغاء عقوبة الإعدام، وعدم تجريم المثلية الجنسية، وجاءت الاحتجاجات، مساء أمس الأحد، استباقا لخطاب تاريخى يلقيه اليوم الرئيس التونسى، الباجى قايد السبسى احتفاء بعيد المرأة التونسية.

وتجمع الآلاف تلبية لدعوة التنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية، أمام مقر مجلس النواب، بالتزامن مع تحركات شعبية بعدة مدن وبلدات تونسية، وطالب المحتجون بإلغاء تقرير اللجنة، وقالوا إنه يتعارض مع الدستور ومع هوية الشعب الإسلامية، ويسعى لتفكيك الأسرة وترابطها، ورفع بعضهم نسخا من المصحف الشريف، ورددوا هتافات: «سندافع عن الإسلام بدمائنا»، و«الشعب يريد إسقاط التقرير»، و«تقرير اللجنة دعوة للفتنة ونسف للأسرة»، وأطلقوا هتافات تطالب بسحب مشروع القانون، ورفعوا لافتات تدعو بضرورة تطبيق أحكام الشريعة فى قوانين الميراث، واعتبروا أن الإرث «خط أحمر»، وشارك فى الاحتجاجات، جمعيات وعلماء دين وأئمة مساجد ونشطاء سياسيون، وأحزاب دينية.

وكان السبسى شكل اللجنة فى 17 أغسطس 2017، وكلفها بإعداد تقرير يتضمن إصلاحات تشريعية متعلقة بالحريات الفردية والمساواة منها إقرار المساواة فى الميراث وأثار وقتها جدلا واسعا فى تونس وخارجها، وعكست مبادرة السبسى، الانقسام بين العلمانيين والإسلاميين المحافظين، بشأن دور الدين فى المجتمع والذى برز بعد ثورة 2011.

وقدمت اللجنة مطلع يونيو الماضى إلى السبسى تقريرا من 233 صفحة من جزأين، الأول مخصص لـ«الحقوق والحريات الفردية»، ويتناول الثانى «المساواة» التامة بين الجنسين، خاصة فى الميراث، إما بشكل إلزامى أو بشكل اختيارى، والمساواة بين جميع الأطفال، بمن فيهم المولودون خارج إطار الزواج، كما اقترحت إلغاء عقوبة الإعدام أو الإبقاء عليها فى الحالات القصوى التى ينتج عنها الموت، وعدم تجريم المثلية الجنسية، وإلغاء المهر كشرط للزواج وإلغاء العدة للمطلقة أو الأرمل كشرط للزواج، وبررت اللجنة، المساواة فى الإرث، بتغير المجتمع وتطور دور المرأة التى أصبحت تتقاسم مع الرجل المسؤوليات المالية داخل الأسرة، لكنها تركت للأفراد الذين يرفضون المساواة، حرية توزيع الإرث بشكل مختلف، وأكدت اللجنة أن توصياتها «لا تتنافى وجوهر الإسلام».

إلا أن قطاعات واسعة من الأئمة والجمعيات الدينية ومشايخ وعلماء فى جامعة الزيتونة، أكدوا رفضهم التقرير، معتبرين أنه يمس بالهوية والعقيدة الإسلامية، واعتبر وزير الشؤون الدينية السابق، نور الدين الخادمى، فى تصريحات لـ«بى بى سى» أن التقرير «يمسّ هوية الشعب التونسى»، فيما ترى اللجنة أن تقريرها يستند إلى الدستور والمواثيق الدولية، ولا يمس الهوية والعقيدة، وقالت رئيسة اللجنة، بشرى بالحاج حميدة، إن «هناك رغبة سياسية حقيقية، ولمبادرة رئيس الجمهورية حظوظ وافرة للمصادقة عليها فى البرلمان، وأضافت إن «انتقادات بعض المعارضين لتقريرنا تؤكد أنهم غير مطلعين على محتواه»، وعبرت عن انزعاجها من «حملات التشويه والتضليل» التى اتخذت أشكالا عدة، من بينها توزيع منشورات تنسب للتقرير توصيات لم ترد فيه، كاعتبار الختان شكلا من أشكال التعذيب ووقف الأذان فى المساجد، وتعالت أصوات تطالب بإنهاء الجدل بشأن التقرير من خلال اللجوء إلى استفتاء شعبى، إلا أن رئيسة اللجنة، قالت إنه «لا يمكن وضع حقوق الإنسان محلّ استفتاء».

يشار إلى أن تونس واحدة من أكثر الدول العربية انفتاحا في مجال تحرر المرأة منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية عام 1956 لكن رغم ذلك ظل موضوع المساواة في الميراث أمرا بالغ الحساسية في المجتمع التونسي، خصوصا وأن الإسلام هو دين الدولة الرسمي في تونس. حيث أن حوالي 98 بالمئة من عدد سكان تونس هم مسلمون. معظمهم من السنة الذين ينتمون إلى المذهب المالكي.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد