قائد بعثي: الأسد صامد والتيار البعثي حاضر عربيا رغم التراجع في الحضور

منطقة تحيا على صفيح ساخن، وأحداث تكتب تاريخا غارقا في الدماء، فيما تتربع الإديولوجيات على قمة الزمن في محاولة لتغليب فكرة على أخرى،وفقت القومية العربية في تشكيل حركة سياسية واسعة لمواجهة ” التتريك “، حيث اعتمدت العديد من الدولة في بناء حاضرها و مستقبلها على فكرة “العروبة “، كما تم التأسيس بشكل موازي لأحزاب سياسية قومية  في العالم العربي.

حقبة لها ما لها و عليها ما عليها، يلصق البعض بها صفة الاخفاق كنظام سياسي، فيما يرى الكثيرون أن التشبت بالقومية العربية هو صمام الأمان الوحيد لاعادة بناء ما هدمه التيار الاسلاموي في المنطقة، في هذا الاطار كان لنا حوار مع ” مصطفى القواس ” أحد قيادي حزب البعت العربي الاشتراكي بالقطر اللبناني، للحديث عن تبعات خفوت هذا التيار القومي؛ وما مدى تأثير ماضي القومية على مستقبلها:

السؤال الأول : فكرة العروبة نشأت في صراع مع تتريك العالم العربي واجتمع لمواجهة هذه الثقافة كل من الإسلامي والمسيحي واليهودي، لأنها كانت حركة فكرية قوية و أظهرت مفهوما جديدا و هو “العروبة” لكن هناك فكر زيني ألغى هذه الثقافات الأخرى، وبرزت الهيمنة الثقافة الدينية، ما تعليقك على ذلك ؟

بروز الهيمنة الثقافية الدينية سببه النقل واستسهال الاتباع من دون أعمال العقل، وانا هنا أؤكد انه ينبغي التمييز بين الدين والثقافة الدينية وحزب البعث العربي الاشتراكي كان حاسماً بالتمييز بين الدين وثقافته الرائجة والشائعة. فعدم اعمال العقل هو احدى اشكاليات المواجهة الثقافية ما حوّل النص الديني الى اسطورة يستحيل حتى مناقشتها كما فعل مثلا نيتشه وغيره بالنسبة الى المسيحية او اليهودية.

مصطفى قواس – قيادي بحزب البعث العربي الاشتراكي بالقطر اللبناني

ان العنف بأشكاله يتواصل داخل الرؤية الوحدانية الاسلامية منذ نشوئها حتي اليوم قليلا او كثيرا، بشكل أو بآخر. الموروث التأويلي الديني يعلمنا ان القائل برأيه في الدين مخطئ وان اصاب “فلا معرفة في الدين الا بالنقل أو هي لا تجيء من الذات وإنما تجيء من الإجماع” نقلا عن الطبري، ويعني ذلك أنها اتباع ويقين أو بنحو المعرفة حسب هذا الموروث اعتقاد وليس انتقادا وهي جماعية لاذاتية. وهذه هي حال الثقافة الدينية أياً كان اسمها اسلامية او مسيحية او يهودية.

السؤال الثاني : هل القومية العربية أتت بالبذرة القاتلة بداخلها وهي إلغاء باقي القوميات مقابل فكرة القومية العربية ؟

هذه مغالطة فكرية وسياسية، فالقومية العربية التي هي عصب حزب البعث العربي الاشتراكي لم تكن يوماً مهووسة بالصراع او العداء مع أي قومية او فكرة بقدر ما كانت مهمومة بأبناء القومية العربية ومصالحها. من اشاع عن القومية الغربية معاداتها لغيرها وانها بصدد الصراع مع أي هوية هو من كان يريد للمنطقة البقاء في حالة استعمارية. لذلك فان القومية العربية التي تشكل وعينا الفكري هي تلك التي حررت دولنا من الاستعمار بكل مسمياته وصولا الى اللحظة السياسية التي أقيم فيها ابشع كيان استعماري في التاريخ بشقيه الماضي والحديث وعنيت الكيان الصهيوني فوق أرض فلسطين.

مصطلح القومية من المصطلحات الحديثة في أدبنا السياسي، لكن مضمونه ليس كذلك، فعهد الواقع العربي بنشأة الروابط التي جعلت الجماعة البشرية العربية قومية واحدة هو عهد بعيد ، وأساساً جاء الاسلام لينضم الى عروبة كانت قائمة بهذا الشكل أو ذاك. ومصطلح القومية يعود الى ما قبل العصر الحديث، والى ما قبل استخدام مصطلح “القومية” للتعبير عن هذا الواقع، بعدة قرون. ففي عصر ازدهار الحضارة العربية الذي بلغ قمته في القرن الثاني الهجري عرف الواقع العربي ثلاثة تيارات فكرية تصارعت في الواقع ووجدت لنفسها انعكاسات في الدراسات والأعمال الفكرية التي يمكن أن نسلكها في عداد “تراث العرب في الفكر القومي”، وهي: التيار الشعوبي الذي انطلق من العداء للعروبة والعرب والتعريب، وتيار العصبية العربية الذي أطلقه الامويون الأمويون لاستغلاله في الصراعات القبلية التي كرسوها لتدعيم سلطانهم، والذي امتد الى أن أصبح عداء لغير العرب. ثم تيار القومية العربية الذي نشأ ليعبر عن الضرورات التوحيدية لهوية أبناء الدولة الجديدة”.

السؤال الثالث : هل القضاء على التيار البعثي كان سببا في انتشار الإرهاب وتدمير الدول التي آمنت بالقومية العربية ؟

لم يتم القضاء على التيار البعثي كما يمكن ان يقهم القارىء. نحن موجودون وعلى مدى مساحة الوطن العربي لكن هذا لا ينفي التراجع الهائل في الحضور والاداء لاسباب عديدة غالبها ثقافي – سياسي – عسكري. والمفارقة ان الدول المُهيمنة كانت متقاطعة بالتمام والكمال مع حركات الاسلام السياسي في معاداتنا. لقد تم اعتماد سياسة ” اجتثاث البعث” في العراق من قبل الحاكم الاميركي بول بريمر ما اظهر غباء سياسي منقطع النظير أفضى إلى وقوع العراق ضحية لصراعات قومية واثنية لم يسبق ان شهدتها منطقتنا. ثم كانت الهجمة الغربية – الاسلامية ضد سوريا، والمريح إلى الآن هو الانتصار على المشروع الغربي واداته تنظيمات الاسلام السياسي. هذا الانتصار ليس نهائياً لكنه نوعي وبحاجة الى استكمال في المجالات الثقافية والسياسية. وهذا لا يعني أيضا انتصار حزب البعث لأن ما حصل يستدعي نقداً ومُراجعة فكرية جادة وموضوعية للتجربة السابقة، فهناك اخطاء بالاداء والممارسة.

السؤال الرابع : تراجع التيار البعثي وما أعقبه من بروز لتيارات الإثنية المتطرفة ، هل يشكل اليوم دافعا لمحاولة إحياء البعث من جديد؟

المراجعة في الفكر والسياسة والتنظيم بهدف تجاوز الاخطاء ليس كافياً بل المطلوب الخروج برؤى تتنبه الى سبب ما حصل وكيفية الانتقال الى المرحلة الجديدة التي صار عليها العالم. وحزب البعث بمفاهيمه الفكرية على مستوى الهوية والاداء السياسي لجهة اقامة الدولة المدنية ضرورة سياسية ، وكذلك هي مناعة فكرية بوجه مقولة صراع الحضارات لصموئيل هنتغتون. لقد رأى العالم برمته الكلفة الباهظة الثمن التي دفعتها الانسانية جراء جنون السياسات الغربية وحركات الاسلام السياسي التي عجزت عن تقديم اي اجابة لاسئلة السياسة والاقتصاد والاجتماع وعلى مستوى الحريات الشخصية.

السؤال الخامس : هل اعادة احياء البعث قد يواجه بمقاومة شرسة من التيار الاسلاموي، وما مدى مطابقة هذا مع الواقع ؟

الصراع مع حركات الاسلام السياسي العنيفة ليس جديداً ، فهذه الحركات بطبيعتها الغائية وآحادية حتى المسلم الذي لا ينخرط بمشروعها ويرضخ لادواتها يعتبر مرتداً ويكفر. مشكلة هذه الحركات مع حزب البعث وغيره، لكن المستجد السياسي هو ان الغرب بدأ يغلق الحواضن التي فتحها لهؤلاء واوقف تمويلاته التي كانت موجهة ضد استقرار وسلامة الدول العربية. ويجب التنبه الى ان حركات الاسلام السياسي من طبيعة انتحارية، فمن الطبيعي ان تستشرس حتى الموت في مواجهة حزب البعث وفكره التنويري والتعددي، فقوميته كفلت للجميع حرية الاعتقاد والتعبير .

السؤال السادس : نظام بشار الأسد يشكل اليوم حصنا أخيرا للتيار البعثي ، أليس هناك خوف من أن تصدع هذا النظام سيفقد البعثيين آخر قلاعهم؟

– لقد سجل الرئيس بشار الاسد صمودا استثنائياً ثم نصراً نوعياً لصالح سوريا والقضايا العربية المحقة وفي أولوياتها فلسطين وحركات المقاومة ، ولم يكن هذان النصر والصمود ليتحققا لولا الشرعية الشعبية التي يتمتع بها النظام. والآن لم يبق دولة من تلك التي تآمرت على عروبة سوريا وموقعها في الصراع مع اسرائيل إلا وتراجعت عن فكرة المراهقة السياسية القائلة باسقاط الرئيس الاسد، لا بل أكثر من ذلك ، فان الرئيس السوري قد اشترط على العالم وقف التحايل بمقولات التبادل الأمني واعادة اعمار سوريا ، داعياً اياهم الى التبروء من الجماعات التكفيرية قولا وعملا، ثم اعلان التنسيق السياسي قبل أي شيء، وهذا ما كان ليكون لولا الوضع المتين والقوي للنظام، ومن دون ان ننسى ان هناك مئات كيلومترات لا تزال تحت احتلال الجماعات الارهابية، ومع كل تقدم ميداني سيزداد النظام السوري قوة سياسية وديبلوماسية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد