فاجعة “ملعب الموت”: أو عندما قالت رضوى عاشور:”صمت ثم صوت، خافت ثم يعلو، سوف يتردد في الوادي بعد سنين”

عند كل حدث رياضي أو على هامش تظاهرة رياضية، أو في يوم دراسي أو ندوة تتعلق بالرياضة، يفتخر المسؤولون عن الرياضة في بلادنا سواء بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم أو وزارة الشبيبة والرياضة بالمنشآت الرياضية خاصة تشييد الملاعب بعدد من المناطق والأحياء والمدن والقرى وغيرها، وذلك لتمكين عدد من الشباب من ممارسة الرياضة المفضلة عندهم في مكان مخصص لها، وكذلك النهوض بالبنيات التحتية الرياضية المختلفة بالمملكة، وهذا شيئ محمود وإيجابي لابد من الإشادة به وبباقي المنجزات الأخرى التي ستطور من الرياضة المغربية.

وفي مقابل ذلك، توجد بنيات تحتية رياضية متدهورة أو رديئة بكل المقاييس، أو شيدت على أرضية هشة، لا يتحدث عنها أحد، لتسقط فاجعة تارودانت كالصاعقة،حيث غمرت سيول جارفة ملعبا لكرة القدم بإحدى الدواوير التابعة لعمالة تارودانت‎ يوم الأربعاء 28 غشت 2019، والتي أسفرت عن سقوط ضحايا ومصابين في مشهد مروع أطلق عليه نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي “ملعب الموت”.

تحذيرات للمسؤولين لم تجد آذانا صاغية 

منذ أزيد من شهر، حذر عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، من المكان الذي تم فيه تشييد “ملعب الموت” الذي جرفته الفيضانات وخلف سقوط ضحايا جائوا ليتابعوا مباراة في كرة القدم بين فريقين متكونين من أبناء المنطقة.

أحد النشطاء كتب على صفحته بـ “الفايسبوك”: “السلام عليكم غير لتوضيح والسؤال للمشرفين عن هذا الملعب من بدايته حتى نهايته وخا هادشي، ماشي شغلي ندخل فيه لازم نطرحو الفكرة للنقاش”، متسائلا في الوقت ذاته، “هل من قاموا ببناء الملعب وسط الوادي فكروا جيدا في الأمر، كما تشاهدون ملعب كرة القدم بجانب الواد والعواصف الرعدية في موسم الصيف تهدم الأخضر واليابس كما تعرف جل المناطق الجبلية”.

وأضاف الناشط الفايسبوكي، أن “كل بناء بجانب الوادي أو تجهيز مشروع سيتعرض لمشاكل ووخيمة مستقبلا”، خاتما تدوينته كالتالي: “بغيت أيت تزيرت تصلهم هاد الفكرة وأستسمح اللهم يسر ولا تعسر”.

ناشط من ساكنة المنطقة التي شيد بها الملعب (دوار “تيزيرت” قبيلة إداونضيف جماعة إمي نتيارت دائرة إغرم)، كتب في تدوينته: “ملعب جميل صراحة لكنه معرض لمياه الواد في أية لحظة، وهذا ما لا نتمناه، تحياتي لكل من ساهم في المشروع”.

تعليق آخر على “ملعب الموت” جاء فيه: “ملعب جميل ما شاء الله، لكن الواد لن ينسى المكان الذي يمر منه”، وأضاف ناشط آخر معلقا بقوله: “ملعب جميل رغم طبيعة المنطقة وجغرافيتها الوعرة لكن التحدي كان أكبر من الصعاب فشكرا لجمعية تزريت ولساكنة”.

وبسخرية واضحة، علق أحد النشطاء من تشييد ملعب وسط الوادي قائلا: “كن سميتوه ملعب الواد باش حتى إلى داه الواد ميبقاش فيكم الحال”.

جرس الإنذار دق قبل حدوث الفاجعة : لقد أعذر من أنذر وأنصف من حذر

مديرية الأرصاد الجوية الوطنية، حذرت في نشرة إنذارية صباح يوم الأربعاء 26 غشت 2019، من الكارثة قبل وقوعها، موضحة أن أمطارا عاصفية ستهم، من الساعة الثانية بعد زوال يوم الأربعاء إلى غاية الحادية عشرة ليلا من نفس اليوم، أقاليم الحوز، وأزيلال، وورزازات، وتارودانت، الشيء الذي يبين وجود مخاطر بمناطق معينة قد تؤدي إلى كوارث طبيعية.

رئيس الحكومة مساء الأربعاء 28 غشت: برودة رد الفعل  

هكذا علق سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة ، عن فاجعة “ملعب الموت” على صفحته الخاصة بـ “الفايسبوك”:

“ببالغ الحزن والأسى، تلقيت خبر فاجعة السيول التي جرفت مساء اليوم الأربعاء شبابا، كانوا يلعبون كرة القدم بجماعة إمي نتيارت بإقليم تارودانت

وتتابع الجهات المسؤولة والسلطات المحلية عن كثب تداعيات الفاجعة، وحصر الخسائر البشرية والمادية

وأسأل الله الرحمة والمغفرة لمن قضوا في الفاجعة وأتقدم بأحر التعازي والمواساة لذويهم وأسرهم وأسأل الله لهم الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون”.

عند قراءة هذه التعزية، لاحظ المتتبعون والنشطاء الفايسبوكيون المغاربة عدم ذكر رئيس الحكومة موضوع فتح تحقيق دقيق، جاد ومسؤول لمعرفة ظروف وملابسات هذه الفاجعة، مطالبين بتفعيل المبدأ الدستوري: “ربط المسؤولية بالمحاسبة”.

نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، أعربوا عن غضبهم من ردة فعل رئيس الحكومة، مطالبين في الوقت ذاته بأخذ المبادرة والذهاب لمكان الفاجعة والتعامل بحزم مع المقصرين.

المسؤولون المغاربة: غياب الجرأة

على غرار دول أخرى مجاورة عندما تقع فيها فاجعة مؤلمة، كحادث التدافع الذي شهده قبل أيام أحد الملاعب الرياضية بالعاصمة الجزائر في حفل غنائي أحياه النجم  الجزائري عبد الرؤوف الدراجي المعروف بـ “سولكينغ”، والذي أسفر عن سقوط 5 ضحايا وإصابة العشرات بجروح متفاوتة الخطورة، على إثره قدمت وزيرة الثقافة الجزائرية، مريم مرداسي، استقالتها للرئيس الجزائري المؤقت، عبد القادر بن صالح.

وقبيل استقالتها، هاجمت وزيرة الثقافة الجزائرية، كل من طالب بإقالتها، على خلفية حادثة التدافع في حفل “سولكينغ”، معبرة في تدوينة لها عبر حسابها بـ “الفايسبوك” عن استغرابها من تحميلها مسؤولية ما حدث ليل الجمعة في ملعب 5 يوليوز بالجزائر العاصمة.

فاجعة أخرى، تلك التي حدثت بمصر يوم الأربعاء 27 فبراير 2019، عند حادث ارتطام جرار قطار بحاجز في محطة قطارات “رمسيس” بالقاهرة، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، والتي على إثرها استقال وزير النقل المصري، هشام عرفات، بعد ساعات قليلة من الحادث والتي قبلها رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، وفق ما أعلنه  مجلس الوزراء المصري.

لماذا لا يملك المسؤولون المغاربة نفس الجرأة ويقدمون استقالتهم أو على الأقل إعلان الاعتراف بالفشل في مهمة معينة وتحمل المسؤولية الكاملة فيها؟

العثماني صباح الخميس 29 غشت: الجهات المختصة باشرت التحقيقات لتحديد المسؤوليات

رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، قال صباح اليوم الخميس، عند افتتاحة لمجلس الحكومة، أن الجهات المختصة باشرت التحقيقات لمعرفة ما جرى بالتحديد في ملعب تارودانت وتحديد المسؤوليات، مؤكدا أن “السلطات المحلية والسلطات المعنية كلها معبأة للعثور على المفقودين الآخرين، ونترحم على أرواح الشهداء ونسأل الله تعالى الصبر والسلوان لذويهم”.

العثماني، دعا إلى اليقظة واتخاذ الاحتياطات، مطالبا جميع المتدخلين بالتعاون فيما بينهم لتفادي مثل هذه الحوادث، خصوصا مع التقلبات المناخية التي تتسبب في وقوعها، مضيفا بالقول :”لابد من رفع درجة اليقظة، ومن واجب جميع الإدارات والجماعات المحلية والمجتمع المدني والمواطنين التعبئة والتعاون لنتفادى في المستقبل مثل هذه الحوادث الحزينة”.

ساجد يحل بمكان الفاجعة: زيارة سياسية أم إنسانية؟

محمد ساجد، وزير السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، والقيادي بحزب الاتحاد الدستوري، حل بدوار “تيزيرت”، المنطقة التي تعتبر جزءا من دائرته الإنتخابية،  وذلك لحضور مراسيم دفن ضحايا فاجعة “ملعب الموت”، الذين لقوا حتفهم أمس الأربعاء بعد أن جرفتهم مياه الوادي.

وحضر ساجد رفقة الوفد الرسمي، الذي يتقدمه الحسين أمزال، عامل إقليم تارودانت، وقدم التعازي لأسر الضحايا، وتوجه بعدها نحو مقبرة الدوار، حيث سيوارى جثمانهم الثرى.

وزير السياحة، محمد ساجد، هو أول مسؤول حكومي، يحل بالمنطقة بعد الفاجعة، دفع البعض يطرح التساؤلات عن حضوره وحيدا دون باقي وزراء الحكومة خاصة وزير النقل واللوجيستيك، عبد القادر اعمارة، وباقي الوزراء، هل زيارته كانت بدافع اعتماده على أصوات ساكنة المنطقة للحفاظ على صفة البرلماني؟

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد