غانم: نجاعة و فعاية السياسات الموجهة للنساء مرتبطة بتغيير العقليات

يخلد العالم يوم 8 مارس هذه السنة (اليوم العالمي للمرأة) في ظل استمرار مجموعة من الرهانات و التحديات التي تطرح العديد من الاسئلة حول واقع التمكين الاقتصادي و السياسي للمرأة من أجل ضمان مشاركتها الفاعلة في صناعة القرار إلى جانب الرجل.

بهذه المناسبة حاورت المصدر ميديا كريمة غانم رئيسة المركز الدولي للدبلوماسية، خبيرة في التواصل الاستراتيجي والتنموي و في مجال الترافع حول السياسات العمومية، حول واقع التمكين الاقتصادي والسياسي للمرأة.

كيف تقيمين واقع التمكين الاقتصادي و السياسي للمرأة في العالم؟

هناك العديد من المنجزات و المكتسبات التي تمت تحقيقها في مجال حقوق المرأة بفضل النضال المتواصل للحركات النسائية و الحقوقية لإقرار سياسات وتشريعات وطنية وقارية وأممية حول حقوق النساء، لكنها مازالت تعرف تعثرا في التنزيل بسبب التعقيدات على مستوى المساطر التطبيقية، ضعف التنسيق بين القطاعات والمؤسسات، حكامة الموارد المالية و البشرية، والتمثلاث الثقافية التي تكرس التمييز وتحول دون تفعيل معظم السياسات والبرامج الموجهة للمرأة. ولعلّ أهمّها آليات مكافحة جميع أشكال التمييز ضد المرأة والعنف المبني على النوع الاجتماعي وهذا يضع بلدان منطقتنا في المراتب الأخيرة في التصنيفات الدولية المتعلقة بالفجوة بين الجنسين.

ما الذي يمكن ان يدفع نحو تحقيق التمكين الحقيقي للمرأة من اجل ضمان مشاركتها الفاعلة في صناعة القرار إلى جانب الرجل؟

إن تخليد هذا اليوم لا يمكن أن يتم دون استحضار القيم والمفاهيم والتمثلات التي يتملكها كل من الفرد والمجتمع، بخصوص القضايا ذات الصلة بكرامة وعزة الإنسان. ومما لاشك فيه أن مسار تنمية المجتمعات يرتبط، بالأساس، بالاستثمار في الرأسمال البشري رجالا ونساء، دون تمييز في الحقوق، وهذا ما اتجهت إليه العديد من التشريعات التي رفعت المساواة بين الجنسين إلى مصاف المبادئ الدستورية انسجاما مع مقتضيات المواثيق الدولية التي اعتبرت أن ارتقاء المجتمع رهين بارتقاء المرأة، وأن التمييز والعنف ضدها ما هو إلا انتهاك لحقوق الإنسان.

و يشكل العنف ضد المرأة العائق الأساس في تحقيق هذه المبادئ والمقتضيات الدستورية و الدولية، إذ يقضي على قدراتها و على كافة إمكاناتها الذاتية، و يحرمها من المشاركة الفعلية في الحياة العامة والتنمية المجتمعية. ووعيا بهذا الواقع، صادقت العديد من الدول على قوانين محاربة العنف ضد النساء لكنها عجزت عن تخصيص واضح لإجراءات الحماية والتكفل خصوصا في ما يتعلق بالعنف اللأسري هذا بالإضافة إلى سدّ الثغرات القانونية التي تسمح للإفلات من العقاب.

و قد صار من الضروري نهج مقاربات جديدة أكثر نجاعة وفعالية، ترتكز على الاعتراف بكيان المرأة، وصيانة كرامتها كإنسان يتمتع بحقوقه كاملة في علاقة متوازنة مع الرجل، وذلك من خلال تفعيل القوانين والمساطر القضائية بشكل فعال، يضمن وقاية وحماية قانونية واجتماعية للمرأة تساهم في جبر الضرر المادي والمعنوي الذي يلحق بها بشكل يومي.

كيف يمكن للترافع حول قضايا المرأة ان يشكل احد مداخل انهاء التمييز واقصاء المرأة؟

يتفاوت النقاش العمومي والترافع حول قضايا المرأة من دولة الى أخرى حسب الخصوصيات الثقافية وجاهزية مواطنيها للتغيير. بينما هناك دول كتونس التي صادق على قانون المساواة في الإرث بين الجنسين رغم الحساسية الدينية والثقافية لهذا القرار، هناك دول أخرى استطاعت أن تكسر الطابوهات حول مواضيع أخرى كالحق في الإجهاض، استغلال الطفلات خادمات في البيوت، تزويج القاصرات، التحرش الجنسي، تعدد الزوجات إلى غير ذلك من المواضيع، لكنها فشلت في سن قوانين قابلة للتطبيق على أرض الواقع.

و هذا يتطلب التفكير في نموذج جديد للتغيير المجتمعي يستهدف مصاحبة تنزيل الترسانة القانونية المتعلقة بحقوق المرأة، وذلك من أجل تغيير العقليات كضمانة أساسية لتحقيق التوازن والاستقرار والتماسك الاجتماعي، نموذج أساسه تخليق الحياة العامة يساهم في الحد من السلبية المجتمعية حول قضايا العنف والتمييز ضد النساء، مبني على ثقافة النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان واحترام الخصوصيات الثقافية و الجهوية باختلاف أطيافها ومرجعياتها الحقوقية و الدينية، ويضمن الإلتقائية والإندماج والتنسيق بين جميع الفاعلين والمتدخلين ، وفق مقاربة مندمجة تكامل فيها الأبعاد الاجتماعية والنفسية والقانونية.

ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بإرساء آليات للتتبع والتقييم لمواكبة تنزيل مقترحات عملية وقابلة للتحقيق على أرض الواقع، تعتمد على استراتيجيات تواصلية تستند إلى خطاب علمي ووسائل أدوات ناجعة ومبدعة، مبسطة، موائمة للعقليات والاختلافات الثقافية، وتتوجه إلى مختلف فئات النساء (المرأة الحضرية والمرأة القروية، والمرأة المتعلمة والمرأة الأمية، والمرأة في مختلف مراحل عمرها)، مع التأكيد على إشراك الرجل في جميع مراحل بلورة الحلول للقضاء على ظاهرة العنف والتمييز.

كيف ترين واقع صمان حقوق المرأة واشراكها في صناعة القرار بالمغرب؟

في المغرب رغم كل الإجراءات التي تم اعتمادها لتمتيع المرأة بكافة حقوقها وتشمل تعديل مدونة الأسرة، وتمتيع أبناء الأم المغربية المتزوجة بأجنبي من الجنسية المغربية، وإصدار قانون محاربة العنف ضد النساء والقانون المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، إضافة إلى تشكيل هيئات للمساواة و تكافؤ الفرص والنوع الاجتماعي على مستوى الجهات والأقاليم والجماعات المحلية، وقوانين أخرى تهم ّ المشاركة السياسية من خلال أنظمة الكوتا والميزانية المبنية على النوع الاجتماعي وآليات التمكين الاقتصادي لكن مازلت النساء تواجه صعوبات في الولوج للخدمات الأساسية والولوج إلى مراكز القرار، بحيث أن المرأة لا تلامس تلك السياسات في حياتها اليومية.

و هذا ينطبق على دول أخرى بالمنطقة العربية على الخصوص بحيث أن معظم هذه السياسات والقوانين تنصّ على مبدأ المناصفة وتكافؤ الفرص، لكننا نلاحظ تناقضا على مستوى الخطابات السياسية والتي بدورها لا تترجم هذه المبادئ على مستوى الفعل السياسي. هناك دول في إفريقيا مثل رواندا وإثيوبيا ومالي لها قفزة نوعية خصوصا في ما يخص التمكين السياسي للمرأة من خلال ترشيحها للعديد من المناصب العليا ومن خلال حكومات تحترم المناصفة وتكافؤ الفرص يكون فيها المعيار الأساس هو الكفاءة وليس عدد النساء لتأثيث الديكور من أجل المؤشرات الدولية.

ماهي في نظرك المداخل التي يمكن أن تساهم في تغيير أوضاع المرأة وتشجيع الريادة النسائية؟

يمكننا القول أن المدخل الأساسي للمساهمة في تغيير أوضاع المرأة و تشجيع الريادة النسائية على مستوى الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني لا يمكن ان يستقيم إلا في إطار آليات ممأسسة للمشاركة تكون فيها الديموقراطية التشاركية مكمّلة للدموقراطية التمثيلية.

الآليات الحالية ساهمت بشكل كبير في الرفع من العدد الكمّي لمشاركة المرأة في صناعة القرار والترافع على تغيير أوضاعها، لكننا نطمح إلى جودة وفعالية هذه المساهمة بحيث تخلق أثرا مباشرا على الحياة اليومية للمرأة. بعض هذه الآليات كنظام الكوتا، كرّس ريعا سياسيا لا يعتمد بالضرورة على الكفاءة وتكافؤ الفرص في الترشيح للانتخابات أو للمناصب القيادية على مستوى الأحزاب أو الجمعيات أو المناصب العليا بالمؤسسات في ظل ثقافات مؤسساتية غير مبنية على النوع الاجتماعي بحيث نجد نسبة مهمّة من النساء في مراكز القرار لكن دون صوت حقيقي مؤثر في القرار العمومي. وهذا يساهم أيضا في تفاقم الوضع الاقتصادي للمرأة وهو من أهم العوائق المباشرة التي تجعل المشاركة السياسية صعبة ومعقدة بسبب صعوبة الولود إلى الموارد المالية والمواكبة التقنية والسياسية. لهذا يجب بالإضافة إلى الاشتغال بالموازاة على محاربة الهشاشة وتحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة، وتوفير خدمات اجتماعية للمرأة إلى التفكير في مقاربات لتأهيل الأجيال الصاعدة في مجال الحقوق والمساواة على المدى البعيد وتأهيل الحقل الإعلامي لمحاربة الصور النمطية عن المرأة في الإعلام، وتعزيز دور هذا الأخير في تنوير الرأي العام حول ثقافة المساواة ونبذ كل أشكال العنف ضد النساء.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد