صور في حب الأوطان… موريتانيا نموذجا

بقلم : ذ. ماءالعينين ماءالعينين*

ومن لم تكن أوطانه مفخرا له “”””فليس له في موطن المجد مفخر

رحم الله شاعر العراق عبد الحسن الكاظمي، قائل هذا البيت الخالد الذي أصبح مضرب الأمثال في حب الوطن. تذكرت ذلك وغيره كثير، مما قيل عن حب الأوطان والتغني بأمجادها وبطولاتها ومكانتها بين الأمم، وأنا أتجول بين ثماني قنوات فضائية موريتانية، بكثير من الغبطة والانبهار، وجدت نفسي ككل سنة-خاصة في أواخر شهر نونبر-تاريخ حصول البلد على استقلاله، مشدوها ومشدودا، حد الثُّمالة بهذه الاحتفالات التي تمتد لأيام عدة، وهذه الأسمار التي تتنافس تلك القنوات والإذاعات الوطنية في تمتيع الناظر والسامع لها. تستوي في ذلك الرسمية منها والخصوصية. وهذه المحافل والمنتديات التي تعم سائر أرجاء البلد.

سألت عن الظاهرة فقيل لي، إن ما تراه من احتفالات وأناقة ملبس وحسن هندام على القنوات المعنية، لا يقل عما هو موجود في المنازل والخيام، وفي كل بقعة من أرض الوطن. فالقوم يتبادلون التهاني والتبريكات بكثير من الفرح والسرور. وكل منهم ومنهن، على كتفيه، شال مطرز بألوان علم بلدهم، وكأن البلد استقل للتو من جَلافَة وجهامة وسماجة الاستعمار الفرنسي البغيض. يتبختر الرجال بأزيائهم التقليدية الرائعة، وكذلك النساء اللواتي يتزين بأبهى وأحسن ما لديهن من حلل وأجمل ما لديهن من ملابس. أياديهن، وأرجلهن مخضبة بحناء حالكة السواد، ضفائرهن تلامس تلك الوجوه الناعمة ميمنة وميسرة. لا مكان لغيرة الرجال وحميتهم ونخوتهم، من هذا القادم عليهم، إنه (السيد)عيد استقلال الوطن. العيد الذي تزدهر فيه التجارة، وهو مصدر غنى للصانعات اللواتي يتفنن في تزيين النساء…

وأنا في دهشتي تلك تذكرت الفيلسوف والكاتب والشاعر الاسباني الأصل جورج سانتيانا ومقولته الخالدة: “قدم المرء يجب أن تكون مغروسة في وطنه”. أما عيناه فيجب أن تستكشف العالم. وهذا هو الموريتاني، ذكرا كان أم أنثى. تجده في كل بقاع العالم، شاعرا، فقيها، طالبا، تاجرا، محاضرا…ولكن القدم مغروسة في أرض وطنه. يقدم التهاني ويتلقاها في ثماني وعشرين نونبر من كل سنة. يتزيا بأجمل الملابس، يذبح، ينحر، ويقيم الولائم. يشتري لصغاره شالات يزينون بها مناكبهم الطرية، خفيفة المحمل ولكنها ثقيلة الرمزية والدلالة. يستشعرون من خلالها جسامة المسؤولية التي سيسهرون عليها يوما من الأيام. وكأنني بالسلف يغرس في دواخل الخلف مقولة خالدة مفادها، أنه لا يوجد شيء أجمل من وطني وسأظل أدافع عنه حتى آخر قطرة من دمي، وسأرفع رايته بكلتا يدي. يتبارى شعراء القوم-بالفصيح والعامي-في نشر لآلئهم ودررهم تغنيا بأمجاد الوطن وعظمائه، خاصة الذين صنعوا هذا اليوم، وعلى شاكلتهم يسير المطربون والمطربات، وكأنهم يستحضرون قول بعضهم: “إننا ننتمي الى أوطاننا مثلما ننتمي إلى أمهاتنا”.

يستوي الغني والفقير، الصغير والكبير…في ذلك. فالوطن فوق رؤوس الجميع، وهو كما يقال، الحب الوحيد الخالي من الشوائب، حب مزروع في قلوبنا ولم يصنع وأنا أتمعن في هذه الظاهرة الرائعة التي لا مثيل لها في عالمنا العربي-على حد علمي-تذكرت أياما خلت، ما أحوجنا لاسترجاع بعضها، خاصة تلك التي لها رمزية في الذاكرة، عندما كانت ترفع وبكثافة الأعلام الوطنية على الأسطح والشرفات، إيذانا باحتفال المملكة بأعيادها الوطنية المجيدة ولكن كذلك من أجل تربية أجيال المستقبل على حب الوطن، والتعلق بمقدساته.

هذه الظاهرة الموريتانية الخالصة والخاصة، الفريدة، المنفردة والمتفردة تستحق وقفة تأمل وتمحيص وإعجاب…

فما أحوجنا اليوم لمثل هذه الدروس والعبر والدلالات الوطنية التي يتركها السلف أمانة في أعناق الخلف. صحيح أن حب الأوطان أمر وجداني ثابت في القلوب، ولكن إظهاره والاحتفاء به، صورة أخرى أجمل وأروع.

كل عام وموريتانيا بألف خير  

وتحية مودة وتقدير لشعبها العظيم.
 

*كاتب وروائي

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد