زراعة “الكيف” بين مطلب التقنين ومخاوف الإستغلال غير المشروع

عاد جدل تقنين زراعة القنب الهندي “الكيف” لأغراض علاجية وإقتصادية إجتماعية من جديد ليحتل واجهة النقاش العمومي، وليفتح أبواب  التدافع السياسي بين من يرى في تقنينها مدخلا لتمكين خزينة الدولة المغربية من “أنهار من الأموال لدى أصحاب الحشيش والمخدرات”، وبين رافض للمطلب بدعوى مخاوف إنفلات غاية التقنين عن مقاصدها.

وخرج كل من حزب الأصالة والمعاصرة و حزب الاستقلال، من جديد، للمطالبة بتقنين “الكيف”، بعد ان سبق أن تقدما بمقترح قانون بالبرلمان قبل سنوات، يقضي بالسماح للفلاحين بزراعة القنب الهندي تحت إشراف مؤسسة عمومية تشرف على عملية تسويقه وتحديد المساحات التي يسمح فيها بزراعته، وذلك من أجل استخدامه لأغراض طبية وصناعية، لكن هذا المقترح لم يحضى بالموافقة، من طرف الأغلبية وخصوصا حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة منذ سنة 2011.

وفي هذا السياق، كشف نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، في تصريح للمصدر ميديا، أن الهدف من تقنين زراعة “الكيف” هو تغيير الإستغلال لهذه النبتة من مادة مخدرة تستعمل لصناعة الحشيش، إلى مواد نافعة تستعمل لأغراض طبية وصناعية.

وأضاف مضيان أنه للأسف فإن الحكومة المغربية لا تريد التفكير في صيغ بديلة لأجل الإستفادة من “زراعة الكيف” في خلق أنشطة بديلة ، بعيدا عن إستعمالها كمادة مخدرة، عبر إستغلالها كمادة في أنشطة بديلة كالمواد العطرية والطبية ومواد التجميل وغيرها من الأنشطة المدرة للدخل المشروع.

وإعتبر مضيان أن “الحكومة لا تمتلك الإرادة من أجل فتح هذا الملف لأسباب نجهلها، وتضيع على الإقتصاد المغربي ملايير الدولارات، التي يدرها هذا التقنين ضمن دول عديدة كأمريكا وكندا ودول أمريكا اللاثينية”.

وفي ذات السياق، أبرز العربي المحرشي البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، أن تقنين زراعة “الكيف” سيمكن من حل مشكل عويص يرتبط بالإستعمال اللامشروع لهذه المادة في صناعة المخدرات التي تسئ للعباد والبلاد، داعيا الحكومة إلى فتح أبواب نقاش جاد ومسؤول حول مشروع تقنين “الكيف” المعروض منذ سنوات على أنظار البرلمان.

وأوضح المحرشي، أن تبني مشروع زراعة الكيف لأغراض إقتصادية مشروعة سيمكن خزينة الدولة من مداخيل مهمة ستساهم  في قيادة المشاريع الإصلاحية، وتحويل هذه الزراعة المثقلة بالمخاوف الأمنية إلى نشاط إقتصادي مهم، يدر أموال مشروعة على الفلاح والمواطن البسيط.

وترى مؤسسة “Prohibition Partners” أنه بوسع تسعة دول إفريقية، ضمنها المغرب، إباحة استهلاك الحشيش الطبي وتقنين استعماله لأهداف ترفيهية في أفق 2023.

وحسب “Prohibition Partners”، فإنه يمكن للمغرب – بناء على العدد المحتمل للمرضى، وتحولات سعر الغرام من الحشيش الطبي، وأثر التقنين على الثمن في السوق السوداء- ربح 944 مليون دولار منذ السنة الأولى للتقنين.

ويقول “إيوان كينان”، رئيس “Prohibition Partners” ورئيس مصلحة التسويق بمؤسسة “Cannabis Europa” ومنظم “أسبوع الحشيش”، إن هذا الرقم يمثل “مجموع قيمة السوق المقننة” قبل أن يضيف من مكتبه بلندن “لقد حصلنا على هذا الرقم انطلاقا من تقييمنا لإمكانات السوق الطبية والسوق الترفيهية على حد سواء”.

وكانت فعاليات حقوقية قد أطلقت بتاريخ 25 أبريل 2008 دعوة لفتح نقاش عمومي حول تقنين زراعة القنب الهندي بالمغرب وتوجيه إستعمالاته، منتقذة الطريقة التي تعاملة بها الحكومات المتعاقبة مع ملف زراعة الكيف تحت يافطة “مكافحة الإتجار غير المشروع بالمخدرات”، بعيدا عن النظرة المندمجة، و”التي أدت إلى تضرر الأسر المستفيدة من حلقات زراعة القنب الهندي وتفاقم أزمتها، في ظل وضعيتها الإقتصادية والإجتماعية المزرية أصلا في ظل غياب تام لبدائل حقيقية”.

ودعت الفعاليات الحقوقية إلى ضرورة توجيه السياسات الحكومية في هذا الجانب، إلى ضرورة الحفاظ على هذه المزروعات غير المشروعة، عبر منحها صفة الشرعية القانونية، ليتم توجيه إستعمالها وفق برامج وطنية ودولية سيما في إطار التنمية البشرية، خاصة مع تطور إستعمالها في المجالين الطبي والصناعي، والذي أثبتت العديد من الدراسات المختبرية الحديثة أن لنبتة القنب الهندي مجموعة كبيرة من الخصائص والمميزات التي ترتبط بالإستعمال الطبي والعلمي والصناعي.

وفي الوقت الذي يطالب فيه عدد من الفاعلين المجتمعيين والسياسيين بتقنين زراعة القنب الهندي لأغراض علاجية، حذرت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، في تقريرها السنوي لعام 2018، من أن التنظيم السيئ للقنب المتاح للاستخدام الطبي يمكن أن يؤدي إلى زيادة تحويل هذه المواد لتستخدم لأغراض غير طبية.

الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات ضربت مثالا بالولايات المتحدة الأمريكية التي ما إن تم فيها تقنين زراعة القنب الهندي حتى تم تسجيل تزايد في عدد الوفيات بجرعات زائدة من المخدرات.

وقالت الهيئة ضمن تقريرها إن “برامج القنب الطبي سيئة التنظيم، التي لا تُدار وفقا لاتفاقيات مراقبة المخدرات، يمكن أن تؤدي إلى تحويل القنب ومنتجاته إلى استخدام غير طبي بما يؤثر سلبا على الصحة العامة”.

وكان الناشط الحقوقيّ شكيب الخياري، عضو الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف، قد كشف سنة 2015 على نموذج مقترح “نموذج مشروع قانون لتقنين زراعة واستغلال الكيف الطبي والصناعي” والذي همّ مشاتل بكل من أكادير و صفرو وسيدي علال التازي وبني ملال، بتجريب ثلاث عينات من الكيف الصناعي، Santhica 27 ، Epsilon 68، Futura 75، على اعتبارها كونها مقبولة من لدن الاتحاد الأوروبي، وتتميز بتركيز المادة المنشطة تيتراهيدروكنابينول بنسبة لا تتجاوز الـ0,2%، حيث أنّ العينات تم التحصل عليها من طرف الفدرالية الوطنية للكيف بفرنسا(FNPC)، وزرعت من طرف الدركيين بـ12 قطعة مساحة الواحدة منها 2500 متر مربع، وهي التجارب التي خلصت إلى أنه، بالرغم من عدم تطابق الشروط المناخية بالمغرب مع نظيراتها لأوروبا، تركيز THC في المحصول لا يتعدى النسبة المفروضة قانونيا في أوروبا، كما أن التجربة وقفت على نمو سريع لهذه المزروعات ضمن مدة لم تتعدَّ شهرين و نصف.

وكشفت عدد من الدراسات التي أجريت على هذه النبتة إمكانية استعمالها في صنع العديد من الأدوية والمستحضرات الخاصة بالتجميل، وهو الأمر الذي أدركته دول مثل فرنسا في وقت مبكر وقامت بتصنيع عدد كبير من الأدوية بواسطتها، مضيفة في الوقت ذاته، إلى انه من الممكن إستخدامها أيضا من طرف البعض في التدخين وصنع لفافات الحشيش، الأمر الذي ينعكس سلبا على خلايا المخ وكذا الرئة نظرا للتعرض المفرط لهذه المادة.

ويقدر عدد الفلاحين الذين يعيشون من زراعة القنب الهندي في المغرب بنحو 800 ألف مزارع يوجد أغلبهم في الشمال، كما تقدر حجم التجارة المرتبطة به بأكثر من 200 مليون يورو، حسب تقارير أعدها نشطاء مدنيون، إلا أن المساحة المخصصة لزراعة القنب الهندي تراجعت إلى 47196 هكتارا في 2013، مقابل 134000 هكتار في 2003، الأمر الذي يرجعه هؤلاء إلى الخوف الشديد والمعاناة التي يعيشها الفلاحون في هذه المناطق، والتي يبقى حلها رهين توافق بين مختلف الفاعلين الحزبيين والسياسيين في كل من الحكومة والمعارضة

ويبقى سؤال التقنين من عدمه مفتوحا للنقاش بين من يرى فيه دعائم إقتصاد بديل يمكن ان يدر على البلاد ملايين الدراهم، فيما يرى فيه آخرون إمكانيات لحياد قانوني، وتأطير ظاهره بحث عن تحقيق مشروعية زراعة الكيف للأغراض إقتصادية وإجتماعية وباطنه محاولات لإضفاء المشروعية على أنشطة غير مشروعة من أدل أغراض إقتصادية لكبار الملاك والتجار بعيدا عن الرغبة في إخراج الفلاح البسيط من دائرة الفقر والعوز.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد