روبورتاج : غلاء المعيشة من أسباب هجرة الأسر الصويرية خارج المدينة

الصويرة : سعيد أوتنومر

لوحظ مؤخراً بمدينة الصويرة ظاهرة تتجلى في انتقال العديد من الصوريين الى المدينة الحمراء ، حيث مجموعة من الموظفين و المسؤولين والأستاذة والتجار و بعض الفنانين والمبدعين، تركوا من ورائهم كل شيء، و اتجهوا نحو مدينة مراكش والنواحي من اجل الاستقرار، بعد ان تعبوا من تحمل أعباء و غلاء المعيشة بالمدينة التي أصبحت لا تتوافق مع مدخولهم الشهري و لا مستواهم الإجتماعي.

فبعد ان كانت الصويرة تعتمد في توازن اقتصادها المحلي على مجموعة من الموارد التي كانت تشكل قوة، مثل المصانع المتخصصة في تصبير السمك، و التي كانت تستفيد منها أغلبية النساء قبل إغلاقها، و الصناعة التقليدية التي كان يستفيد منها المئات من الأسر قبل إحتكارها، و تدهور مجالها و تراجع عدد صناعها ، ثم الصيد البحري و الثروة السمكية التي عرفت نقص كبير في نسبة المردودية ، حيث أصبحت تستفيد منها فئة معنية من دون غيرها ، مم أدى إلى إرتفاع قياسي في أثمنة السمك بمختلف أنواعه و أشكاله.

و بغض النظر عن ما ذكر أعلاه من أسباب ساهمت في انتقال عدد كبير من الصويرين لمدينة مراكش يبقى السبب الرئيسي وراء عدم الإستقرار بالصويرة مؤخرا، هو غلاء العقار بشكل خيالي و إرتفاع السومة الكرائية بمعدل يتجاوز بكثير قدرة المواطن الصويري البسيط، مم اوجب عليه الهروب متجها لمدينة على الأقل تضمن له الإستقرار السكني ، دون اغفالنا على انه من بين الأسباب التي دفعت العديد للإستقرار بمراكش راجعة أيضاً الى بعض الحالات المتعلقة بالصحة ثم اعتدال الجو و جمال المدينة.

و من أجل تقريب القراء أكثر و لفهم أكبر، ربطنا الإتصال بمجموعة من الفعاليات المجتمعية بالصويرة ليساهموا معنا بآرائهم حول هذا الموضوع و كان من بينهم الشاب يوسف أوسكور الفاعل المدني الذي أكد حسب إعتقاده ان إرتفاع السومة الكرائية مرده هو غياب الوعاء العقاري الذي يعتبر شق مهم ، كما أكد اوسكور أن الموقع الجغرافي لمدينة الصويرة بإعتبارها لها وجهة بحرية من الصعب ان تتوسع على حسابها ، ثم اشار الى انه هناك ملك غابوي يعتبر رئة المدينة الأمر الذي يجعل المسؤولين بين خيارين كلاهما مر حفظ البيئة او إمكانية التوسع.

و بخصوص سؤالنا المتعلق بانتقال الصويرين الى مراكش أجاب مجموعة منهم، ان مدينة مراكش مدينة حاضرة تجمع بين مجموعة من المرافق التي يحتاج إليها الإنسان ، فرص الشغل مؤسسات صناعية ، ثم ان المدينة تعتبر وجهة سياحية قوية ، بالإضافة الى وجود الجامعة التي يعتبر غيابها بالصويرة سبب رئيسي من أجله تنتقل العديد من الأسر لإتمام المسار الدراسي لأبنائهم .

وقد أشار أحد الموظفين بالجماعة الترابية للصويرة ان ارتفاع ثمن العقار بالمدينة راجع من الدرجة الأولى الى قلة الوعاء العقاري أي عدم وجود الأراضي للبناء ينشئ فوقها مجمعات سكنية ،ثم السبب الثاني وجود الحزام الأخضر بالمدينة الذي يحيط بها شريط غابوي .

وفيما يخص الإنتقال للعيش بمراكش، سببه وجود عروض متنوعة لإقتناء الشقق التي تندرج في إطار مشاريع السكن الإقتصادي، و إضافة الى ذلك تواجد الجامعات والأطباء وما الى غير ذلك من المرافق الحيوية المهمة وعامل المناخ أيضا كلها عاومل ساهمت في انتقال عدد كبير من ساكنة إقليم الصويرة، وقد سبق و تمت الإشارة إليه في الإحصاء العام لسنة 2014.

و أشار نفس الموظف في تصريحه، ان سبب إرتفاع السومة الكرائية هو إنتشار ظاهرة الكراء اليومي للشقق المفروشة بثمن يفضل معه مالك المنزل كراء شقته المفروشة بشكل موسمي لأن جل اصحاب المنازل يلجؤون للكراء الليلي عوض الشهري كون ان المدينة أصبحت تعرف بهذه الخاصية سياحة نهاية الأسبوع و سياحة المهرجانات و الصيف خصوصا شهر غشت.

و أوضح رئيس جمعية الرابطة المغربية لحقوق الإنسان فرع الصويرة في نفس السياق و بوجهة نظر مختلفة، ان المشكل لا يتجلى في عدم وجود الوعاء العقاري بقدر ما يتجلي في إنتشار ظاهرة الرهن و ظاهرة كراء الشقق المفروشة، الأمر الذي يجعل من السومة الكرائية ترتفع لأن هناك ملاكي الدور يغلقون منازلهم طيلة السنة و ينتظرون فرصة المهرجانات و الصيف لكرائها بالليلة.

وقد صرح لنا الفنان عبد الفتاح لوقيد أستاذ مادة الفنون التشكلية بالصويرة و فاعل جمعوي، ان من أسباب غلاء المعيشة بصفة عامة بمدينة الصويرة طول مدة إنجاز المساطير الإدارية و عدم تبسيطها للمستثمر الأمر الذي حال دون إنشاء تجزئات سكنية جديدة بالإضافة الى إنتشار المضاربون العقاريون، كما أشار لوقيد ان هناك انحصار المدينة بين البحر و الغابة حال دون استفادة الصويرة من مجمعات سكنية ، كما ان عدم توفر تصورات و استراتيجيات و حلول بديلة تلائم انتظارات الساكنة ساهم بشكل سلبي في ثعتر المشاريع المتعلقة بإنعاش العقار.

و أضاف لوقيد مركزا و مشيرا للنقص أو شبه انعدام للوعاء العقاري و قلة المبادرات المستقلة ( ان لم نقل انعدمت ) كطرح إيجاد مشروع و رؤية لحل مشكلة فقر الوعاء العقاري في مدينة الصويرة.

و من جهة أخرى ومحاولة منا لمعرفة مدى التأثير السلبي على بعض القطاعات الحيوية بسبب غلاء المعيشة بالصويرة، قمنا بإجراء حوار مع مسؤول إداري بإحدى المؤسسات السياحية المعروفة بتشغيل عدد لا بأس به من الأجراء داخل المدينة العتيقة للصويرة و أوضح لنا ما يلي :
الحقيقة عندما اردنا استثمار أموالنا بالمغرب ووقع اختيارنا على مدينة الصويرة كانت أولى الأسباب المحفزة هي تميز الصويرة بعدم غلاء أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية و عدم إرتفاع اثمنة الخضر و الفواكه بأسواق المدينة الأمر الذي شجعنا على استقطاب السياح المغاربة القادمين من مختلف المدن المغربية لمطعمنا بجعل قائمة المأكولات بأثمنة مناسبة و ملائمة للجميع بما فيهم القاطنون معنا بالمدينة ، الا الزيادة في بعض أسعار المواد الغذائية ، و غلاء الخضر و الفواكه سواء بالأسواق الممتازة او الأسواق الشعبية حتم علينا كل مرة إعادة قائمة أسعار المأكولات الأمر الذي قلل من زيارة المغاربة لمطعمنا كنموذج فقط ، في حين ان هذا الأمر يعاني منه أصحاب المطاعم الأخرى.

و في ما يتعلق بخصوص سؤالكم حول غلاء العقار اضن ان الطلب الكبير للأجانب الذين أصبحوا يفضلون الإستقرار بالصويرة ساهم في جعل ثمن العقار يرتفع مم أثر سلبا على الساكنة خصوصا ذري الدخل المحدود ،لأن كل من لديه عقار عبارة عن منزل او بقعة أرضية أصبح يفضل ان يقوم ببيعها لأجنبي بثمن مرتفع على ان يقوم ببيعا لأحد المغاربة ، وبما مجموعة من الأجناب المستثمرين يقبلون بشراء عقارات سكنية بأثمنة مرتفعة سواء داخل المدينة العتيقة او خارجها او بالإقليم جعل أسعار العقار ترتفع يوم بعد يوم.

و في نفس السياق ربطنا اتصال بأحد الموظفين بغرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة مراكش أسفي من أجل أن يدلي برأيه و الإشارة لبعض المؤشرات المرتبطة بالتنمية المحلية والاقتصادية للمدينة ،و قد أكد لنا ان الغرفة ممثلة بقوة في جميع المؤسسات الجهوية و تهمها مصلحة المدينة و مصلحة ساكنتها و تسعى مع الفاعلين الاقتصاديين لتقوية دورها في التنشيط الاقتصادي بالمدينة مع تطوير الدور التكويني للغرفة كفاعل مهم في مجالها و تخصصها ،و ذلك لتعزيز التعاون في ما بين الغرفة ومثيلاتها ليتم على الصعيدين الوطني والدولي التعزيز الدعم و تقديم الخدمات الموجهة للمقاولات والعمل على تطوير التواصل الفعال والدائم مع مختلف المنتسبين و الشركاء بجهة مراكش اسفي. و بما ان مدينة الصويرة تابعة لجهة مراكش أسفي يصعب علينا تحديد مؤشر يوضح بشكل دقيق معدل تطور المؤشرات الاقتصادية ، ولكن من خلال تقيم عام نستبشر خيرا ان المؤشرات الاقتصادية ترتفع بإرتفاع عدد الساكنة.

وعند اتصالنا بذوي الاختصاص في مجال بيع و شراء العقارات أوضح الأخ يوسف ان ثمن العقار بالصويرة في ارتفاع متزايد بسبب نذرة الأوعية العقارية لإستيعاب و خلق مناطق تعميرية جديدة، و ذكر ان مصالح المياه و الغابات تلح على عدم استخراج اراضيها من الملك الغابوي ،ولها ما يبرر ذلك و تستند الى التشريعات القانونية مرة ومرة أخرى بإعتبار تحويل ما تم استخراجه من ذي قبل الى اغراض غير تلك التي تم تحديدها وتحديدا خلق مناطق تعميرية للسكن الاقتصادي .

ثم يشير يوسف المستثمر في العقار ان سبب آخر في غلاء المعيشة و العقار يتجلى في شح العقار الذي يتمثل في التأخير الذي دام أكثر من اربع سنوات في اخراج تصميم التهيئات الى حيز الوجود ، و باعتبار ان هذه الوثيقة التعميرية من شأنها فتح المجال على مصراعيه لانشاء مناطق تعميرية على امتداد كل من دوار العرب و دوار الغزوة .

اما فيما يتعلق بالهجرة الى مدن أخرى أضاف يوسف ذلك يتمثل في عدة اسباب متداخلة فيما بينها كارتفاع اثمان العقار وعدم وجود فرص الشغل ونقص في الرواج التجاري و الاقتصادي عموما ثم غياب جامعة وغياب مصحات و اطباء متخصصين ونقص في الخدمات العمومية وتدهور البنيات التحتية او على الاقل في التجزءات الجديدة وغياب مركبات ثقافية و ترفيهية .

و في الختام عبر أحد التجار بالمدينة العتيقة للصويرة ان ارتفاع ثمن العقار أصبح ظاهرة منذ ان ألزموا الحزام الأخضر وذلك لأسباب نفعية لإغتناء مجموعة القطاعيين الذين استغلوا ساكنة استهلاكية أمية فقيرة كما اشار التاجر ان ارتفاع السومة الكرائية اسبابها المهمة عدم استغلال أراضي الحزام الاخضر وعدم وفرة المساحات كباقي المدن و كذا غياب مقاولات تنافسية لشركات البناء حيث يحتكر اشخاص معدودين البناء واستغلال ما تبقى من الأرض وادماج قرى لا تتوفر على شروط التحضر كالغزوة و غيرها واستحواذهم على ما تبقى من اراضي التقسيم الريعي الذي امتذ لأكثر من 25 عام لكل اراضي الصويرة.. وانتهت المدينة بأن اصبحت بدون وعاء عقاري لا للسكن او بناء مؤسسات… زيادة على ان الغابة اقامتها فرنسا ضد التصحر ولا داعي اليوم للبقاء على هذه الغابة بهذا الشكل بحزام بليد .

اما بخصوص انتقال الصويريون لمراكش يشير التاجر الى ان اغلب الساكنة تتجه لمراكش او اكادير لأن الصويرة لا تتوفر فيها شروط العيش… تعليم… صحة… بنية تحتية ثقافية رياضية… غياب فضاءات للأطفال و لصغر مساحتها والملل الذي يرافق كل من قطن بأحياءها.. ذهنية الساكنة السلبية والمتخلفة…. الإستغلال السهل وضياع الشريحة المستهذفة.. اطفال.. غلمان.. ومراهقين كلها أسباب شجعت الصويري على الرحيل.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد