كتب : الدكتور سعد ماء العينين
ويكرهون الورق الأبيض، والمداد، والأقلام بالوراثة …
وأول البنود في دستورها يقضي بأن تلغى غريزة الكلام في الإنسان …
(من قصيدة نزار قباني وعنوانها : تقرير سري جداً من بلاد قمعستان)
منذ الصغر تعلمنا كعرب، أن العرب اتفقوا الا يتفقوا، وربما كان المقصود من هذا الكلام، المسؤولين العرب الذين لم يسبق لهم أن اتفقوا على مشروع سياسي موحد، في أي موضوع يهم أمة العرب، وفي مقابل ذلك، اتفقت الشعوب العربية على مر التاريخ على موقف واحد وموحد من قضية فلسطين المحتلة، وما كان ولا زال يسيل دموع العرب …. كل العرب، هو رؤية مشهد طفل فلسطيني تحت ركام مبنى دمرته آلة الحرب الإسرائيلية، وما كان ولا زال يلقي الأمل في قلوب عموم العرب، هو تلك الشعلة المتقدة في أعين الفلسطينين المرابطين المتشبتين بأرضهم رغم الاحتلال، والقمع، والظلم، الذي يذيقهم إياه المعتدي !
المعتدي الأجنبي فهم المعادلة، وأصبح وجوده مرتبط بفناء أصحاب الارض، لأنه مقتنع تماما بأن أصحاب الحق، صبرهم طويل، وحقهم أصيل ولن يتنازلوا عنه مهما طال الأمد، لولا ما استجد منذ اتفاق “أسلو” من خلق سلطة فلسطينية “تسيير” نظريا أمور الشعب الفلسطيني في أفق تحقيق تسوية “مفترضة” بين الغازي المستعمر، وصاحب الأرض المظلوم !
منذ التوقيع على اتفاق “أسلو” بدأت المعادلة تتغير، وأصبح التحدي على الفلسطيني أكبر وأصبحت مهمة الإسرائيلي أسهل، فلقد ظهر في الوسط من تكلف بكسر شوكة المواطن المظلوم، و تحقيق بعض أهداف المحتل، فالسطلة العربية الفلسطينة لم تأتي استثناء في محيطها العربي، فقد تكلفت هي بظلم الشعب، والسيطرة على حرية الشعب ودوس كرامة الناس، فكأن احتلال الغريب لا يكفي لينضاف إليه احتلال القريب !
الناشط الفلسطيني المشهور “نزار بنات”، والذي كان معروف بمعارضته لتجاوزات المسؤولين الفلسطينين، واستعمالهم لسلطتهم بشطط، صاحب الصوت الصادح بالحق، اغتالته أيادي القريب، فأثناء اعتقاله من قبل الأمن الفلسطيني في مدينة الخليل بالضفة الغربية، استشهد الرجل وكل الشواهد تتحدث عن تعذيب أفضى الى وفاة الرجل !
وهنا يطرح السؤال، ألم يكن يكفي المواطن الفلسطيني ظلم المحتل، حتى ينضاف إليه ظلم السلطة “الوطنية” التي من المفترض أنها جاءت لحمايته، والاستجابة لمتطلباته، وتحقيق اهدافه، في الحرية، والعيش بكرامة في وطنه المسلوب ؟!
ام ان العرب، يفضل لهم أن يحكمهم الأجنبي، لربما يكون أرحم من حكوماتهم التي لا تفوت فرصة، إلا وتحاول ان تثبت لهم أنهم مجرد أنعام ترعى في زريبة الحاكم ؟!
مقتل الناشط “بنات” ليس الأول ولا الأخر في سلسلة القتل المادي والمعنوي التي تقوم به السلطة “الوطنية” الفلسطينية ضد كل من يعارضها، كما وأن الفلسطينين ليسوا استثناء في هذا الأمر، فأغلب الانظمة العربية لا تعتبر المواطن شريك فاعل في الوطن، بل مجرد كائن مفعول به والاستغناء عنه ليس بالأمر العسير …
وما أخشاه أن يتربى جيل من العرب يكفرون بكل ماهو جميل، حتى يصبح الانتماء أوالتمرد، والإخلاص أوالخيانة، وكل هذه المفاهيم المرتبطة بوجود وكيان الأمة، مجرد وجهة نظر …!