جنوب إفريقيا.. حكومة الوحدة الوطنية أمام أفق قاتم

تعمقت أزمة حكومة الوحدة الوطنية في جنوب إفريقيا، التي تشكلت عقب الانتخابات العامة الحاسمة في ماي الماضي، وانكشفت هشاشتها مرة أخرى الأسبوع الماضي عندما صادق النواب على ميزانية 2025-2026 بهامش ضئيل خلال تصويت مثير للجدل.

وعلى عكس كل التوقعات، وجد الحزبان الرئيسيان في الائتلاف الحاكم، وهما المؤتمر الوطني الإفريقي والتحالف الديمقراطي، نفسيهما على طرفي نقيض بشأن مقترح وزير المالية، إينوك غودونغوانا، لرفع الضريبة على القيمة المضافة قصد سد عجز هائل بقيمة 3 مليارات دولار. وقد فشلت المفاوضات التي انطلقت منذ عدة أسابيع في إنهاء حالة الجمود والتوصل إلى اتفاق بشأن الميزانية المتنازع بشأنها.

وأكد زعيم التحالف الديمقراطي جون ستينهويسن، في تصريح صحفي، أن حزبه عارض مقترح رفع الضريبة على القيمة المضافة بشدة، معتبرا أن الميزانية تكرس حلقة الفشل، مع ارتفاع مقلق للفقر والديون والفساد والبطالة.

غير أن مشروع القانون قد تم اعتماده في نهاية المطاف بفارق ضئيل، وذلك عقب الضغوط التي مارسها المؤتمر الوطني الإفريقي على تشكيلات سياسية لا تنتمي إلى الحكومة لمساعدته في إنقاذ الموقف.

وفي تطور مفاجئ، لجأ التحالف الديمقراطي إلى خطته البديلة بتقديم طعن أمام المحكمة العليا في كيب الغربية للاعتراض على اعتماد إطار ميزانية 2025-2026، محتجا بأن الطريقة التي تعاطى بها البرلمان مع الميزانية كانت “غير قانونية وغير دستورية”.

وحتى إذا كان الكثيرون يرون أن الميزانية قد تمت الموافقة عليها واعتمادها في نهاية المطاف، إلا أن العملية لم تنته بعد، وما يزال أمام النواب ثلاثون يوما لمواصلة مناقشة القضايا العالقة المرتبطة برفع الضريبة على القيمة المضافة بنقطة مئوية واحدة، مع وجود ضغط قوي لإلغائها بالكامل.

— توترات حادة داخل حكومة الائتلاف —

يواصل هذا الصراع الجديد بين المؤتمر الوطني الإفريقي والتحالف الديمقراطي إثارة مخاوف جدية بشأن مستقبل حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت على عجل بعد الاقتراع في 29 ماي الماضي. وعقب اعتماد مشروع الميزانية، ألمح المؤتمر الوطني الإفريقي إلى إمكانية إعادة تشكيل الحكومة. وقد صرح الرئيس سيريل رامافوزا، خلال اجتماع للمؤتمر الوطني الإفريقي، بأن التحالف الديمقراطي من خلال عدم دعمه للميزانية يخاطر بعزل نفسه عن الحكومة.

ذلك رأي يشترك فيه العديد من المحللين السياسيين، الذين يرون أن الحكومة بشكلها الحالي لن تصمد طويلا، وفق ما توحي به تصريحات الرئاسة اللاذعة. وقال المتحدث باسم الرئاسة، فنسنت ماغوينيا، مخاطبا المنتقدين إنه “لا يمكنك أن تكون جزءا من حكومة تعارض ميزانيتها”.

ويبقى السؤال الآن ما إذا كان التحالف الديمقراطي، الذي مثل المعارضة في جنوب إفريقيا لسنوات عديدة، سيغادر السلطة أم سيظل فيها. ويرى بعض أعضاء “الحزب الأزرق” أن الوقت قد حان لمغادرة حكومة الوحدة الوطنية، بحجة أن المؤتمر الوطني الإفريقي قد أضعفهم. ويرى آخرون أن الدعوى القضائية التي رفعها التحالف الديمقراطي تمثل نهاية العلاقة بين هذا الحزب والحكومة.

— مخاوف بشأن الاستقرار السياسي والاقتصادي — الأمر المؤكد هو أن التحالف الديمقراطي يواجه الآن خيارا صعبا، بغض النظر عن قراره: إما الانسحاب طواعية من الائتلاف الحكومي أو انتظار إجباره على ذلك.

وتعليقا على هذه التطورات السياسية الأخيرة، أكد المحلل فاستي رودت أن التوترات بين الحزبين الكبيرين في الحكومة تشكل مصدر قلق بشأن الاستقرار السياسي والاقتصادي في جنوب إفريقيا، محذرا من أن “عدم الاستقرار قد يشكل مشكلة لاقتصاد البلاد نظرا للديون المرتفعة التي يواجهها حاليا”.

وبالفعل، زعزعت الصعوبات التي اكتنفت اعتماد الميزانية الاستقرار المالي لجنوب إفريقيا وثقة المستثمرين، ووضعت حكومة الوحدة الوطنية على المحك. ووسط هذا المناخ المتدهور، كان شعور المستثمرين واضحا، حيث انخفضت قيمة العملة الوطنية “الراند” بنسبة تزيد عن 1,6 في المائة لتصل إلى 18,78 راند مقابل الدولار الأمريكي.

وينطبق الأمر نفسه على جيرفين نايدو، المحلل السياسي في مؤسسة “أكسفورد إيكونوميكس إفريقيا”، الذي لاحظ أن التصدعات داخل الائتلاف الحكومي تتسع بشكل متزايد. أما فيما يتعلق بالميزانية ذاتها، فهي لن تغير بشيئ يذكر من الآفاق الماكرو اقتصادية السيئة التي تعم البلاد.

المصدر ميديا : و م ع