جنوب إفريقيا: انتكاسة في الميزانية تنذر بأزمة سياسية

للمرة الأولى منذ نهاية نظام الميز العنصري في جنوب أفريقيا سنة 1994، يتم تأجيل عرض الميزانية بسبب عجز الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية على الاتفاق حول على عدد من النقاط.

وبينما كانت كل الأنظار متجهة نحو البرلمان، حيث كان من المقرر أن يقدم وزير المالية إينوك غودونغوانا أول مشروع ميزانية لحكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت بعد الانتخابات العامة في ماي الماضي، دعا الرئيس سيريل رامافوزا إلى اجتماع طارئ، عن بعد، مع القادة الآخرين في الائتلاف الحاكم قبل ساعات فقط من تقديم المشروع.

وأظهرت المناقشات التي تلت ذلك بوضوح أنه كان هناك أمل ضئيل في التوصل إلى توافق في الآراء بشأن الميزانية. وكان جوهر الخلاف هو قرار غودونغوانا زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 15 إلى 17 في المئة لجمع 3 مليارات دولار (حوالي 60 مليار راند) من المداخيل الإضافية في 2026/2025، بهدف سد فجوة التمويل وتجنب اللجوء إلى قروض جديدة.

وفي مواجهة انخفاض المداخيل الضريبية مع استمرار ضعف أداء اقتصاد جنوب إفريقيا، كان على الحكومة إيجاد طرق لتمويل أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية للسنة المقبلة. وكان من المتوقع أن تركز المناقشات في البرلمان على كيفية تخطيط السلطة التنفيذية لمعالجة القضايا الملحة مثل تدبير ديون البلاد المفرطة.

الا أنه خلال الاجتماع، صرح زعيم التحالف الديمقراطي الحاكم، جون ستاينهويسن، أمام رئيس الدولة أن فريقه لن يدعم زيادة الضرائب. وقال ستاينهويسن الذي يتولى قطاع الفلاحة إن “لا أحد يريد أن يخسر قاعدته الانتخابية، خاصة في الفترة التي تسبق الانتخابات المحلية لسنة 2026″، مشددا على أن مواطني جنوب إفريقيا بحاجة إلى المزيد من الوظائف، وليس إلى المزيد من الضرائب.

لم يكن التحالف الديمقراطي ،الحزب الوحيد الذي عارض زيادة الضرائب. فقد ألقى رئيس حزب “غود”، بريت هيرون، باللوم على وزارة الخزانة في هذا التخبط المالي لأنها “لم تتشاور مع الأحزاب في حكومة الوحدة الوطنية وتصرفت كما لو كان كل شيء يسير كالمعتاد”.

– جنوب أفريقيا في مواجهة نقطة تحول حرجة

يأتي هذا المأزق الذي جاء بعد أسابيع فقط من تهديد التحالف الديمقراطي بإعادة النظر في موقعه داخل حكومة الوحدة الوطنية، بعد أن وقع الرئيس على مشروع قانون مصادرة الأراضي الذي يطعن فيه الحزب الآن أمام المحكمة.

وقد أثار هذا الأمر ردود فعل قوية من الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمنظمات غير الحكومية والمحللين الاقتصاديين والسياسيين، الذين حذروا من أن جنوب أفريقيا وصلت إلى نقطة تحول حرجة.

وفي هذا الصدد ،حذر أندريه توماشوسن، الخبير في القانون الدولي بجامعة جنوب أفريقيا، من أنه “إذا لم يعد من الممكن الموافقة على الميزانية بسبب استمرار ارتفاع الإنفاق العام، فإن البلاد ستواجه انخفاضا آخر في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 20 في المئة، بعد الانخفاض الذي سجلته بالفعل منذ سنة 2000”.

بدوره سجل والدو كروغل، أستاذ الاقتصاد في جامعة نورث ويست، أن العملية التي أدت إلى هذه “الكارثة المالية” لن تؤدي إلا إلى زيادة الشكوك حول حكومة الوحدة الوطنية والتزامها بتنفيذ الإصلاحات اللازمة.

في السياق ذاته، أعربت راشيل بوكاسا، المديرة التنفيذية لمجموعة “بلاك ساش”، عن انزعاجها العميق إزاء الصراع السياسي داخل السلطة التنفيذية. وأشارت إلى أن تأجيل مراجعة الميزانية يكشف عن حالة كبيرة من عدم اليقين بشأن تخصيص الموارد لبرامج المساعدة الاجتماعية الأساسية.

وفي خضم هذه الأحداث، لجأت النقابات العمالية والحركات الاجتماعية الى تشكيل ما يعرف ب”التجمع الشعبي من أجل الميزانية”، مطالبين بالقطع مع التخفيضات في الميزانية وإجراءات التقشف. ودعوا إلى “إسقاط التقشف” أثناء مسيرتهم إلى البرلمان حيث قدموا مذكرة تطالب باتخاذ إجراءات فعالة لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي تجتاح جنوب إفريقيا حاليا.

وأشاروا إلى أنه بعد مرور أكثر من 30 سنة على اعتماد ميثاق الحرية، لا تزال جنوب إفريقيا تواجه “كارثة اجتماعية”، معتبرين أن البطالة المستشرية والجوع والركود الاقتصادي أصبحا واقعا يوميا يعيشه سكان جنوب أفريقيا.

و الواقع أن النزاع الداخلي بين أعضاء الحكومة الفتية، الذي أدى إلى تأجيل مناقشة ميزانية 2025، يبقى حدثا غير مسبوق في السياسة الجنوب إفريقية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد