جلالة السلطان “ماكرون الأول” …

كتب : الدكتور سعد ماء العينين

يحكى أنه في زمن مضى، كان هناك حاكم لمملكة فرنسا العظمى، ويسمى السلطان “ساركوزي الأول”، وبحسب مصادر تاريخية متطابقة، فقد حكم الرجل بلاده منذ سنة 2007 الى أواسط سنة 2012، قبل أن يطاح به من طرف الرجل الاشتراكي القوي آنذاك “فرانسوا هولاند”.


الحاكم “ساركوزي الأول” هذا، عندما اعتلى سدة الحكم في فرنسا، قام بجولة خارج بلاده، وكان من بين الدول التي زارها، دولة روسيا القيصرية لحاكمها “فلاديمير بوتين” وكان مما حدث بينهما بحسب الروايات التاريخية، أثناء لقاء جمع بينهما، أن توجه الحاكم الفرنسي “ساركوزي الأول” بالحديث والنقد “للقيصر بوتين” حول الأوضاع الداخلية في دولة روسيا، وما إن أنهى كلامه المتعالي المتعجرف، حتى انقض عليه القيصر “بوتين” بلغة حادة وتهديدية قائلا :


اسمع يا “ساركوزي الأول” هل انهيت كلامك ؟!
أنا ساوضح لك :
أنت ترى بلدك هكذا، وأشار بيده معبرا عن حجم فرنسا الصغير !
وبالمقابل بلدي هكذا، وقام بفتح يديه بشكل كبير معبرا عن مساحة روسيا الشاسعة !
وتابع القيصر كلامه قائلا :
إذن الأن هناك أمران :
الأول: هو ان تستمر على هذا المنوال، وسأسحقك حينها !
أو عليك التوقف عن الكلام هكذا، وسترى أنني أستطيع أن اجعلك ملكا على أوروبا !


من هذا الموقف أخذ “ساركوزي الأول” أول درس حقيقي في السياسة، وعلم أنه حاكم لبلاد صغيرة في هذا العالم الفسيح، وأن قدرته العظيمة التي يتخيل، لها حدود، وحدود جد ضيقة ..!
ومما يذكره التاريخ أيضا عن الرجل، أنه قام بمحاولة لبسط سلطانه على دول البحر الأبيض المتوسط، بخلق كيان أسماه (هو وبعض من شركائه في تأسيسه كالحاكم المصري المخلوع “محمد حسني مبارك”) بالاتحاد من أجل المتوسط، والذي ضم بلدان الاتحاد الأوروبي ال 28 و15 بلدا متوسطيا من شمال افريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق أوروبا !


هذا الكيان الذي أراد “ساركوزي الأول” ان يحقق من خلاله بعض أحلام العظمة التي تراوده، لازال قائما الى حدود الساعة، ولا إنجازات كبيرة له تذكر ، خصوصا ان منطقة البحر الأبيض المتوسط، هذه الأيام، تعيش أزمات واضطرابات وحروب غير مسبوقة !


“نيكولا ساركوزي الأول” كان له تصريح مثير عن الديانة الإسلامية، في اطار الاستعداد للرجوع للحكم سنة 2017، لضمان دعم الحشد الشعبي اليميني الفرنسي، حيث صرح بما يلي :


“فلنقلها بكل وضوح وبلا جدال، فرنسا اليوم لا مشكل لها مع الأديان، باستثناء دين واحد من بينها، وهو الدين الذي لم يقم المنتسبون اليه بما يجب للاندماج في المجتمع الفرنسي” !
وهو هنا يعني بطبيعة الحال، الدين الإسلامي !


وبالرغم من لعق أحذية اليمين في بلاده بالضرب في الإسلام والمسلمين، وبالرغم من محاولة توجيه انظار شعبه بعيدا عن المشاكل الداخلية، بالعمل على مشاريع وهمية وفاشلة للهيمنة على العالم الخارجي، لم يقبل الشعب الفرنسي استمراره في الحكم، وألقى بالسلطان المعظم “نيكولا ساركوزي الأول” إلى مزابل التاريخ، وهو هذه الأيام يتابع في قضايا جنائية، قد تزج به في السجن سنينا عددا !


وفي أيامنا هذه جاء لسدة الحكم في فرنسا، ملك شاب جديد لقب “بماكرون الأول”، شاب مليء بالحيوية، والطموح ظاهر في كل تصرفاته وكلامه، والرجل تقريبا يذكرنا بسلفه الذي تحدثنا عنه في الشطر الأول من هذا المقال، جلالة المعظم “ساركوزي الأول”، لدرجة أنك تحس أنه يمشي على خطوات سلفه، خطوة بخطوة، وتراه يقلد الكثير من تصرفاته وأفعاله بالتفصيل، كمحاولة الهروب من مشاكله الداخلية، وتحصين نفسه من محاولات لابسي السترات الصفراء من شعبه لعزله عن الحكم، بالتوجه صوب الخارج والانشغال بما لا يعينه، كمشاكل أوروبا، والبحر الأبيض المتوسط، والكوكب الأرضي أجمع، والكل تابع مؤخرا مناكفاته وسجالاته مع سلطان آخر من الشرق، الحاكم العثماني “الطيب أردوغان المعظم” ..!


“ماكرون الأول” هو أيضا كان له منذ أيام تصريح مثير يقول فيه :

“إن الإسلام دين يعيش أزمة في جميع مناطق العالم”

وبطبيعة الحال نحن لسنا بمرضى شوفينيين لننكر أننا كمسلمين نعيش أنواع الازمات على جميع الأصعدة، الدينية، والاقتصادية، والاجتماعية، وكذلك الأمنية !

ولكن أنا أيضا لست هنا اليوم للرد على كلام الرجل، الذي لا يعدو أن يكون أكثر من خطاب سياسي، موجه لليمين الفرنسي لحشد دعمهم ، خصوصا وأنه يعاني من انخفاض كبير في شعبيته، وأما المسلمين والإسلام، فيعلم الرجل ان لا قدرة له على تغيير واقعهم ولا يملك أدنى تأثير على مصيرهم !

وبالمقابل، ما نعلم نحن من التاريخ يقينا، أن مثل ماكرون هذا من الحكام الفرنسيين، الذين يتوهمون أنهم أصبحوا سلاطينا وملوكا متوجين، وأنهم مخلدين فوق الكراسي إلى الأبد، سرعان ما يفاجئهم الشعب الفرنسي (الذي يكره الحكام الفاشلين والمتعجرفين) بركلة قوية، تلقي بهم خارج أسوار قصر الحكم في فرنسا، وفي أحسن الأحوال سيجدون أنفسهم بين أحضان زوجاتهم يواسونهم ويخففون أحزانهم !

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد