لا أحد يختلف في أن لعبة كرة القدم هي الرياضة الشعبية الأولى في العالم، إلا أن هذه الرياضة في السنوات الأخيرة شهدت تطورا كبيرا جدا وأصبحت تدار بواسطة الآلات أكثر من أقدام اللاعبين على أرضية الميدان، ما جعلها تفقد بعضا من بريقها، ورونقها، وربما شعبيتها في بعض الأحيان.
منذ أن اعتمد الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” تقنية الفيديو “Video Assistant Referee” المعروفة اختصارا ب “VAR”، اعتقد الجميع أن الأخطاء التحكيمية ستقل لأن التقنية لا تخطئ أبدا و ستعيد كرة القدم أكثر عدلا من السابق بفضل التكنولوجيا، فلن يتم بفضلها احتساب هدف غير شرعي سيتسبب للفريق المنافس الضرر ويكلفه الإقصاء أو فقدان نقاط المباراة، أو لاعب لا تطبق في حقه العقوبة الانضباطية بعد اعتداء مرتكب خلف ظهر الحكم أو احتساب ضربة جزاء غير صحيحة أو عدم احتسابها إن وجدت وغيرها من الحالات الأخرى.
في نهائيات كأس العالم روسيا 2018، كل المنتخبات المشاركة فيها دخلت البطولة الأكبر في العالم وفي مخيلتها أن التكنولوجيا الجديدة ستكون هي الحكم والفيصل في الحالات المشكوك فيها وستحقق العدالة التي غابت في بعض الأحيان وحرمت شعوبا من الفرحة ومنحت شعوبا أخرى فرحة غير مستحقة، وستحسم الجدل حول الأخطاء التحكيمية التي حدثت في نهائيات المونديال السابقة وغيرها من البطولات الكبرى في عالم المستديرة.
المعروف أن تقنية الـ “VAR” تستخدم في أربع حالات فقط هي: الأهداف، ضربات الجزاء، البطاقات الحمراء، وفي حال أخطأ الحكم في تحديد هوية اللاعب الذي ارتكب الخطأ، ويتكون طاقم حكام الـ “VAR” من حكم مساعد لتقنية الفيديو وثلاثة مساعدين، وهو يراجع جميع القرارات التحكيمية التي لها علاقة بالحالات الأربع ويقدم النصيحة للحكم الرئيسي في أي وقت من المباراة عن طريق سماعة الأذن، كما أن الحكم يمكن أن يطلب الاستعانة بالتقنية في حال لم يكن متأكدا من أي قرار اتخذه، إلا أن المتابع للمونديال الروسي يلاحظ أن تقنية الـ “VAR” أثارت الجدل بصورة كبيرة، خاصة في مبارتي المنتخب المغربي ضد كل من البرتغال وإسبانيا، واللتان غاب فيهما استخدام هذه التقنية لصالح المنتخب المغربي في الحالات الأربع المذكورة التي كانت تستوجب التدخل لإعطاء كل ذي حق حقه، هذا الحيف أبان عن حالات من الفوضى والتخبط والعبث والانحياز في استخدام الـ “VAR” جعل الجميع يتسائل: متى يمكن استخدام تقنية الـ”VAR” في غير الحالات الأربع المعروفة؟ وضد من تستخدم؟ وهل هناك قواعد خاصة يتبعها الحكام في هذا الشأن؟ أم أن استخدام هذه التقنية الجديدة يأتي وفق الأمزجة فقط؟
مبارتا المغرب ضد البرتغال وإسبانيا، أبانت للعالم أجمع أنه ليست هناك آلية واضحة لاستخدام تقنية الـ “VAR” بالطريقة الأمثل، لأن قرار رجوع الحكم للتقنية التي أتت لتقر الإنصاف مازال يخضع لتقدير حامل الصافرة وميولاته الشخصية أو ربما لضغوط خارجية أخرى، فعندما يلمس المدافع جيرارد بيكيه الكرة بيده داخل مربع العلميات، ويسقط خالد بوطيب في منطقة الجزاء من طرف المدافع بيبي مثلا، يتجاهلها الحكم لكنها عندما يسجل هدف عليك من كرة ركنية منفذة من غير مكانها مع إشارة الحكم بيده للمكان الصحيح لها، هنا ينبغي أن نعود إلى التقنية للتأكد من الحالة رغم أنها مؤكدة دون رجوع لأحد.
لقد أسهمت تقنية الـ “VAR” التي أحدثت من أجل إنصاف جميع المنتخبات في المونديال، في إقصاء المنتخب المغربي وحرمانه بشكل واضح أمام أنظار العالم من المرور إلى دور 16، لا حكام الساحة ولا المتواجدون في غرفة الفيديو رفضوا إنصاف المغرب مكتفين بالتفرج فقط، تقنية الفيديو كانت لها رأي آخر و بظلمها حرمت الأسود من ركلتي جزاء واضحتين في مباراة البرتغال و إسبانيا ومنحت أصدقاء سيرجيو راموس التأهل لثاني الأدوار من هدف يمكن اعتباره الأغرب في تاريخ كرة القدم جعل الصحافة الإسبانية تمدح هذه التقنية الظالمة والجائرة بقولها: الـ “VAR” تؤهلنا لثمن المونديال و الـ “VAR” رجل مباراة الأسود ولاروخا”، رغم أن الذي حدث يؤكد أن التقنية الجديدة لا يمكن أن تحل مشاكل التحكيم، بل يمكن أن تكون مصدرا لدهس العدالة وليس لإقرارها.
جل المتابعين للمونديال الروسي لاحظوا استخدام تقنية الـ “VAR” لصالح المنتخبات الكبيرة مثل إسبانيا وفرنسا وتستخدم ضد المنتخبات الأخرى لغاية في نفس يعقوب، لتقر أنه ليست هناك ضوابط وآليات تضبط هذا الاستخدام، ليبقى الضابط والمعيار الوحيد المتحكم لحد الآن هو كلما كان المنتخب كبيرا مدججا بالنجوم كلما تضاعفت فرصه في استخدام تقنية “الهراء” لصالحه كما قال عنها النجم المغربي نورالدين أمرابط، على العكس تماما كلما كان المنتخب عربيا أو إفريقيا أو من دول قليلة المشاركة في نهائيات كأس العالم أو في البطولات الكروية الكبرى كلما قلت فرصه في الحصول على استخدام الـ “VAR” حسب الحالات التي استخدمت فيها هذه التقنية لحد الآن.
ما يمكن استخلاصه من هذه الحالات التي تسببت في خروج ظالم وغير عادل للمنتخب المغربي من نهائيات مونديال روسيا، أن تقنية الـ “VAR” لصالح الكبار وليس من حق الصغار أن تستخدم لصالحهم، لأن الكبار يصنعونها ويسخرونها لأنفسهم ومصالحهم في تكريس لنظرية البقاء للأقوى بصيغة جديدة، ويروج كبار مسؤولي الاتحاد الدولي لكرة القدم أن الديمقراطية والعدالة بين الجميع هو هدفها ليظهر بعد ذلك الواقع أن كأس العالم من نصيب الكبار، وليس للصغار إلا الجدل القائم الذي يزول بسرعة.