نظم مركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط ندوة علمية احتفاء باليوم العالمي للغة العربية يوم الخميس 17/12/2016. وقد استهلت الندوة بجلسة افتتاحية تخللتها مجموعة كلمات لكل من مدير مركز تكوين المفتشين السيد محمد أمطاط ،أوضح فيها أن الرقمنة ليست كلها خيرا عميما، بل عن لها مثالب و سلبيات على لغتنا العربية؛ منها ما أصبح يعرف بـ”العرنسية أو العرنسيزية”، وهي هجنة ما بعدها هجنة. كما ألمع في كلمته إلى أنه لا يجب النظر إلى اللغة العربية بحسبانها تراثا محنطا وحسب.
أما كلمة مدير المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم إيسيسكو، والتي ألقاها الأستاذ يوسف أبو دقة نيابة عن مديرها السيد عبد العزيز بن عثمان التويجري، فانصرفت إلى تعداد شراكات المنظمة، وجهودها -التي ما انفكت تباشرها- في خدمة العربية والنهوض بها، بالنسبة للمتكلمين بها، وكذا بالنسبة للناطقين بغيرها لمدة تزيد عن الثلاثين سنة.
وسلط مدير مكتب تنسيق التعريب الأستاذ عبد الفتاح الحجمري الضوء على جهود المكتب وهي كثيرة معتبرة؛ منها إصدار مجموعة معاجم ثلاثية اللغات (العربية، الفرنسية، الانجليزية).
وفيما يتصل بكلمة وزارة التربية الوطنية، فقد ركز مدير المناهج السيد فؤاد شفيقي على جهود الوزارة الحثيثة التي تحاول من خلالها تعميم التجهيزات الرقمية على المؤسسات التعليمية. وإصرارها على الانخراط في مشروع تحدي القراءة.
وأومأ السيد المدير إلى أن الوزارة رصدت اختلالات جمة تشوب أداءات التلاميذ اللغوية ،في الابتدائي ،والإعدادي ،والثانوي التأهيلي ،والمتمثلة في استمرار التهجي و عسر فك شفرات الجمل و الخطابات في هذه المستويات وحتى في أخرى متقدمة.
و ركزت كلمة الائتلاف الوطني لحماية اللغة العربية ،التي ألقاها الأستاذ محمد بنلحسن ،نيابة عن السيد فؤاد بوعلي،على إسهام الائتلاف بوصفه جمعية مدنية وطنية في النهوض باللغة العربية ،وألمح في كلمته إلى أن هناك حربا معلنة على العربية ،تحت يافطات و دعاوى متهافتة ؛منها :زعم مواكبة العصر ،وزعم الحداثة.
أما الأستاذ الدكتور موسى الشامي رئيس جمعية حماية اللغة العربية فقد أوضح في كلمته أن اللغة العربية بخير ،وأنها متقدمة رغم بعض العثرات ،وهي أكبر من أن تقبل بالإعانات و المنح المشبوهة و المشروطة.و ختم كلمته بالقول إن انتشار العربية و عافيتها مرهونان بالإرادة و القرار السياسيين.
و اختتمت الكلمات الافتتاحية بكلمة اللجنة المنظمة التي القتها الأستاذة القديرة و المكونة بمركز تكوين المفتشين الدكتورة فاطمة حسيني ،وقد وضحت فيها أن العربية هي سادس لغة في الامم المتحدة ،وأنها ستحافظ على كيانها مستقبلا ،بالنظر إلى متانتها وفرادة نظام تركيبها و اشتقاقها و اتساع رقعة استعمالها.وأكدت الأستاذة فاطمة حسيني أن الرقمنة غدت واقعا مفروضا في التدريس بجميع أبعاده و امتداداته ،لكن مع ذلك يجب الحفاظ على خواص اللغة اللغة العربية و كيانها.
و اعقبت الجلسة الافتتاحية جلسة علمية شارك فيها مجموعة من الباحثين بمجموعة مداخلات هذه ملخصاتها أدناه:
الدكتور محمد لهلال (كلية الآداب – المحمدية)
اللغة العربية بين الرقمنة و المعرفية
أشار الباحث في مداخلته إلى أن الموضوع تنوول من زوايا معرفية كثيرة ،لكن الإشكال الذي يطرح نفسه ،بنظره ،هو :اين تبتدئ الرقمنة و اين تنتهي؟و اين تبتدئ المعرفية و اين تنتهي؟.و خلص إلى أن العارف الحق هو الذي يعرف الخارج منطلقا من داخله.
كما أومأ الباحث إلى أن العلوم المعرفية “cognitives sciences” كعلم النفس العصبي ،والنانوتكنولوجي،و المعرفية التداولية و غيرها من العلوم…يجب أن تكون البعد الجديد في الرقمنة وليس المعرفة “knowledge”فقط.
و أشار محمد لهلال إلى إشكال الاختلافات المصطلحية بين الأقطار العربية ،الشيء الذي يجعل الرقمنة ضرورية في أفق ما سماه “تقييس و توحيد المصطلحات العربية”،و تحقيق المخطوطات العربية ،ووضع انطولوجيات العلةم العربية الإسلامية ،وهذا لن يتأتى إلا بما سماه الباحث تكامل العلوم / المقاربة التشاركية.
الدكتور حسن بدوح (الكلية المتعددة التخصصات – خريبكة)
اللغة العربية و تحديات الثورة الرقمية
استهل الباحث مداخلته بقولة عبد القادر الفاسي الفهري :”إذا فسدت اللغة فسد الفكر ،و إذا فسد الفكر ،بطل العمل ،و إذا بطل العمل فسد الاقتصاد” ،ليخلص بعد ذلك إلى أن اللغة تحوز وضعا اعتباريا في مجتمع المعلومات ،لكن تحديات كثيرة كبيرة تواجه انخراط العربية في الرقمنة أجملها في :
• أزمة التعليم في الأوطان العربية
• عدم توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في الأوساط التربوية
• ضعف حركة الترجمة في الوطن العربي من اللغات الأجنبية إلى العربية
• عدم تعريب العلوم
الدكتور محمد بنلحسن (المركز الجهوي لمهن التربية و التكوين – فاس مكناس)
المحتوى الرقمي العربي على الشابكة :استقراء الكم و الكيف
و قد اشار في مداخلته إلى المحتوى الرقمي باعتباره كل “ماهو مكتوب في الفضاء الرقمي بالعربية ،سواء كان داخل الأقطار العربية أو كان خارجها ،وفي الواجهات المعربة للبرمجيات و محركات البحث”.و رصد المتدخل في إحصائيات و أرقام حجم وجود الدول العربية على صفحات الشبكة العنكبوتية ،والذي تتصدر قائمته المملكة العربية السعودية ومصر ،وتتذيلها جزر القمر.كما بين بالأرقام اللغات العشر الأولى بحسب مستخدميها على النت ،وانتهى في عرضه إلى جملة اقتراحات لتطويى محتوى الرقمية العربية منها:
• إنشاء برمجيات للغة العربية
• إنشاء برمجيات لنظام نطق النصوص العربية المكتوبة
• إنشاء برمجيات تعنى بشكل اللغة العربية و بالبحث بها.
الدكتور عبد الفتاح شهيد(جامعة الحسن الأول-سطات خريبكة)
القصيدة العربية و أفق الرقمية
عرض الباحث في مداخلته إلى أن النقد العربي متقدم كثيرا في المجال الرقمي على الإبداع ،وذهب إلى أن ذلك معزو إلى مجموعة من الأوهام هي :
• وهم السبق و الريادة ،ومثل له بتجربة الشاعر العراقي عباس معن والروائي الأردني محمد سنجلة ،إذ يزعم كل منهما أنه رائد القصيدة العربية الرقمية ،لكن المشكل بنظر الباحث عبد الفتاح شهيد أنه إذا لم تكن بعد الريادة زيادة فلا معنى لريادتك.
• وهم الفوضى المفهومية :و يعني بها الباحث استغراق الدارسين للقصيدة الرقمية في التأصيلات و التحديدات المفهومية ،مقابل شح و فقر مهول في الجوانب التطبيقية.
• وهم الجماهير ومفاده أن الرقمية تفتح الباب مشرعا أمام الإبداع ليتلقى من قبل جمهور واسع .و هذا ليس محمودا بنظر المتدخل على الأقل في البدايات لأن الإبداع يجب أن يكون نخبويا لبعض الوقت قبل أن يصير جماهيريا.
• وهم النقد الجديد المنبت الصلة بالنظريات النقدية المعروفة.
و خلص الباحث إلى أن الرهان في الرقمنة يجب أن يحكمه توجيهان اثنان ؛أولهما الاستفادة من الجانب الجمالي المفعم بالأخلاق كما تحدث عنه غادامير من غير ما تماه ،طبعا ،مع البعد التقني.وثانيهما هو ضرورة لجم التقنية في علاقتها بالشعري على الأقل ،وعدم تجريد الجمال حتى لا يغترب و يضيع ،ويغدو المبدع كمن يستحم في بيت من زجاج على حد تعبير عبد الله الغذامي.
الدكتور عزيز عشعاش (مركز تكوين مفتشي التعليم –الرباط)
اللغة العربية و الفجوة الرقمية
استهل الباحث مداخلته بمجموعة أقوال مأثورة ؛كقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه “تعلموا العربية فإنها تثبت العقل “،وقولة البيروني “لأن أهجى بالعربية خير لي من أن أمدح باللغات الأخرى” ،ليصل إلى أن العربية تتسم بميسم المرونة و ارتباطها بالاستخدام الإلهي المطلق لها في القرآن الكريم بحسبانه كتابا مركزيا في الحضارة العربية الإسلامية،وقدرتها على توحيد العرب ،بعد أن كانوا طرائق قددا.
كما أشار الباحث إلى أن قوة اللغة العربية مرهونة بقوة متكلميها ،وقوة اقتصادياتهم ،وأن الاهتمام بها مسؤولية فردية وجماعية في الآن نفسه.و انتهى إلى جملة اقتراحات كفيلة ،بنظره ،برأب الصدوع و ردم الفجوات الحاصلة نقصر نظرنا منها على بعضها أسفله بإيجاز:
• ضرورة تهييئ العربية لعصر الرقمنة عن طريق إعداد برامج الإعراب و الصرف و الشكل الآلي.
• تكريس التعليم بالعربية بما يجنب الأمة خطر الاستلحاق و التبعية المدمرة.
• بناء إرادة سياسية عربية لخدمة اللغة العربية رقميا.
و بعد فترة المناقشة التي تفاعل فيها الحضور مع مداخلات الباحثين، تم اختتام الندوة بتوزيع شهادات تقديرية على المشاركين.
ذ.فضيل ناصري
مركز تكوين مفتشي التعليم – الرباط