زواج الطفلات في المغرب : الكابوس المستمر

نفض المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الغبار عن واقع زواج القاصرات بالمغرب، مستخدما خلال تقريره السنوي حول هذا الموضوع مصطلحا توصيفيا دقيقا من خلال عنوان تساؤلي ” ما العمل أمام استمرار تزويج الطفلات بالمغرب ؟، اذ اسقط المجلس ” كلمة قاصر ” واستبدلها بالطفلات لإيصال مدى قساوة الفعل .

ذلك ان الإحصائيات الرسمية بالمغرب تشير إلى أن عدد زيجات القصر أو الطفلات تجاوزت 25 ألف حالة سنة 2018 وهو ما يمثل 9.13% من مجموع عقود الزواج المبرمة خلال نفس السنة.

هذا التقرير يعود بنا الى واقعة هزت الرأي العام المغربي عام 2012، حيث سجل انتحار قاصرة بعد تزويجها من مغتصبها، مما شكل حالة سخط عارمة لدى الرأي العام المغربي، هذه الجريمة حركة دواليب الزمن بالبرلمان المغربي للاسراع بالمصادقة سنة 2014 على إلغاء المادة 475 من القانون الجنائي ، هذه الأخيرة التي كان يجيز فيها المشرع في وقت سابق لمركتب الجريمة من الحق في الافلات من عقوبة الاغتصاب في حالة الزواج بالضحية ، وهو الامر الممكن من خلال المادة 20 من مدونة الأسرة.

زواج الطفلات بالمغرب: احصائيات مخيفة

مع تنامي ظاهرة زواج القاصرات وتوالي التقارير الوطنية والدولية التي تدق ناقوس خطر تفشي الظاهرة وما لها من تبعات سلبية على التنمية، تقدمت كل جمعية ” سمسم مشاركة مواطينة ” وجمعية ” صوت المرأة الامازيغية ” بمقترح قانون جديد يرمي الى تغيير وتتميم مدونة الأسرة ، وذلك في اطار حملة ترافعية لمواجهة ظاهرة زواج القاصرات .

الجمعيتنا المبادرتان تقر بفشل المقاربات التحسيسية للحد من الظاهرة، لهذا بات من المستعجل أن يوقف التدخل التشريعي هذا النزيف من خلال نصوص قانونية واضحة تعيد التوازن الى مؤسسة الزواج.

في هذا السياق أكد تقرير للمجلس الاقتصادي وبيئي اعتمد على احصائية لوزارة العدل لسنة 2018 حول طلبات زواج الطفلات، فقد كشفت الوزارة العدل بان تم تسجيل 32.104 من طلبت الزواج سنة 2018، مقابل 30.312 طلبا في 2016، وخلال الفترة مابين 2011 و 2018 حصلت 85 في المائة من طلبات الزواج على الترخيص وتشكل الفتيات 94.8 في المائة من مجموع المعنيين بزواج القاصر ( 45.786) كما ان 99 في المائة من طلبات الزواج كانت قد همت الفتيات خلال الفترة 2007 – 2018.

من جانبها أكد دراسة لجمعية صوت المرأة الأمازيغية، حول “تزويج الطفلات” أن السعي لتجاوز فراغ تشريعي يدفع عددا من القضاة إلى إصدار مقررات الإذن بـ ”تزويج الطفلات” رغبة في حمايتهن قانونيا من “زواج الفاتحة” الذي لا يضمن لهن أي حقوق.

في هذا السياق علق الدكتور العربي ايعيش في تصريح للمصدر ميديا مؤكدا أنه “يمكن أن نجد في ارتفاع ظاهرة زواج الطفلات عدة تفسيرات، وعدة مداخل، فلماذا نجد ارتفاعا مضطردا للطلب على زواج الطفلات أقل من 18 سنة في المغرب؟ فحسب المؤشرات الكمية لوزارة العدل، والتي تبين المنحى التصاعدي لهذه الظاهرة ، لابد من الإشارة أولا إلى وجود نزعة نحو عودة الزواج المبكر في صفوف الشباب المغربي، والذي يؤثر بشكل مباشر على نسبة زواج القاصرات، وذلك لكون الشاب الذكر في العرف المغربي يجب أن يتزوج بفتاة أصغر منه، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على القاصرات خاصة في الأوساط الهشة، التي ترتفع فيها الأمية والفقر، ما يجعل زواج فتاة في سن التمدرس غاية للعديد من الأسر”.

أسباب تزايد ظاهرة تزويج الطفلات 

رغم الجهود التحسيسية المبذولة من اجل توعية بمدى خطورة زواج القاصرات بالمغرب، تظل الظاهرة في تنامي مستمر وهو ما يعد معيق لعجلة التنمية، ترجأ الكثير من الآراء الأسباب وراء زواج الطفلات بالمغرب الى تفشي الفقر والحاجة فتظطر الأسر الى تزويج طفلاتهم من أجل انتشالهن من براتين الفقر وتوفير أمن أكثر، كما يكون الزواج أحيانا بدافع صون شرف الأسرة والمجتمع وتوفير وسيلة مراقبة جنسية للفتيات مخافة وقوعهن في الحمل خارج مؤسسة الزواج، كما قد يتم الزواج بسبب تحالفات قبلية وعائلية أو من أـجل امنحافظة على الممتلكات العائلية أو الزيادة فيها .

اعتبر ايعيش بانه من بين أسباب تزايد زواج الطفلات هو ما يتعلق بالتشريع قائلا “هناك ما يمكن أن نسميه بعيوب التشريع، وأخص بالذكر المادة 16 من مدونة الأسرة، والتي تتيح إمكانية إثبات الزواج الذي وقع وتعذر توثيقه في حينه، وفي الغالب يتم هذا الأمر عندما يرفض القاضي منح القاصر حق الزواح، فإن العديدين يلجأون إلى حيلة أخرى، وهي القيام بالزواج دون عقد، ثم الذهاب إلى القضاء لرفع دعوى الزوجية وتوثيق عقد الزواج، خاصة في حالة وجود أبناء، هذه المادة التي لم يطالها أي تعديل لحد الآن، مع العلم أن القانون الذي دخل حيز النفاذ سنة 2004 أعطى مهلة خمس سنوات لتوقيف العمل بهذا المقتضى. لكن عمليا ومنذ ذلك الوقت يتم تمديد العمل بهذه المادة، والتي من نتائجها ارتفاع زواج القاصرات.

توصيات حول زواج الطفلات

أسس المجلس رأيه حول موضوع زواج الطفلات بالمغرب على اطار مرجعي ينسجم مع الدستور والاتفاقيات الدولية ، مؤكدا في طرحه على ضرورة العمل على ادراج هذه الاشكالية في اطار الدينامية السوسيو- اقتصادية والسياسية لبلادنا، وطموحها المتمثل في تنزيل النموذج التنموي الجديد .

اعتماد عبارة ” تزويج الاطفال ” بدلا من زواج القاصرات أو الزواج المبكر، من أجل رفع كل أشكال الغموض المتصلة بالتأويلات والتصورات الفردية حول تحديد من هو الطفل، لأن القانون المغربي واضح في هذا الصدد ، حيث يعتبر أن الطفل المغربي هو كل شخص، أنثى أو ذكر، دون سن 18 ، وبالتالي فهو قاصر بموجب القانون.

تسريع المسلسل الذي بدأ بالفعل والمتعلق بالقضاء على تزويج الاطفال، والطفلات خاصة، وذلك لصالح التنمية السوسيو-اقتصادية للبلاد.
تشجيع النقاش العمومي وتطوير التفكير الجماعي المتعلق بمجموعة من ” القضايا الاجتماعية والثقافية ” المتصلة بالزواج، والحياة الجنسية، وتجريم العلاقات الرضائية خارج الزواج وحوال الاجهاض والاغتصاب والاعتداء الجنسي، وغيرها ، وذلك قصد التعريف بالقوانين وبالافكار التي تنطوي عليها.

اعتماد استراتيجية شمولية تهدف، في المستقبل المنظور، الى القضاء على الممارسة المتعلقة بتزويج الأطفال ( الشرعي وغير الموثق ) .
في ذات السياق تهدف مذكرة مقترح القانون الذي تقدمت به كل من جمعية ” سمسم مشاركة مواطنة ” وجمعية ” صوت المرأة الامازيغية ” الذي التدقيق في مفهوم الزواج، مع التأكيد على أن الزواج هو ميثاق تراض بين رجل وامرأة يتمتعان بالأهلية، مما يفرض حظر زواج القاصرات لانتفاء عنصر الرضا في هذا الزواج.

كما طالبت المذكرة بحذف الاستثناء الذي يشرع لزواج القاصرات بعدما أثبتت الممارسة تحوله إلى قاعدة، حيث بلغت نسبة الاستجابة لطلبات الإذن بتزويج القاصرات ما يناهز الـ 90%؛حذف الاستثناء الذي يجيز إثبات الزواج العرفي عن طريق حكم قضائي بعدما ثبت أن الواقع أفرز استغلال المادة 16 من مدونة الأسرة للتحايل على زواج القاصرات.

من جانب آخر، أوضح الدكتور العربي ايعيش أنه لتفادي تنامي هذه الظاهرة، لابد من تقليص السلطة التقديرية للقاضي، وسد باب إثبات الزواج من خلال التحايل على القانون، وضرورة اقتصار المادة 16 في الإثبات على العلاقات الزوجية التي تمت قبل تفعيل المدونة، مع إمكانية لإضافة استثناءات ضئيلة تعطي القيمة الحقيقية لمفهوم الأسباب القاهرة المنصوص عليها في نفس المادة، مؤكدا “على العموم تبقى هذه التعديلات مجرد فرضيات تتطلب أبحاثا معمقة في حقل الدراسات السوسيولوجية والثقافية”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد