تحقيق: الطلاق العاطفي..موت غير معلن للحياة الزوجية

الطلاق العاطفي من أسوأ الأمور التي تعترض خط سير الحياة الزوجية، فالزوجان يعيشان تحت سقف واحد دون أي مشاعر متبادلة بينهما ويكون رابطهما الوحيد للاستمرار هو الخوف على مستقبل أطفالهم بعد الإنفصال الرسمي، باختصار هو زواج منتهي الصلاحية. فما هي أسباب الطلاق العاطفي؟ وما هو تأثيره على الحياة الزوجية؟ أسئلة وغيرها نجيب عنها في التحقيق التالي.

أب ناجح وزوج فاشل

تقول سلمى وهي أم لثلاثة أطفال “تزوجنا بعد قصة حب كبيرة دامت لأزيد من سبع سنوات، وكثيرا ما اعتقدت أن علاقتنا ستكون مرجعا عاطفيا ومثاليا لكل الزيجات، لكن بعد إنجابي لطفلي الثالث تغيرت حياتي رأسا على عقب، فزوجي أصبح إنسانا بارد المشاعر وغير مبال ويبحث عن متعته خارج المنزل وكلما أفتح معه حوارا لإصلاح علاقتنا ينتهي بشجار كبير يتخذه كحجة للغياب عن المنزل لأيام.” تضيف “فكرت مع نفسي كثيرا ورأيت أن زوجي أب ناجح ولكن زوج فاشل، ومن أجل أبنائي استمريت في هذا الزواج على حساب مشاعري وعقدت معه اتفاقية أن يمارس كل منا حياته بحرية مستقلا عن الآخر، وأن تكون همزة الوصل الوحيدة بيننا هي أولادنا، وهكذا انقطعت كل حبال الحب والود بيننا وأصبحنا غرباء عن بعض رغم عيشنا تحت سقف واحد، مفضلين الشكل الاجتماعي الزائف”.

لا أنا مطلقة ولا أنا متزوجة

أما سعاد فتقول ” عائلتي محافظة زوجتني زواجا تقليديا أثمر عن ولدين وبنت، ورغم مرور على زواجي أكثر من أربعة عشر سنة إلا أنني لم ولن أحبه فهو قتل كل أحلامي وطموحاتي ودمرني عاطفيا ونفسيا وجعلني أعيش حياة غير ثابتة فلا أنا مطلقة ولا أنا متزوجة، فقط مضطرة على تحمل تعنته وعناده وظلمه والتغاضي عن سعيه الدائم لتحقيق متعته الخاصة بعيدا عني..فما عساي أفعل غير أنني مجبرة على العيش بهذه الحالة وتحمل تبعات زواج فاشل ورفض الانفصال النهائي حتى لو أن زوجي إنسانا جاحدا بلا أخلاق فأنا أخاف من ردة فعل أهلي وعدم مساندتهم لي وأيضا من نظرة المجتمع التي لا ترحم المرأة المطلقة”.

عزائي الوحيد ولداي وإلا الطلاق أرحم

في حين يقول أحمد ” حياتي قبل الانفصال عن زوجتي كانت عبارة عن مسلسل نكد يومي وهذا ما أجبرني على اتخاد قرار الطلاق لضمان بيئة سليمة لتربية ولدينا بشكل جيد بعيدا عن الأجواء المتوترة التي كانا يعيشانها، لكن بعد طلاقنا الذي لم يتجاوز السنة لاحظت أن نفسية ولداي تأزمت واهتزت ثقتهما بأنفسهما وبمحيطهما العائلي وأصبحا مشتثين أكثر بينا، للأسف ذاقوا مرارة العيش مع أبوين منفصلين”. يضيف ” خوفي على أبنائي جعلني أقرر الرجوع إلى زوجتي وتقبلها كما هي وتفضيل العيش معها بمشاعر جافة، فقط كل يقوم بواجباته من مأكل ومشرب ومسؤولية الأولاد وعزائي الوحيد هما ولداي فلولاهما لكان الطلاق أرحم من هذا الزواج الجاف الخالي من المشاعر والألفة”.

دكتور منتصر علام: للطلاق العاطفي أثار سلبية تصيب أطراف العلاقة الزوجية من زوجين وأبناء

لتفادي وصول الأزواج للطلاق العاطفي ومعالجة آثاره وتجديد حياتهما الزوجية كان لنا لقاء مع دكتور “منتصر علام” -دكتوراه الإرشاد والعلاج النفسي-.
ما هي أهم مظاهر الطلاق العاطفي؟
يقول المولى عز وجل “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)
ومعنى “وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً” قال ابن عباس ومجاهد : المودة الجماع ، والرحمة الولد ; وقاله الحسن . وقيل : المودة والرحمة عطف قلوبهم بعضهم على بعض . وقال السدي : المودة : المحبة ، والرحمة : الشفقة ; وروي معناه عن ابن عباس قال : المودة حب الرجل امرأته ، والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء.
ومن ذلك ندرك أن جوهر العلاقة الزوجية هو العاطفة والحب وتبادل الاهتمام بين طرفيها، فالزواج وإن كان رابط قانوني واجتماعي إلا أن الأساس فيه هو الرابط العاطفي، ومع غياب العاطفة وجمود المشاعر وغياب التلاقي النفسي والفكري بين الزوجين ينقضي جوهر هذه العلاقة حتى لو ظل الزوجين في بيت واحد، ويطلق على هذه الحالة اسم الطلاق الصامت، او الانفصال النفسي، أو الانفصال العاطفي، أو الطلاق العاطفي، وهو وجود الزوجين في أسرة واحدة دون أي رابط عاطفي بينهما وانفصالهما نفسياً، وافتقارهما إلى اشباع حاجاتهما الجسمية والعقلية والعاطفية، فهم يعيشون في بيت واحد وكأنهم أغراب عن بعضهما، وذلك للمحافظة على الشكل الاجتماعي، أو لتربية الأبناء وتجنيبهم الأثار السلبية للطلاق.

ويوجد نوعين من الطلاق العاطفي: الأول هو بمصارحة واتفاق بين الطرفين وباختيارهما أن يعيشان أمام الأخرين كأنهما زوجين ولكن فيما بينهم لا توجد علاقة عاطفية أو جنسية، والنوع الثاني يكون من طرف واحد دون علم الطرف الأخر وإن كان الطرف الآخر سوف يستشعر عدم الاهتمام وعدم الرغبة في العلاقة الجنسية وغالباً ما يكون الطرف الذي اختار هذا الطلاق هو المرأة.

ومن أهم مظاهر الطلاق العاطفي بين الزوجين غياب الميل العاطفي، عدم الشعور بالاهتمام، تجنب التواجد مع الطرف الآخر أو قضاء الوقت معه، الشعور بالراحة النفسية في غيابه، الرغبة في قضاء أطول وقت ممكن خارج المنزل، عدم المبالاة بمشاكل وقضايا الأسرة، ضعف العلاقة الجنسية أو انعدامها، الرتابة والملل في الحياة الزوجية، غياب الحوار والحديث والعزلة بين الزوجين.

ماهي أسبابه؟

من أهم أسباب الطلاق العاطفي هو الزواج التقليدي أو ما يسمى بزواج الصالونات، ميل أحد الزوجين لكتم مشاعره وعدم التعبير عنها للطرف الأخر، غياب الحوار، عدم التوافق النفسي بين الزوجين، انشغال الزوجين بمهام الحياة وجعل المنزل للنوم والراحة فقط، عدم التكافؤ العلمي والثقافي بين الزوجين، الاختلافات الحادة في التوجهات الفكرية والآراء ما يحمل كل طرف على تجنب الحوار مع الأخر، الاستسلام للروتين اليومي للحياة وعدم التجديد، الميل لكتم الأسرار وعدم مشاركة الطرف الأخر فيها، فشل الزوجين في مواجهة مشكلاتهم والتمكن من حلها، كثرة الضغوط الحياتية وعدم قدرة الزوجين على تحملها أو التوافق معها، الكذب وفقدان الثقة بين الزوجين، البرود الجنسي وعدم الاهتمام بإشباع الطرف الأخر جنسياً.

ماهي النتائج السلبية المترتبة عليه؟

للطلاق العاطفي أثار سلبية تصيب أطراف العلاقة الزوجية من زوجين وأبناء، ومن أثار ذلك على الأبناء معاناتهم من الاضطراب النفسي والانفعالي نتيجة وجودهم في بيئة غير سوية نفسياً وغير مشبعة لاحتياجاتهم النفسية والاجتماعية، اكتساب خبرات اجتماعية مشوهة عن شكل الحياة الزوجية ما يترتب عليه فشل الأبناء في حياتهم الزوجية المستقبلية، انحراف الأبناء أو زيادة استعدادهم للانحراف بسبب غياب الاشباع العاطفي لهم وسعيهم لتحقيق هذا الاشباع خارج جنبات المنزل والأسرة، ارتفاع معدلات القلق لدي الأبناء، الفشل الدراسي، الاكتئاب، الانسحاب الاجتماعي، ضعف التوكيدية والتردد وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر سواء الايجابية أو السلبية.

وتوجد أثار سلبية على الزوجين ومنها إحساسهم بعدم الأمان أو الاستقرار، زيادة معدلات القلق، زيادة المخاوف، الفشل في العمل، الانحراف نتيجة لغياب الاشباع العاطفي والجنسي، ضعف الطموح، الفقر نتيجة لوجود فجوة بين الزوجين وعدم وجود حوار لمناقشة مشكلات الأسرة وتكوين صورة كاملة عنها واتخاذ قرارات تصب في مصلحتها المادية والاجتماعية.

ماهي أهم النصائح للأزواج للتغلب على الطلاق العاطفي؟

فيما يتعلق بالوقاية من حدوث الطلاق العاطفي بين الزوجين فيتضمن ذلك مجموعة من الاجراءات الواجب مراعاتها قبل الزواج ومنها أن تكون فترة الخطوبة كافية لتحقيق التوافق النفسي والاجتماعي بين طرفي الزواج، التكافؤ الثقافي والاجتماعي والتقارب الفكري وليس التطابق أو الانصياع الفكري، الفهم الصحيح لطبيعة العلاقة الزوجية ومعرفة كل طرف لحقوقه وواجباته، تجنب الطموح الكبير والتوقعات المثالية في الطرف الأخر مع تجاهل امكانياته الفعلية، تجنب زواج الصالونات او في حالة حدوثة أخذ فترة كافية لتعارف الطرفين على بعضهما وتأكد كل منها من وجود قدر كافي من العاطفة والحب والقبول تجاه الطرف الأخر، اجراء الفحوصات الطبية للتأكد من خلو أي من الطرفين من الأمراض أو الضعف الذي قد يؤثر سلباً على اشباعات الطرف الأخر الزواجية.

أما فيما يتعلق بعلاج حالة الطلاق العاطفي القائمة سواء كانت باتفاق الطرفين أو من أحدهما فيجب وجود رغبة صادقة في التخلص من هذه الحالة والتأكد أن استمرار هذا الوضع سوف تكون نتائجه سلبية على أطراف العلاقة الزوجية ويجب السعي لإنهاء هذه الحالة وذلك من خلال خلق جو من الألفة والمودة والتراحم بين الزوجين، القراءة الجيدة لمعرفة حقوق وواجبات كل طرف من الطرفين، تقليل سقف التوقعات، فتح حوارات ومناقشات هادفة وهادئة على أن تكون قصيرة في البداية مع الحرص على زيادتها تدريجياً، تجنب الخلافات والأمور التي تثير ضيقة أي من الطرفين، الحرص على وجود أمور رومانسية او كلمات عاطفية خلال اليوم، اظهار مشاعر الحب والامتنان للطرف الأخر عندما يقوم بعمل يرغب منه التقرب وإذابة حالة الجمود العاطفي، عمل مراجعات ذهنية كل مساء عن المواقف التي وفق فيها الطرف في الحد من حالة الجمود العاطفي، تخصيص اوقات للحوار العائلي يجمع الزوجين والأبناء مع البدء بموضوعات لا تثير خلافات بين أفراد الأسرة، محاولة التجديد وكسر الروتين اليومي للأسرة، حرص كل طرف على تحقيق الاشباع الجنسي للطرف الأخر، امكانية الاستعانة بمرشد او معالج أسري لمساعدتهما على الخروج من هذه الحالة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد