قال المفكر عبد الله العروي ، يوم الخميس بالرباط ، إن مسألة الإرث قضية اجتماعية واقتصادية بمكن النظر إليها من زاوية المصلحة والمنفعة من خلال إجبار الناس على كتابة الوصية، وعدم تركها إرادية. وأضاف العروي، في مداخلة خلال حفل تكريمي نظمته كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة محمد الخامس بتعاون مع معهد العالم العربي بباريس، أن الأمر يمكن أن يتم من خلال تصريح المواطن كل سنة بممتلكاته التي يؤدي عنها الضريبة، فتكون الوصية من مسؤولية الفرد الذي يختار كيف يريد تصفية تركته.
وأوضح أنه يمكن النظر للإرث من منظار فردي أي من منظار العقيدة التي لا يمكن أن تمس لأن القضية مفصولة والمؤمن يرغب في الانسجام مع عقيدته، ومن منظار مجتمعي أي تاريخاني وموضوعي ونفعي، حتى تتفادى الدولة التقنين من جديد ومجابهة النصوص الدينية. ومن جهة ثانية، تحدث العروي عما أسماه “فكر الليل” و”فكر النهار” أي فكر المجتمع، موضحا أن التاريخانية والسياسة والعقلانية لها معنى ومبنية على مفهوم المنفعة. وأن ما خلف المنفعة خارج عن فكر النهار (فكر السياسة والمجتمع) فيما يكون “فكر الليل” حين يخلو الإنسان إلى نفسه وينفصل عن المجتمع وشؤون البيت وهو موضوع الفلسفة بالمعنى الدقيق للكلمة (العلاقة بالحياة والموت والكون…) إلى جانب الشعر والفن.
ومن جهة ثالثة، تساءل العروي عن الاختلاف حول الكتاب والمفكرين، معربا عن استغرابه الكبير مثلا لقول باحث فرنسي عن كارل ماركس إنه لا يجب البحث فقط عما قاله بل عما كان يريد قوله ولم يقله، فاتضح له أن هذا هو عمل كل مؤول
كما تساءل هل يكون هناك مجال للاختلاف لو كان بالإمكان أن يكتب المرء كل ما يريد دون نشره إلى أن يعتبر أنه انتهى إلى قول كل ما يريد أن يقوله، فتنشر أعماله كاملة ، مشيرا إلى أنه قد يكون هناك حديث عن مراحل الكتابة والكتابات المتقدمة والكتابات المتأخرة.
وأشار عبد الله العروي إلى أنه قال ما يود قوله في مجال تخصصه، ويمكن إعادة تركيب ما صدر له من كتب في بناء مكتمل، “حينئذ أتصور أن الكتاب الأساس هو (مفهوم التاريخ) وليس (الإيديولوجية العربية المعاصرة) لأنه من خلاله أحدد هل هذا الفكر إيديولوجي أو غير إيديولوجي ومطابق للواقع. فبدون بحث تاريخي لا أستطيع أن أقول هذا”.
وأضاف العروي قوله “في (مفهوم التاريخ) أوضحت أن من يمارس البحث التاريخي لا يقول إن هناك حقيقة تاريخية مطلقة، فالتاريخ والبحث التاريخي يقضيان على المفهوم المطلق”، مشيرا إلى أن “الدراسة التاريخية نفسها لا يمكنها الوصول إلى حقيقة مطلقة”.
ورأى عبد الله العروي أنه انطلاقا من الشاهدة يتم التوصل إلى نتيجة مخالفة تماما لشهادة الباحث في البقايا الحجرية على سبيل المثال ، إذ تختلف الحقائق عند هذا وذاك، متسائلا عن الحقيقة المطلقة بعامة “التي لا يمكن التركيز عليها في حياتنا العامة ومعاملاتنا السياسية”.
وخلص إلى القول إنه “حتى ما نصل إليه، مثلا مفهوم الدولة، ليس حاصلا مطلقا، فلذلك توصلت إلى ثنائية النتائج وثنائية المواقف وثنائية المعتقد”.
يشار إلى أن السيد معجب الزهراني مدير معهد العالم العربي بباريس، قال في كلمة افتتاحية لأشغال هذا اللقاء العلمي التكريمي، إن المعهد استحدث تكريم شخصيات ثقافية عالمية، والترحل إلى الضفة الأخرى، بدءا من المغرب، من خلال الاحتفاء بالعروي “الذي يشكل احتفاء بثقافة كاملة”.