انتحار المغاربة الحل الملغوم الذي يجس نبض المجتمع

يكاد لا يمر يوم خلال الآونة الأخيرة إلا ونسمع عن حالة انتحار جديدة يذهب ضحيتها أشخاص من كلا الجنسين و من مختلف الفئات العمرية، حيث لم يعد مقتصرا على المدن الكبرى بل امتد إلى  المدن والأحياء الصغيرة الهادئة والمناطق الريفية الشيء الذي جعل الظاهرة تؤرق المجتمع المغربي خاصة مع ارتفاع معدل البطالة و الفقر.

الانتحار من الطابوهات المسكوت عنها في ثقافة مجتمعنا

كشف جواد مبروكي خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي على أن  الانتحار يعتبر من الأولويات ذات الخطورة العالية ويُعد من المستعجلات في الطب النفسي لأنه يهدد حياة المريض و تقع المسؤولية المباشرة على الطبيب و العائلة في حماية حياته حيث يجب إخضاعه للعلاج الفوري في المستشفى خاصة إذا لاحظ الطبيب أن هناك أعراض ومؤشرات تدل على خطر الانتحار كأن يُعبر المريض شفوياً أو كتابياً عن افكار انتحارية أو يقدم على محاولة انتحار.

وأضاف مبروكي على أنه لا يزال الانتحار من الطابوهات المسكوت عنها في ثقافة مجتمعنا وهذا من الاسباب التي تجعلنا لا ننظر اليه بكل واقعية وتقدير خطورته حق التقدير .

وأكد مبروكي على أن  هناك سبباً آخر يرتبط  بالاعتقادات و التصورات الدينية الخاطئة الشائعة في مجتمعنا مثل الاعتقاد أن الانتحار موجود فقط في الدول الغربية والغير المسلمة وأن مرض الاكتئاب سببه ضعف الإيمان بينما مجتمعنا محصن تماماَ لأن جميع افراده مسلمون مؤمنون فلا مكان فيه للاكتئاب والانتحار حيث إذا أصيب  مريض بالاكتئاب يعتبر في نظر محيطه ضعيف الايمان وبالتالي يشعر بالعار و الخجل من طلب العلاج  وبمرور الوقت يزداد آلاما وعذابا.

الإكتئاب والسوداوية من ضمن العوامل المؤدية إلى الانتحار

أكد الاخصائي النفسي المصطفى يطو للمصدر ميديا على أن من بين الاسباب المؤدية إلى الانتحار  نجد الاكتئاب و السوداوية بإعتبارهما عوامل ذاتية وأمراض عقلية حيث أن الاكتئاب مصنف ضمن الامراض العقلية المؤدية للإنتحار وليس بمرض نفسي كما هو شائع ونفس الشيء بالنسبة للسوداوية.

وأضاف المصطفى يطو على أن مرض الفصام أيضا من بين العوامل المؤدية للإنتحار، حيث كشف على أن الانتحار يكون نتيجة الامراض العقلية بالخصوص ومن بينها الفصام .

وأبرز يطو على أن الاكتئاب يسبب لصاحبه مزاج حزين ويخفض من معنوياته ويحد من النشاط الحركي للشخص الشيء الذي يولد فكرة اللجوء إلى الانتحار شيئا فشيئا خاصة وأن السوداوية تطغى على التفكير فتلك اللحظة.

هذا وأكد الاخصائي النفسي أن الشخص عندما يفقد المتعة عند قيامه بالعديد من نشاطاته التي كانت تسعده من قبل فإنه في تلك الحالة يصبح الشخص يعاني من الاكتئاب الذي يتطور مع المدة لتكون نتيجته الانتحار خاصة وأن الشخص يفقد  الامل في الحياة بصفة عامة.

وأضاف يطو على أن الانتحار في حالة الاكتئاب يكون نتيجة مزاج جد سيء ونظرة متشائمة على نفسه وعلى الاخرين ، أما بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الفصام فإنهم يقدمون على الانتحار دون يستوعبوا ما يقومون به حيث أن اللاشعور يتحكم بهم خاصة و أنهم يفقدون  التحكم في الشعور والعاطفة، في حين تراودهم هلوسات عقلية حيث يتهيأ لهم أنهم مطاردون من طرف أشخاص أو حيوانات ويقدمون على الانتحار بدون أن يدروا لما يقدمون عليه.

كما أبرز الاخصائي النفسي على أن التوتر والقلق الكبيرين من الممكن أن يؤديا بالشخص إلى التفكير بالانتحار خاصة وأنه يفقد في لحظة السيطرة على أفكاره.

الانتحار ناتج عن  تعارض بين الواقع المعاش ومطالب الشخص

أكدت الآنسة كبيرة أن الانتحار كثر  في الاونة الأخيرة وارتفعت حدته لاسباب كثيرة نعجز عن حصرها إذ تتضافر البنية الاجتماعية الهشة للاشخاص، والرغبة في الوصول لمستوى اجتماعي معين ورفض الواقع ورفض الاقتناع وتقبل بظروف حياتية معينة، إذ أن نسبة من حالات الانتحار ترجع اسبابها إلى اضطرابات نفسية ناتجة بالأساس عن تعارض بين الواقع المعاش ومطالب الشخص التي تابى أن تتحقق على أرض الواقع، كما أن للمخدرات وتعاطي الأقراص المهلوسة دور في إقدام الأشخاص على وضع حد لحياتهم.

أما اجتماعيا فالمجتمع المغربي بات يعيش طفرات متعاقبة نعجز عن كبح متغيراته الديناميكية وبات يعيش ضمن منظومات اجتماعية جديدة وجب إحداث حلول مواكبة لهذه التغيرات، فقديما كانت الأسرة الممتدة تراقب تمارس ضغطها على الأفراد كان العم يربي والجار والأب والأخوال وغيرهم اليوم نعيش ونتجه نحو الأسرة النووية في غياب حضور الأب والأم أحيانا اللذان انشغلا بجلب القوت اليومي وتوفير ما هو مادي في تعشيش لفراغ عاطفي وصلة قرب وصداقة بين الآباء والأبناء، وهو ما يعمق أزمة الجيلين ويوسع هوة الجدل ويخلق الفراغ الذي يبحث عنه الأبناء في أشياء منحرفة تنأو به عن الواقع ويصل عبره  للنشوة فالذروة فتجربة كل المباح وغير المباح والارتواء وراء الكل ويبقى الانتحار آخر اختبار فيشكل بذلك هروبا نهائيا وقطعا مع معاناة متراكمة وخطوة نحو التغيير والبحث عن الحل في الضفة الأخرى من العالم.

وجب على الحكومة القيام ببحوث ميدانية لمعالجة ظاهرة الانتحار

أكد رضوان بنسليمان  باحث في المجال القانوني على أنه وجب على جميع المسؤولين  في جميع القطاعات كل من موقعه و مسؤوليته ان يكرس ما ينص عليه الدستور في واقعيا لحل بعض المشاكل التي يعانيها المجتمع خاصة ظاهرة الانتحار، كما وجب على الحكومة القيام ببحوث ميدانية لمعالجة هذه الظاهرة التي أصبحت متفشية بشكل كبير في المجتمع المغربي بين مختلف المدن والقرى.
وأضاف بنسليمان على أن الحكومة لا تعطي الفرص حقيقية للشباب للانخراط والاستماع الى ما يعاني منه اليوم من خلال ورشات و تنظيم بعض الدورات التكوينية .

التدريب على التحكم في الذات من أجل التخفيف من ظاهرة الإنتحار

وأكد السيد حسن عفيف على أن ظاهرة الانتحار داخل المجتمع المغربي راجعة لعدة أسباب من بينها التربية الأسرية التي أثرت عليها عدة عوامل و ثقافات دخيلة على مجتمعنا، بالإضافة إلى تراجع التعليم وعدم مسايرة المنظومة التربوية مع العصر، و تراجع المؤسسات الحزبية التي تعد رافدا لمؤسسات الدولة بتقديمها أطر قادرة على خلق توازنات تنموية.

وأضاف عفيف على أن تفاقم مشكل الانتحار راجع إلى تغير وسائل  الاتصال بما فيه الاعلام الذي لم يعد هادفا و  اصبح تجاريا بالدرجة الاولى، كما أن الضعف في الايمان وغياب الوازع الديني سببا أساسي في انتشار الظاهرة خاصة وأن الاسلام يجرم قتل النفس.

ودعى حسن عفيف إلى تدريس التربية الذاتية وتلقينها في  مقررات الوزارة ، كما أن  التدريب على التحكم في الذات أمر أصبح لابد منه من أجل تجاوز كل الصعوبات والتخفيف من ظاهرة الانتحار.

الفيزازي: “حتى قط ما كايهرب من دار العرس”

أكد الشيخ الفيزازي للمصدر ميديا على أن الانتحار جريمة إنسانية كبيرة ولها طابع مجتمعي وإنساني، حيث أن الانسان عندما يقدم على الانتحار فإنه يصل إلى اليأس المطلق والاحباط النفسي والاقتصادي والإجتماعي .

الانتحار هو قتل النفس والذي يعد أمرا خطيرا حيث أن الله عز وجل حرم قتل النفس خاصة وأنها جريمة نكراء وتخلف من المآسي والاحزان  ما لا حد له في الاسرة والمحيط ككل .

وأكد الفيزازي على أن مسؤولية الاقدام على الانتحار يتحملها الشخص كما يمكن أن يكون ضحية للمجتمع أو لرب الشغل أو أي شخص ظالم أو للإحتقار أو للإهانة حيث أنه إذا وقع الانتحار فيكون لهؤلاء نصيب من الاثم.

استرسل الفيزازي قائلا “حتى قط ماكايهرب من دار العرس” حيث أنه إذا توفر للشخص نصيب من الكرامة والعيش الكريم لما أقدم على وضع حد لحياته .

وأشار على أن الشخص القوي الايمان مهما تعرض للإهانة والظلم والمشاكل بصفة عامة فإنه يرضى بقدره ويرجه إلى ربه كيفما كانت الاحوال ويقاوم واقعه بشتى السبل ويستميت في المطالبة بحقه.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد