المصدر ميديا : عبدالله المتقي
الماء واحد من بين الأسطقسات الأربعة (الماء والنار والتراب والهواء) ، هو في الأعماق والسماء . كما يعني الحياة وفق البعد الديني ّ “وجعلنا من الماء كل شيء حي “، وفي بعده الجغرافي هو النبع، والبحر ، والنهر ، والواحة، والمستنقع و… ، هو سقي وارتواء، شعور بالنقاء والطهارة في مقابل القذارة، إنه “البذرة السماوية التي منها اللؤلؤ،لأن كل لؤلؤة ما هي إلا قطرة ماء عذب نزلت من السماء،فتلقفها فم صدفة صعدت من أعماق البحر” حسب الشاعر المراكشي آيت وارهام الحاج .
والأكثر منه ، أن ” كل ماء حليب أمومي ” ، فالحليب يحمل في متخيل المبدعين صورة الماء يقول باشلار ،وفي نفس السياق ، فقد جعل الشاعر Jules Michele في ديوانه الموسوم La mer أما حنونا ، ومن مائه حليبا .
هو ذا الماء تحول وحياة، ارتواء و سكينة ، أمل و جوهر ، إبداع وعشق ، لكن لا غرابة أن يرتبط أيضا بالموت، ويتحول إلى كائن حاف وعار من الرحمة ، بل إلى قاتل محترف وبقلب صلد، وبمناسبة الموت بالماء تاريخيا، نستحضر الشاعر الصيني ” لي بو ” 762-700 ق. م، الذي ركب زورقا في ليلة مقمرة ، شرب نبيذا و غنى و نظم شعرا ، و حين حاول أن يقبل صورة القمر على سطح الماء أنقلب ومات غرقا ، ثم الشاعر البريطاني ” شيللي “(1792-1822) .
وفي مغربنا الثقافي نستحضر ” فاطمة شبشوب ” ، والروائي “عزيز بنحدوش” الميتان بالماء وفي الماء , فالراحلة ” شبشوب” أستاذة مادة المسرح بكلية مولاي إسماعيل بمكناس، فارقت الحياة غرقا في أحد شواطئ العاصمة، بعد حياة مكتظة بالطموح والجنون حد ” إرم ذات العناد “، زجالة وصدر لها العديد من الدواوين ، ومهووسة بالمسرح الحكواتي ومسرح الحلقة، ثم منتجة سينمائية كان آخر ما أنجزته مسلسل تلفزيوني وسمته ب: “عند الفورة يبان الحساب” من تأليفها وإخراجها وبطولتها .
ثم الروائي ” محمد بنحدوش ” أستاذ مادة الفلسفة اختطفته أمواج “أكلو” بنواحي ” تيزنيت” ، وكما لو ألقى بنفسه في البحر كما “أرسطو” ، فكلاهما وقف عاجزا عن التفسير ، أرسطو عن تفسير التيارات البحرية ، و لماذا تتغير في اليوم الواحد عشرين مرة ، و”محمد بنحدوش” عن تفسير هذا العنف الهمجي للمجتمع الذكوري، وعن محاكمة نصه الروائي ، بتهمة ” الرواية ” ، فالراحل كان قد أصدر روائية ” جزيرة الذكور” لتقضي عليه المحكمة بالحبس مدة شهرين موقوفة التنفيد مع تغريمه 100 درهما لفائدة المشتكين الذين اتهموه بالقذف والسب ، من بعد تعرضه لتحرشات ولاعتداء نفسية وجسدية من نفس المتابعين.
وحتى لا تموت “فاطمة” و”بنحدوش” مرتين ، وحتى لا تجرح ذاكرتنا أكثر بالنسيان والتناسي ، ماذا لو فكر من يعنيه أمر هذه الذاكرة الثقافية الوطنية ، وهذا المبدع “البرومتيوسي” المغربي ، كأن يعاد طبع دواوين “شبشوب” ومسرحياتها ، وروايتي” جزيرة الذكور” و مخطوط رواية ” أسنان شيطان ” ل”بنحدوش” ، وذلك أضعف المواطنة الثقافية .
مقالة رائعة…شكرا للاس
تاذ المتقي وشكرا لميديا