يعيش المغرب أزمة اقتصادية واجتماعية، كشف عنها تواتر أحداث الاحتجاج (الريف، جرادة، زاكورة…)، وصاحبتها اعترافات معلنة ومضمرة للحكومة، واكبها تأكيد خبراء وحقوقيون على ان المغرب يعيش أزمة إقتصادية وإجتماعية حقيقة غير معلنة.
الأزمة الاقتصادية الغير معلنة
كشف الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، أن المغرب يعيش أزمة اقتصادية غير معلنة، في ظل صمت حكومي مدفوع بـ”تأثير قوى اقتصادية جد قوية”.
واكد الكتاني، في تصريح للمصدر ميديا، أن الاقتصاد الوطني يعيش أزمة غير معلنة ترتبط بعجز الطلب في السوق، المرتبط بأثر الغلاء على القدرة الشرائية للمغاربة، وبالتالي بما أن جزء من الاقتصاد المغربي يتنمى بسبب الطلب وارتفاعه، فمن الطبيعي أن يتأثر السوق بالعجز الحاصل في القدرة الشرائية التي لم تعد قادرة على مواكبة غلاء المعيشة.
واضاف الخبير الاقتصادي، أن هناك نوع من الركود الذي يؤثر على المقاولات الهشة ويدفع بها نحو حافة الإفلاس، معتبرا أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد هي نتيجة طبيعية لأزمة اجتماعية واضحة.
وأوضح الكتاني، أن الحكومة عاجزة عن الإعلان عن الأزمة وإيجاد الحلول الممكنة لها نظرا للعجز السياسي المرتبط بسلطة القرار الذي لا تملكه الحكومة في “مواجهة لوبيات اقتصادية قوية جدا”.
واعتبر الكتاني ان الحكومة اختارت أن تسير في خط إصلاحي استسلامي بعيدا عن مواجهة اللوبيات الإقتصادية، لأنها مقتنعة بأن اللوبيات المسيطرة على واقع الاقتصاد الوطني أقوى منها، ليبقى المواطن المغربي هو الضحية وسط صراع القوى وتوافقات القرار.
وكان وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، قد أقر بإفلاس نحو 5195 مقاولة خلال سنة 2016، فيما ارتفع عدد المقاولات المفلسة، خلال السنة الماضية، إلى 5690 مقاولة.
وأوضح الوزير، في رده على أسئلة أعضاء الغرفة الثانية من البرلمان، قبل انتهاء دورة الربيع ـ حسب الاحداث المغربية ـ أن مقاولة مقابل سبع يتم إحداثها، تتعرض للإفلاس، وهو الأمر الذي يدعو إلى وقفة تأمل من طرف الجميع، من أجل تحديد الأسباب التي تؤدي إلى هذا النزيف.
الأزمة الاجتماعية وواقع الغلاء
في ذات السياق، بدا واضحا أن الحكومة تعترف بكامل مكوناتها بواقع الأزمة الإجتماعية وتاثيرها على واقع الإقتصاد الوطني، حيث كشف رئيس الحكومة سعد العثماني في معرض جوابه على سؤال محوري حول “الوضعية الاقتصادية والمالية” خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة بمجلس النواب، أن توجه الحكومة في الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين يرتكز، بالإضافة إلى دعم الميزانية المرصودة للمقاصة التي بلغت 13,72 مليار درهم سنة 2018، على تحسين دخل المواطنين من خلال العمل على توجيه الجهود لخلق المزيد من مناصب الشغل ومواصلة دعم مجموعة من البرامج الاجتماعية كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وصندوق التماسك الاجتماعي (تيسير، راميد ودعم الارامل …).
واقع الاعتراف أكدته أيضا المندوبية السامية للتخطيط، استنادا إلى نتائج البحث الدائم حول الظرفية الاقتصادية والاجتماعية لدى الأسر، الذي همَّ الفصل الثاني من سنة 2018، والذي كشف عن استمرار التشاؤم بخصوص توقعات البطالة وتكلفة المعيشة والادخار لدى المغاربة، راسما بذلك صورة قاتمة حول الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لدى معظم المواطنين، حيث اعتبرت نسبة %37,5 من الأسر المغربية أن مستواها المعيشي تدهور خلال الأشهر الاثنا عشرة الماضية، فيما اعتبرت نسبة 30,4 في المائة من هذه الأسر عن استقراره، ونسبة31,1 في المائة، قالت بتحسنه.
الأزمة الغير المعلنة، كشف عنها بدوره مصطفى الخلفي الناطق الرسمي باسم الحكومة، في حديث لوكالة “الأناضول”، بعد أن أكد أن بطالة حاملي الشهادات الجامعية تضاعف 3 مرات خلال السنوات الخمس الماضية، واعترافه بأن “بطالة حاملي الشهادات الجامعية تُمثل ضعف معدل البطالة العامة في البلاد، وتتجاوز حاليا نسبة 22 بالمائة”. وأن المعدل “تضاعف ثلاث مرات خلال السنوات الخمس الماضية، ومرشح للتزايد في الخمس سنوات القادمة”، وهو ما يعني أن حامل الشهادة الذي من المفترض أن يجد منصب شغل محرك لدورة الاقتصاد، أصبح اليوم يشكل مؤشرا لتحريك الأخطار والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
بوعزة الخراطي، رئيس الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، أكد للمصدر ميديا، تفاعلا مع حقيقة وضع غلاء المعيشة، أن اكتواء المواطن بغلاء المعيشة حقيقة واضحة للعيان من خلال الاحتجاجات المتواصلة للمواطنين والذي يعتير غلاء المعيشة أحد اهم محركاتها.
واعترف الخراطي، أن المغرب يعيش أزمة حقيقية، نتيجة لواقع الغلاء الذي أصبح يؤثر سلبا على القدرة الشرائية للمواطن وبالتالي يؤثر على الاقتصاد، محملا الحكومة كامل المسؤولية، مطالبا إياها بالتدخل العاجل والملح للضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه اللعب بالقدرة الشرائية للمواطنين.
حقيقة الأزمة الغير معلنة التي كشفتها الأرقام الرسمية، وأكدها خبراء وحقوقيون، تأكدت بالملموس ضمن الصيغ الاحتجاجية (الريف، جرادة، زاكورة…) التي تتواصل كل يوم، والتي عبرت حملة المقاطعة الأولى من نوعها في تاريخ المغرب لمنتوجات مجموعة من الشركات، عن أرقى مظاهر واساليب الاحتجاج الحضارية ضد واقع غلاء المعيشية ببلادنا، وكشفت عن العلاقة التفاعلية ما بين الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.