“اللاإنجابيون”..مغاربة رفضوا الانجاب رغم ضغوطات المجتمع

يعتبر الانجاب من النعم التي يحلم بها معظم الأفراد في جميع المجتمعات خاصة العربية منها، وينظرون له كشيء مقدس منحته الطبيعة للانسان من أجل التكاثر والاستمرارية، لكن هناك فئة تصف نفسها بـ”اللا إنجابية” تعتبر أن الانجاب “نقمة” وليس “نعمة”، وأن التزاوج والثكاتر في الأرض في هذه الحقبة الزمنية هو مجرد حكم بالتعاسة على الأجيال التي لم تأتي بعد.

في هذا التقرير، سيتعرف موقع “المصدر ميديا” على أفكار الـ”لا إنجابيين” وعلى أسباب رفضهم التناسل بالرغم من أن الانسان مبرمج على ذلك الأساس، وكذلك على نظرة وأفراد أسرهم لهم في المجتمع المغربي الذي يعتبر محافظا نوعا ما.

يعرف اللاإنجابيون “اللا إنجابية” بـ”أنها في الأساس موقف فلسفي/وجودي/أخلاقي يضفي على الإنجاب قيمة سلبية ويدعو إلى تجنبه حتى نمنع ضرر الوجود عن الأجيال -المفترضة- القادمة، لأن جوهر الوجود معاناة، والحياة ما هي إلا حالة سلبية تستمر لفترة محددة وتنتهي بالموت حتمًا، وليس من الأخلاقي أن نفرض هذا العبء على غير الموجودين، لأن غير الموجود هو عدم مُعدمٌ وليس في حاجة إلى أن يوجد، وليس ثمة ما يبرر المجيء بكائن قابل للمعاناة إلى هذه الحياة خاصة وأنه من المستحيل الحصول على موافقة المولود، إنّ الإنجاب عقدٌ من طرف واحد، وهو بالتالي عقدٌ باطل، لأنّه يحصل عبر القسر والإكراه”.

وللتعرف أكثر على اللاإنجابيين المغاربة، سنتقرب منهم أكثر لنعرف أفكارهم ومبررات رفضهم الانجاب، وكذلك المعيقات التي يوجهونها في ظل المجتمع المغربي الذي يعتبر الإنجاب أمرا ضروريا لعدة اعتبارات منها الدينية والمجتمعية.

عثمان-يشتغل بالقطاع الخاص

ستنطلق رحلتنا من الدار البيضاء مع شاب عازب يدعى “عثمان” ويبلغ من العمر 29 سنة، حيث أكد لنا قائلا أنه “لن يفكر ابدا في الانجاب لاسباب عديدة شخصية واخرى عامة تتمحور أهمها في مايلي: “اولا من ناحية المبدأ فقط بمجرد مشاهدتي لمجتمعي وهو يعيش انفجارا ديمغرافيا رهيبا دون تحديد نسل، دون تخطيط، دون مراعاة استباقية للقادم قبل مجيء هذا الطفل.. يجعلني شخصا لاانجابيا، ثانيا من ناحية الشكل فمعرفتي احصائيا بالتكاثر الحشري الذي اصبحنا عليه، مع غلاء المعيشة و قلة فرص الشغل و انتشار البطالة و فقر خدمات التغطية الصحية و ضعف الانتاج يجعلني شخصا لا انجابيا، وثالثا من ناحية المضمون فتواجدي وسط عائلة و اصدقاء و اقارب اقل شخص فيهم قد أنجب ثلاثة اطفال كانو من المفروض ان يكونو سر سعادته و ثمرتة حبه فاذا به يرفل في غيابات الديون والمشاكل النفسية و التعاسة هذا يجعلني منطقيا شخصا لاانجابيا”.

في ذات السياق، قال عثمان: “من ناحية التجربة فمشاهدتي لحال المقربين مني قبل و بعد الانجاب فلا يعقل ان تكون انسانا انيقا وسيما تداوم على اقتناء اخر صيحات الموضة و تزور الطبيب بشكل دوري لتقويم اسنانك و العناية بجسدك و ممارسة الرياضة داخل الجيم لتصبح شخصا لا يجد الوقت و لا المال لكل هذا، بل لا يجد اخر الشهر مايدفع به حساب قهوة كل هذا يجعلني بالقطع و الجزم و اليقين شخصا لا انجابيا، هذا من جهة أما من جهة اخرى فلي اخت اعتبرها توأم روحي حبيبة قلبي، اشاهدها تدفع ضريبة تهورها المجنون كل يوم بانجابها اربعة اطفال دفعة واحدة اخرهم مصاب بالتوحد ، فعلى الرغم من مستواها المادي الرفيع و استعانتها بخادمتين في المنزل مع توفير جميع ظروف العيش الكريم و فوق الكريم الا انها للاسف لا تستطيع التوفيق في تخصيص الوقت بين أبنائها الاربع وزوجها و حاجياتها الخاصة خصوصا انها في ريعان شبابها اتذكرها كل ما سنحت لها الفرصة للحديث عن هذا الموضوع تبعث لي رسالة صوتية وسط ضجيج اطفالها و هي تقول ( خويا عثمان لاتزوجتي و ولدتي باراكا عليك غاواحد ماديرش فحالي هالعار عيش و سافر مع راسك لبلدان اخرى و استمتع )”.

وختم الشاب البيضاوي تصريحه قائلا: “واخيرا اقول الى ان تتحسن ظروف ومستوى العيش في وطني ويتحسن معه قطاع الصحة و التعليم والخدمات واتيقن انا من قدرتي على ضمان قوتي و قوت ابني او ابنتي الشهري و السنوي مع ضمان جزء صغير من مستقبله عن طريق حساب توفير بنكي باسمه و القدرة على تخصيص الوقت الكافي له للعناية به و الاهتمام به وتعليمه و تربيته تربية حسنة وتوجيهه و التواصل معه و كذا ملء وقت فراغه بتسجيله مبكرا في نادي للسباحة مثلا او معهد للموسيقى و اتمكن من متابعته و مساندته عن كثب و تشجيعه ربما قد أغير من شكل تقديمي اليكم من شخص لا انجابي مع سبق الاصرار الى شخص انجابي مع الترصد”.

نجاة-طالبة بسلك الماستر

لم تختلف نجاة البالغة من العمر 24 سنة مع عثمان في بعض الحجج التي بررت بها رفضها للإنجاب، لكنها اعتبرت وضعها أصعب لأنها أنثى في مجتمع محافظ يعتبر أن المرأة التي لم ولن تنجب “ناقصة”، وأكدت على ذلك قائلة: “في مجتمعنا يرفضون فكرة ان المرأة رافضة للانجاب بالرغم من كون لها حرية الاختيار، فأنا لا أريد أبناء وأعتبر أن جلبهم لهذا العالم في ظل ما نعيشه جريمة في حقهم وليس تصرفا صائبا”.

وأضافت نجاة في تصريحها: “أعتقد أن الانجاب هو عبارة عن تصرف جاهل وغير مسؤول، فكيف يمكنني أن أنجب عدة أطفال وأنا غير قادرة على توفير حاجياتهم اليومية ومصاريف تعليمهم وتطبيبهم، كيف أجلب طفلا والمجتمع يعاني من عدة مشاكل اقتصادية واجتماعية وبيئية”، كما اعتبرت المتحدثة أن فكرة “الطفل يتزاد برزقو” مجرد كلام فارغ والدليل على ذلك -حسب قولها- وجود العديد من الأطفال الجائعين والمتشردين في الشوارع ولا أحد يهم أو يبالي بهم.

فنانون لا إنجابيون

العديد منا يمكنه تقبل مبررات اللاإنجابيين المتمثلة في المشاكل الإجتماعية والاقتصادية، لكن هناك فئة ميسورة ماديا لكنها ترفض الانجاب، وغالبا ما يكونون فنانين أو رجال أعمال فعلى سبيل المثال نجد الفنان المصري الراحل عبد السلام النابلسي، الذي صرح في عدة لقاءات صحافية أن الأطفال “هم” و”مشكلة” لأنه وعلى حد قوله الانسان يكون غارقا في مشاكله ويزيد مشاكل طفل آخر، مؤكدا ان عدد سكان الأرض كبير لذلك فالتكاثر يبقى فكرة سيئة، كما أن الممثلة الشهيرة سعاد حسني كانت رافضة للانجاب ودائما اعتبرت أن وجود الأطفال في حياتها قد يعطلها فنيا وسط الانجازات الكبيرة التي حققتها آنذاك.

https://www.youtube.com/watch?v=cxbT0rhnJkk

الفلسفة اللاإنجابية

إن اللاإنجابية ليست فكرة حديثة، بل ظهرت قديما في أفكار العديد من الفلاسفة أبرزهم الفيلسوف العدمي إميل سيوران الذي قال في كتابه “مثالب الولادة”: “اقترفت كل الجرائم، باستثناء أن أكون أباً. كابوس الولادة حين ينقلنا إلى ما قبل ماضينا، يجعلنا نفقد الرغبة في المستقبل والحاضر والماضي أيضاً. بمجرد التفكير في أن لا أكون ولدت، أي سعادة! أي حرية! أي مدى”، كما كان الفيلسوف الشهير آرثر شوبنهاور رافضا لفكرة الانجاب وأكد ذلك قائلا: “لو كان جلب الأطفال إلى هذا العالم صنيع العقل الخالص وحده، أكان الجنس البشريّ سيستمر في الوجود؟ أليس التّعطاف سيحمل الإنسان على تجنيب ما يليه من أجيال عبء الوجود؟ أو أيًّا كان، فإنه لن يأخذ على عاتقه فرض هذا العبء عليها بدمٍ بارد”.

الدين والانجاب

إن الدين الإسلامي يرغب في كثرة النسل، وينظر إليه على أنه من أولى الأسباب التي شرع من أجلها الزواج، يقول الله تعالى فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ {البقرة: 187}، وقال ابن عباس ومجاهد والحكم بن عيينة وعكرمة والحسن والسدي والربيع والضحاك: “معناه وابتغوا الولد، يدل عليه أنه عقيب قوله: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ”، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة”.

 

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد