إذا عصفت الريح بخيمتك فأعلم أن القدر شاء أن تبني مكانها قصرا (حكمة).
منذ تأسيس الدولة الصهيونية على أرض فلسطين غصبا وظلما، عارضت حليفتها الأقرب وحاضنتها الأقوى الولايات المتحدة الأمريكية إعلان القدس عاصمتها في عام 1949 كما عارضت الولايات المتحدة ضم وليدها المدلل “إسرائيل” للقدس الشرقية بعد 67، وكانت على الأقل علنيا تدعم فكرة تسوية مسألة القدس في إطار حل نهائي للصراع العربي الإسرائيلي عبر مفاوضات السلام، وقد حافظت الإدارات اللاحقة على نفس السياسة الى أن جاءت سنة 1995 حين أصدر الكونغرس قانون ينص وجوب اعتراف الحكومة الفيدرالية الأمريكية بالقدس عاصمة لدولة “إسرائيل” كما نص مشروع القانون المشؤوم على أن السفارة الأمريكية يجب أن تنتقل إلى القدس خلال خمس سنوات.
ومنذ ذلك الحين كان على كل رئيس أمريكي التوقيع على تنازل لمدة ستة أشهر وتأخير هذه الخطوة لأسباب أغلبها سياسية وعدم الرغبة في خلق وضعية غير مريحة لدى حلفاء امريكا ممن لا يدعمون القرار، إلى أن جاء الرئيس الأمريكي الجديد والمثير للجدل بسبب تصرفاته وقرراته الغير موضوعية تماما حتى من وجهة نظر مواطنيه ومن وجهة نظر المحللين السياسيين الذين يرون أن الرجل يؤذي مصالح أمريكا برعونته أكثر مما ينفعها، وفي السادس من دجنبر المنصرم اعترفت إدارته رسميا بالقدس عاصمة لما يسمى بدولة “إسرائيل ” وأمر الرجل المسؤولين في الخارجية الأمريكية للشروع في عملية بناء سفارة أمريكية جديدة فى القدس.
ترامب هذا، خدم القضية الفلسطينية بشكل لم يكن يخطر على البال خصوصا في ظل ظهور العديد من القضايا التي انشغل بها بال العرب..الربيع العربي وماترتب عنه من تغييرات كثيرة مست الخارطة العربية..قضية “العبيد” في ليبيا الى غير ذلك من الأحداث، والتي كان البعض منها مفتعلا حتى نجد أنفسنا في دوامة لاتنتهي، دوامة جعلت الاهتمام بالقضية الفلسطينية يتراجع منذ زمن بعيد الى الترتيب الأخير في سلم اهتمام العرب شعوبا وحكاما مع ملاحظة أن البعض من الحكام كانوا فقط يجعلون منها مطية لإقناع الشعوب بوطنيتهم وبقوميتهم وفي نفس الوقت للخلود فوق الكراسي تحت ذريعة محاربة العدو الصهيوني والدفاع عن فلسطين.
هذا الدونالد ترامب بقراره هذا حرك مشاعر المسلمين بشكل أسطوري بعدما ظننا أنهم فقدوا كل إحساس بالقضية الأهم لدى الأمة الإسلامية، وعادت القضية الفلسطينية الى حضورها القوي في قلوب كل الشعوب العربية كما كانت دائما ورغم القرارات والمواقف الضعيفة التي لطالما عبر عنها العرب كعادتهم دائما ولكنها تبقى أفضل من أي قرارات أخرى، بالاصافة الى المواقف الشجاعة لباقي دول العالم التي أبانت عن رفضها القاطع لما فعله ترامب.
و بقراره هذا أيضا انقشعت الحجب عن أعين العرب والمسلمين و بات واضح أمامهم أن جل القادة العرب ماهم إلا متخاذلون، بل وحتى متآمرون من العدو الصهيوني ضد مصلحة فلسطين وودوا لو تنازلوا عن القدس كل مدن وحواضر الإسلام والعرب إرضاء لأمريكا ووكيلها المدلل في المنطقة .
ان ترامب وجد الأمة من ساسها لرأسها نائمة في العسل، وأصر بغبائه المعهود أن يدق ناقوس الخطر ويوقظها من سباتها للتتعبأ من أجل القدس وكل فلسطين وفي ظل هذا كله لا يسعنا إلا أن نعتبر أن دونالد ترامب هذا ( ولو من باب سخرية الأقدار ) أصبح عميلا لفلسطين وللقضية الفلسطينية.