كشف تنامي معدلات الفساد، الذي تحول إلى مشكلة عالمية تعاني منها الدول الصناعية الكبرى، كما تعاني منها على نحو أكبر كل من الاقتصادات النامية والانتقالية، خلال السنوات العشر الماضية، على ان مسارات وغايات تحقيق التنمية المستدامة اتخذ منحى غير متوقع.
فحجم الفساد يمنع تصدي مجموعة من الدول لتحديات التنمية، ويقوّض المساءلة، ويعيق تدفق الاستثمارات الأجنبية، ويضعف الأداء الاقتصادي، ويقلل الثقة بالنظامين القانوني والقضائي، كما يعيق القدرة على الاحتفاظ بموظفين ذوي كفاءة عالية، ويتسبب بهدر الموارد والأموال. وتشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن كلفة الفساد تساوي أكثر من 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أو 2.6 تريليون دولار، بالإضافة إلى أكثر من تريليون دولار يتم دفعها حول العالم سنوياً على شكل رشاوى، وفق البنك الدولي.
وقد أصدرت، منظمة الشفافية الدولية، بتاريخ 21 فبراير 2018 ببرلين، مؤشر مدركات الفساد الذي يتزامن مع الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس المنظمة، ويكشف هذا المؤشر عن معلومات تبعث على القلق، فعلى الرغم من مساعي محاربة الفساد في مختلف أنحاء العالم، إلا أن جهود معظم الدول تبقى متعثرة. وأن التقدم الذي أحرزته عدة بلدان في هذا المجال خلال السنوات الست الماضية كان محتشما، إن لم يكن منعدما. والأدهى من ذلك أن التحليل المفصل لنتائج المؤشر قد كشف أيضا عن أن معظم البلدان التي تتدنى فيها مستويات حماية الصحافة والمنظمات غير الحكومية هي التي تتصدر أعلى معدلات الفساد.
أما على المستوى الوطني، فقد إستمر المغرب في الوضع المتراجع على مستوى تفشي الفساد، حيث صنفته منظمة“الشفافية الدولية” في تقريرها ضمن الدول المتقهقرة على مستوى محاربة الفساد، إذ احتل هذه السنة (2018) المرتبة 81 من بين 180 دولة في مؤشر الفساد، بعدما حصل على 40 نقطة من أصل 100.
وكان المغرب قد اطلق في الثالث من ماي من عام 2016، في ظل الحكومة المغربية السابقة، التي كان يقودها عبد الإله بنكيران، ” الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد”، بميزانية وصلت إلى 1.8 مليار درهم، أي ما يعادل 190 مليون دولار، وأُعلن أنه سيتم تقسيم تنفيذها على 10 سنوات، وينقسم تنفيذ هذه الاستراتيجية، التي استغرق الإعداد لها سنوات، إلى ثلاث مراحل، الأولى امتدت من 2016 و2017 والثانية من 2017 إلى 2020، أما الثالثة فتمتد إلى حدود سنة 2025، فأين وصلت الإستراتيجية في مكافحتها للفساد؟
وكان رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، قد كشف في وقت سابق، أن المغرب يضيّع إمكانية بناء 150 مستشفى حديثاً ومجهزاً، بسبب الفساد المستشري في الإدارات، وأن “محاربة الفساد ليست ظاهرة بسيطة، لأنه ينخر في المجتمع والاقتصاد المحلي، ويبطل الجهود والخدمات المقدمة للمواطنين”، معتبرا أن “محاربة الفساد لن تكون بالوسائل الأمنية والقانونية فقط، لكن بعدد من الإجراءات، منها الوقائية وأيضاً إغلاق منافذ الفساد”.
وقالت نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب “الاشتراكي الموحد” إن منظومة الفساد الكبيرة في المغرب هي التي جعلت البلاد تعيش في وضعية اجتماعية مقلقة، مشددة في تصريح بث على صفحتها الرسمية بفيسبوك، بمناسبة مشاركتها في أشغال المؤتمر الدولي لمحاربة الرشوة بالدانمارك، أنه من تمظهرات هذه الأزمة الاجتماعية نسبة البطالة الكبيرة، والفوارق المجالية والتهميش الذي تعيشه فئات كبيرة.
لقد اصبحت منظومة الفساد التي يعترف الجميع بوجودها وتواجدها بأغلب المؤسسات، مرضا خبيثا يضيع على بلادنا وعلى بلدان أخرى مساعي تحقيق التنمية المستدامة، حيث أصبح الفساد يدفع أكثر من اي وقت مضى إلى تنامي وتعاظم الحركات الإحتجاجية المطالبة بإنهاء الفساد وأصحابه.