عبر فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، المنتمي للأغلبية الحكومية، في إطار مناقشة البرنامج الحكومي الذي تقدم به عزيز أخنوش رئيس الحكومة، عن امله في انعكاس الانسجام الحكومي على التدبير المجالي، بشكل يكون للبرنامج الحكومي تأثيره في العمق الترابي، ويعمل على تلبية احتياجات وانتظارات الساكنة المحلية. بما سيعمل على إعادة الثقة في المؤسسات، انطلاقا من توجهات النموذج التنموي الجديد واستثمار كل المؤشرات التي تبعث على التفاؤل، إنسجاما مع الإرادة القوية للشعب المغربي، لصنع البديل الخلاق والرؤية الواضحة للمستقبل.
قال رئيس فريق الأصالة والمعاصرة:
ولا يسعنا كفريق سوى تثمين تشكيل تحالف حكومي جديد، كبديل سياسي ديمقراطي، أفرزته صناديق الاقتراع لقيادة المرحلة في إطار التداول على السلطة، ولتشكيل حكومة قوية ومنسجمة، تطبعها الإرادة القوية للتغيير والقطع مع الممارسات السابقة.
ويحق لنا جميعا الافتخار بالمساهمة في إحداث نقلة في مجال الاختيار الديمقراطي، على إثر نجاح انتخابات 2021، التي عرفت ستة استحقاقات متتالية في ظرف زمني وجيز، خاصة فيما يتعلق بالمشاركة السياسية التي فاقت الخمسين بالمائة، وبحسن تنظيم العمليات الانتخابية، وهو ما يؤكد على أن بلادنا تقطع مسارا لا رجعة فيه، رغم كيد الكائدين ومناورات الحاقدين.
وإذا كان هناك من أمر ينبغي التأكيد عليه اليوم، هو ضرورة الاستفادة من هذا الرأسمال السياسي والزخم الانتخابي، لقيادة المرحلة، بخطوات أكثر جرأة على مستوى اتخاذ القرار وتنفيذ. فأمام الهدر الكبير من الزمن السياسي طيلة عقد كامل، بسبب الحسابات الضيقة وعدم الانسجام في الأداء الحكومي، ها هي ذي المحطة الانتخابية التي مكنت الحكومة الحالية من غطاء سياسي وانتخابي قوي وتقارب برنامجي قادر على تجاوز صعوبات التجانس السياسي.
وعلى الحكومة الحالية، أن تكون في مستوى الوفاء لبرامج مكونات أغلبيتها في كل القطاعات الحكومية وفي مقدمتها الاجتماعية، ونخص بالذكر التربية والتكوين والتعليم العالي والبحث العلمي والصحة والشغل والسكن والاقتصاد غير المهيكل ومحاربة الفقر والتهميش والارتقاء بالعالم القروي وغيرها، مما قد يخلق نوعا من الرضى لدى فئات عريضة داخل المجتمع.
وواصل: فالنموذج التنموي “يفتح آفاقا واسعة أمام عمل الحكومة والبرلمان بكل مكوناته، والحكومة الجديدة مسؤولة على وضع الأولويات والمشاريع، خلال ولايتها، وتعبئة الوسائل الضرورية لتمويلها، في إطار تنزيل هذا النموذج” كما أشار جلالة الملك إلى ذلك في الجلسة الافتتاحية لهذه الدورة.
نسجل في فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب أن المغرب عمل على تكييف سياسته الخارجية مع العديد من المتغيرات الدولية والإقليمية، باستحضار الثوابت والمحددات، في ارتباط بقضية الوحدة الترابية، وبناء الاتحاد المغاربي الكبير كقوة إقليمية والانفتاح على المحيطين العربي والإسلامي، وتعزيز علاقاته ضمن الدائرة الإفريقية والجوار الأورو-متوسطي، وتمتين علاقاته مع مختلف القوى الدولية.
وشهدت السياسة الخارجية للمغرب تطورا مهما في العقدين الأخيرين، بعدما أضحت مُبادِرة وأكثر دينامية ووضوحا، واستطاعت تحقيق الموازنة بين تعزيز العلاقات المغربية مع شركاء جدد، كما نجحت إلى حد كبير في الموازنة بين الدفاع عن قضية الوحدة الترابية من جهة، والحفاظ على العلاقات المتينة مع القوى الدولية الكبرى.
وفي هذا الإطار، تعتبر قضية الوحدة الترابية أولى الأولويات لدى كافة المغاربة، والتي نؤكد كفريق الأصالة والمعاصرة على مواصلة المضي بثبات في مسلسل تنمية المناطق الجنوبية بمواصلة تنزيل النموذج التنموي المُعَد لفائدة هذه الأقاليم، والذي يشكل رافعة أساسية لدعم المؤهلات الطبيعية والبشرية التي تزخر بها هذه الأقاليم. وعلى الرغم من ذلك، يتعين مواصلة الجهود والتعبئة الشاملة؛ دبلوماسية رسمية وموازية، والانخراط التام لكافة القوى الحية للأمة، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، في إطار التصدي المستمر واليقظ لما يقوم به خصوم الوحدة الترابية من مناورات واستفزازات.
وفي ذات السياق، يدعو فريق الأصالة والمعاصرة الحكومة إلى تعزيز أدوار المغرب في محيطه الإقليمي والدولي، لأنه في الوقت الذي ازداد عدم الاستقرار في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل طيلة العقد الماضي، فإن المغرب برز كطرف فاعل في مكافحة الإرهاب، وكمساحة استقرار في منطقة غير مستقرة، وكحليف آمن للأطراف الفاعلة، وهو ما عزز موقعه كطرف أساسي بوسعه المساعدة في جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة.
فالمغرب لم يَحِد في سياسته الخارجية عن حماية أمنه واستقراره، والحفاظ على وحدته الوطنية والترابية واستكمالها بتحرير كامل أراضيه المحتلة، واعتبار حماية السيادة والدفاع عن مصالحه هو المَعْبَر إلى الفعل الإقليمي والدولي، وسن سياسات متوازنة تراعي مصالح الآخرين.
وفي هذا الإطار، لا يسعنا سوى الإشادة بالنصر الدبلوماسي الذي حققه المغرب في قضية الصحراء المغربية، بالقيادة القوية لجلالة الملك محمد السادس، خاصة مع الاعتراف الأمريكي الأخير بمغربية الصحراء، الذي من شأنه المساهمة في الطي النهائي لهذا الملف بكل جوانبه.
ولا يسعنا كذلك، في هذا السياق، سوى الإشادة بالموقف الرسمي للمملكة المغربية الدَّاعِي دوما إلى إطلاق دينامية بناءة للسلام، من أجل التوصل إلى حل واقعي قابل للتطبيق ومنصف ودائم للقضية الفلسطينية، بما يلبي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة، تتوفر لها شروط الحياة، وعاصمتها القدس الشرقية، من شأنها أن تمكن شعوب المنطقة من العيش بكرامة ورفاهية واستقرار.
بعد تقديم البرنامج الحكومي من طرف السيد رئيس الحكومة، يشرفنا اليوم كفريق التعبير عن أن الالتزامات الواردة في طياته، لم تقتصر فقط على المزاوجة بين الطموح المعبر عنه من طرف المغاربة والواقعية التي تطبع الرؤية العامة لتدبير الشأن العام المغربي من طرف مكونات الأغلبية، بل تجاوزت ذلك بكثير باعتبارها تشكل ضمانة للتوفيق والنجاح والوفاء لقيم النجاعة ونكران الذات.
ولا يمكن اعتبار النَّفَس الذي بُنِي على أساسه هذا البرنامج إلا عاملا من عوامل استحضار ثقة المواطنات والمواطنين، ينضاف إلى روح الإرادة التلقائية في التغيير المبني على نهج مقاربة جديدة في العمل الحكومي، وإلى الهندسة الحكومية المترجمة للرغبة في تفعيل أولويات النموذج التنموي الجديد، وإلى السِّيَر الذاتية لأعضاء الحكومة المتمثلة في معايير الكفاءة والنجاعة والمسؤولية، وهي كلها أمور تَعِدُ بشكل كبير بتوفير مقومات الالتزام بالبعد الاجتماعي كمحور أساسي للسياسة العمومية.
ولا يفوتنا كذلك التأكيد على أن الالتزامات الواردة في البرنامج الحكومي، والتي تتوزع على المحاور الثلاثة الأساسية، تحمل في ثناياها أجوبة واضحة وشفافة على العديد من الحاجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهو ما يجعلنا نعرب عن دعمنا للحكومة في أجرأة هذا البرنامج على أرض الواقع، مع التعبير عن الأمل الكبير الذي يحدو المغاربة قاطبة في تسريع وتيرة الإنجاز وإكسابه النجاعة المرجوة والمردودية المنتظرة.
إننا في فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب متفائلون بنجاح هذه التجربة. وفي تفائلنا هذا دعم قوي ومستمر لإنجاح البرنامج الحكومي، خاصة وأنه برنامج منخرط في الإصلاح السياسي والديمقراطي، وترسيخ الوحدة الترابية للمملكة وتحصين الخيار الديمقراطي، واستكمال ورش الجهوية المتقدمة، والالتزام بتفعيل مضامين النموذج التنموي الجديد، واستكمال ورش إصلاح العدالة، وترصيد مكتسبات أمن واستقرار البلاد، وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والاهتمام بمغاربة العالم وقضايا الهجرة، وإحداث الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة. وهو ما لا يتطلب اليوم مع هذه الحكومة سوى تنسيق الجهود وتوفير شروط التعبئة اللازمة لتحقيق النجاح المنشود.
ونقدر في فريق الأصالة والمعاصرة أن الحكومة واعية تمام الوعي بجسامة المهام الملقاة على عاتقها بخصوص أهمية استكمال ورش إصلاح العدالة، بما يكرس الاستقلالية المؤسساتية للسلطة القضائية، كما ورد ذلك في البرنامج الحكومي. لذلك فإن الانكباب على مراجعة الترسانة التشريعية ذات الصلة بالحقوق والحريات وحقوق الإنسان، وفي مقدمتها القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية والمسطرة المدنية ومراجعة مدونة الأسرة.
وبنفس الإدراك والوعي، يتعين إعطاء أولوية قصوى لقطاع السياحة، الذي تضرر بشكل كبير من جائحة كورونا، وعانت فئات عريضة لها ارتباط بهذا القطاع من انعكاسات هذه الأزمة، كقطاع النقل السياحي والمقاهي والمطاعم والفنادق ووكالات كراء السيارات والحرف المهنية والصناعة التقليدية والحمامات والأفرنة وقطاع الحفلات والتظاهرات.
ولا شك في أن قطاع العقار والبناء عانى هو الآخر من هذه الأزمة من جهة، ومن ضعف أداء السياسات الحكومية ذات الصلة من جهة أخرى. علما بأنه قطاع يكتسي أهمية قصوى في الحياة الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا.
وعليه، ينبغي إعطاؤه الأولوية اللائقة بمكانته، من خلال معالجة الاختلالات التي يعرفها قطاع السكن بشكل عام، والسكن الاجتماعي على وجه الخصوص، بما يقتضي ذلك من محاربة السكن غير اللائق والاهتمام بالدور الآيلة للسقوط، وكذا تدارك التأخر في إعداد وثائق التعمير، وإرساء منظومة جديدة لتعمير مستدام، بالإضافة إلى توحيد الأنظمة والقوانين المؤطرة للمجال العقاري، وحل المشاكل العالقة الخاصة بالبناء في العالم القروي.
ونسجل في هذا الإطار بارتياح كبير، التزام رئيس الحكومة وكل مكونات أغلبيته باعتماد أولويات واضحة وشفافة، ذات أهداف وتدابير محددة، لأجرأة وتنفيذ برنامجه، ونثمن منهجية بناء وصياغة مضامين المحاور الثلاثة الكبرى ذات الأولوية، والمتمثلة في:
• أولا: تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية ورعاية صحية جيدة لصون كرامة المواطن، وتنمية الرأسمال البشري، والاهتمام بالثقافة والرياضة.
• ثانيا: مواكبة تحول الاقتصاد الوطني من أجل خلق فرص شغل للجميع، وسياسات قطاعية طموحة من أجل فرص شغل لائقة ومنتجة، وتحرير النشاط الاقتصادي للمرأة.
• ثالثا: حكامة في خدمة المواطن، ومراقبة وتقييم جودة الخدمات العمومية، وتجديد برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتسريع وتيرة التحول الرقمي، وتدبير عادل ومسئول للموارد المائية والتسريع بالانتقال البيئي.
كما نعتبر في الفريق أن نجاح هذه الإصلاحات والأوراش والبرامج يقتضي إرادة وطنية جماعية، وتعبئة وانخراط تام للمؤسسات وللفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين والمدنيين وعموم المواطنات والمواطنين، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس.
على الفريق الحكومي، إدراك أن السياسات العمومية السابقة شكلت سببا في معاناة مختلف القطاعات الاجتماعية من تخلف في مجال ضمان خدمة المواطن والتنمية بشكل عام. لذلك، على أعضاء هذه الحكومة إدراك أن ما تم رصده من استثمارات للقطاعات الاجتماعية في ظل الحكومات السابقة، لو اقترن بإرادة حقيقية وكفاءة مستحقة ومجهود كاف ونجاعة ذات مردودية، لَكَان بإمكانه المساهمة فعلا في النهوض بالعنصر البشري والبلاد عموما.
لكن للأسف، بدل الانكباب على الاختلالات الكثيرة ذات الصلة بالأداء الحكومي، ووضع الحقوق الاجتماعية – التي تشكل انشغالا أساسيا للمواطنين – في صلب اهتمام السياسات العمومية، والعمل على تحسين مؤشرات الولوج إلى الخدمات الاجتماعية، بدل كل ذلك تم الزج بالمواطنين في مأزق الصعوبات التي حالت دونهم والعيش الكريم. فالمغاربة قاطبة وقفوا على حقيقة العجز القائم في أداء الحكومات السابقة، فيما يتعلق بالتقدير السياسي للمشاكل التي يمكنها أن تنجم عن عدم إدراك أهمية وضرورة الإصلاح الشامل، ومعالجة الإشكالات المرتبطة بالإقلاع الاقتصادي والحكامة والموارد المالية والبشرية، وحل المشاكل المرتبطة بالبنيات التحتية والعدالة المجالية في توزيع التجهيزات الضرورية، لضمان جودة الخدمات داخل المرافق العمومية.
وقد أبانت الجائحة بما لا يدع مجالا للشك، أن مأزق السياسات العمومية وأزمة القطاعات الاجتماعية في بلادنا، كانا بفعل مراكمة العديد من الاختلالات في مرحلة ما قبل الجائحة، وهو ما جعل، المنظومة الصحية لا تستجيب بالشكل المطلوب لحق المغاربة في الصحة، ومنظومة التشغيل تساهم في إغراق المجتمع في براثين العطالة، ومنظومة التعليم غارقة في مفاقمة الاختلالات على مستوى الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص بين المجالين الحضري والقروي وبين مختلف الفئات الاجتماعية، وكذا الإخلال بواجب التأهيل للاندماج المهني والاجتماعي.
وقد كان لافتا للانتباه، الابتعاد عما تتطلبه المهنية في الأداء، وما يقتضيه التجاوب مع حاجات المجتمع، واللجوء في الأخير إلى تبرير الفشل بصعوبات الظرفية، بدل تقديم حصيلة المنجز على أرض الواقع بالأرقام.
لذلك، لم نَكُنْ مجانبين للصواب حين اعتبرنا في السابق أن الأزمة التي يعيشها المغاربة هي في جزء كبير منها بسبب التدبير العشوائي، والفشل في البرمجة والتنفيذ والمواكبة، والتذرع بغياب الإمكانيات، في الوقت الذي كانت تفرض المسؤولية اعتماد النجاعة في الأداء والمردودية على أرض الواقع. وهنا لابد لنا من التأكيد على أن عهد التملص من تقديم الحصيلة ـ أو تقديمها بشكل يبرز الإنجازات دون الوقوف على الإخفاقات ـ قد ولى، لأن المغاربة لم يعودوا مبالين بما تم اعتماده من خطط وبرامج واتخاذه من إجراءات وتدابير، بقدر ما هم متطلعون لتسليط الضوء على مدى استجابة الحكومات للخصاص المجتمعي الحاصل والحاجات والانتظارات الواقعية. وهو ما يصب في جوهر معادلة استحضار الحكومة الحالية للبعد الاجتماعي في السياسات العمومية، وكذا تعزيز التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي والمجالي.
وفي ظل هذه الظرفية السياسية، تبقى المنهجية الحكومية المعلنة في تقديرنا إجابة عن المشاكل المطروحة، سواء فيما يخص التفاعل مع نبض الشارع، أو التمكن من إنجاز مشاريع وأوراش إصلاحية ذات الأثر المباشر والملموس على المواطن والمجتمع. وهو ما يتطلب الاعتماد على منهجية تشاركية بين مختلف القطاعات الوزارية، و إشراك مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين والمدنيين في دورات البرمجة والأجرأة والتنفيذ والتقييم والتفاعل الإيجابي مع الملاحظات والتوصيات الصادرة عن مختلف المؤسسات الوطنية المعنية برصد وتتبع وتقييم السياسات العمومية…
إن البرنامج الحكومي موضوع المناقشة اليوم، هو موضوع تعاقد بين كل مكونات الأغلبية الحكومية، وأساس الالتزام أمام الملك ونواب الأمة وعموم المواطنات والمواطنين، على الحكومة أن تدعمه بأداء ناجع وذي مردودية فيما يتعلق بتحقيق أهدافه وإصلاحاته المحددة في المضمون والزمن المخصص له في إطار هذه الولاية الحكومية والتشريعية.
وعلى المؤسسة التشريعية، بفرقها ومجموعاتها البرلمانية، القيام بواجب تسريع المساطر التشريعية التي يقتضيها تفعيل البرنامج الحكومي، ومواكبة وتتبع السياسات العمومية ومراقبتها وتقييمها بكل موضوعية وتجرد، والتواصل مع الرأي العام، تحقيقا لشرط الشفافية وتجسيدا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فالحكومة الحالية، بالنظر إلى حجم الانتظارات، عليها القيام بمجهود كبير وجدي وملتزم، لتبرهن على إمكانية تجاوز العجز السابق على المساهمة في تقديم عرض إصلاحي منسجم مع قواعد وضوابط تسيير الشأن العام للبلاد، وفسح المجال أمام الجميع للمشاركة في إنعاش الحياة السياسية وتقويم ممارسات فاعليها، وتيسير سبل اندماج فئات عريضة في العمل وفي المؤسسات السياسية.
بكل الصراحة المعهودة فينا كفريق الأصالة والمعاصرة، واستحضارا لواجب تقديم الملاحظة والتنبيه من أجل الاستدراك والبناء، وفي إطار دعمنا الواضح والشفاف للحكومة وبرنامجها، لابد من التذكير بأن الحكومة أمام امتحان صعب، فما عاد بالإمكان إخفاء أو حجب الإخفاقات في الأداء الحكومي، ولا حتى تبريرها بالإكراهات والظروف غير المواتية، فهي مطوقة بواجب تفادي المساهمة في أي تراجع عن المسار الديمقراطي، أو في إفراغ الجهوية المتقدمة من مضمونها التنموي، أو في إذكاء فقدان الثقة والتشكيك في أهمية المشاركة السياسية ودور الفاعلين السياسيين.
فكل المتتبعين للسياسات العمومية يدركون بأن الحاجة اليوم أشد ما تكون إلى عدم الارتكان للمقاربة الكمية في المجال الاجتماعي، خاصة وأن الأساس في التعليم ليس هو الحق في نيل الشواهد والديبلومات فقط، بل هو أن يكون مؤديا إلى سوق الشغل، والأساس في الصحة ليس هو الحق في الولوج إلى الخدمات الصحية فقط، بل هو العلاج والاستشفاء، والأساس في السجل الاجتماعي ليس هو المدخول الفردي بل المدخول الصافي للأسر، بالإضافة إلى الإدماج التدريجي والسلس والناجع للقطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي…
نحن في فريق الأصالة والمعاصرة، ندعم ما جاء به البرنامج الحكومي من حيث التأكيد على المبادئ الخمسة الموجهة. وإذ نسجل هذه اللحظة التاريخية بفخر واعتزاز، لا يسعنا إلا أن نثمن العمل الأولي للحكومة، الذي قامت من خلاله بتحديد التزامات كبرى أساسية في إطار الإجابة عن انتظارات اجتماعية ملحة وتجاوز آثار الجائحة وتحقيق الإقلاع الاقتصادي، تيسيرا لتتبع وتقييم الحصيلة الحكومية. وهي التزامات أشار إليها البرنامج الحكومي بكل وضوح وشفافية، والمتمثلة في إحداث مليون منصب شغل صافي على الأقل خلال الخمس سنوات المقبلة، ورفع نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30 في المائة عوض 20 في المائة حاليا، وتفعيل الحماية الاجتماعية الشاملة، وتوسيع الطبقة الوسطى وحمايتها، وتوفير الشروط الاقتصادية والاجتماعية لبروز طبقة فلاحية متوسطة في العالم القروي.
إضافة إلى تعبئة المنظومة التربوية بكل مكوناتها بهدف تصنيف المغرب ضمن أحسن 60 دولة عالميا عوض المراتب المتأخرة في جل المؤشرات الدولية ذات الصلة، وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، خاصة من خلال إحداث صندوق خاص، بميزانية تصل لمليار درهم بحلول سنة 2025، وكذا التحسين التدريجي للتوازنات الماكرو اقتصادية للمملكة خلال مدة ولاية هذه الحكومة، وإنجاز الأوراش الاستراتيجية الكبرى، وأجرأة النموذج التنموي الجديد بكفاءة عالية، ومأسسة آليات تتبع وتقييم أداء السياسة العمومية والإصلاحات، والتتبع الدقيق للأوراش، وإيلاء الأهمية اللازمة للميثاق الوطني للتنمية.
وهذا ما يؤكد وعي الحكومة الجيد بأن مهمتها الأولى تتجلى في تعزيز دعائم الدولة الاجتماعية، وتثمين الرأسمال البشري المغربي، والطموح إلى السير بعزم وثبات لحفظ كرامته، وتكريس حقوقه وتوفير ظروف رفاهيته. وهو ما يلقى ترجمته العملية في إحداث نظام حقيقي للمساعدة الاجتماعية يستهدف الأسر الأكثر هشاشة، والحد من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، وتعويض الأسر المعوزة، والالتزام بسن سياسة عمومية واضحة ومتكاملة ومتعددة الأبعاد لفائدة الأشخاص في وضعيات إعاقة، مع دعم الجمعيات العاملة بالفعل على إدماجهم، ورفع العديد من التحديات في المجال الصحي، ابتداء بتأهيل المستشفى العمومي، وتنفيذ خطة طموحة تروم تلبية الحاجة الماسة على المدى القريب، مع توفير الوسائل الكفيلة بتطوير العرض الصحي على المدى البعيد.
كما أن الحكومة كانت موفقة بالتوجه إلى إصلاح المدرسة العمومية والرقي بها، ورد الاعتبار لها لتكون ذات جاذبية ومشتلا لكفاءات المستقبل، والاهتمام بفاعلي المدرسة العمومية، ورد الاعتبار لمهنة التدريس، وتحسين جودة تكوين الأساتذة، والارتقاء بظروف اشتغالهم. وكذا بالتزامها بفتح حوار اجتماعي، خاصة مع المركزيات النقابية للتعليم الأكثر تمثيلية من أجل التوافق حول الإجراءات والتدابير الرامية للرفع التدريجي من الحد الأدنى للأجرة الصافية الشهرية عند بداية المسار المهني. وهو نفس الاهتمام الذي ينبغي إيلاؤه للتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، من خلال الحد من بعض الاختلالات والنواقص والتعثرات التي تحد من فعالية ونجاعة أداء الجامعة المغربية، التي ينبغي أن تكون في خدمة شعار مجتمع المعرفة، والانفتاح على سوق الشغل.
وفي نفس الإطار ينبغي إعطاء نفس جديد لقطاع الثقافة والاتصال والشباب والرياضة، عبر فتح آفاق جديدة في مجال التنشيط الرياضي والثقافي والتواصلي الذي تضرر بشكل ملفت جراء جائحة كورونا. كما نثمن عاليا التحول النوعي في المقاربة الجديدة للحكومة في مجال الانتقال الطاقي.
وقد أصبح من المؤكد أن نموذج النمو ببلادنا وصل مداه، بحيث يجب العمل على المزاوجة بين القطاعات المنتجة والخدماتية، بما يفرز المزيد من مناصب الشغل، التي نحن في حاجة إليها اليوم، خصوصا إذا ما استحضرنا مخلفات جائحة كورونا على مستوى الرفع من نسبة العطالة في التشغيل.
لا زالت العديد من التحديات قائمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وعلى الحكومة أن تكون في مستوى إنجاز المطلوب منها وفق التكليف الملكي والدعم الشعبي، من أجل وضع هذه التحديات في المسار الطبيعي، بعد هذا النجاح على المستوى السياسي والديمقراطي.
واليوم ينبغي التوجه رأسا إلى الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، باعتباره يمثل معيشة الناس؛ بدءا من مراجعة الأسعار والقوانين والأنظمة التي تحكم حياتنا، وانتشال السوق من أوضاعه الصعبة، وتجاوز كل أشكال العجز في الميزانية العامة للدولة، وتسريع وتيرة العمل في المشاريع على اختلاف أحجامها وقطاعاتها. فالانتخابات، كما أكد ذلك صاحب الجلالة محمد السادس، لم تكن غاية في حد ذاتها، بقدر ما هي وسيلة لتعزيز مصداقية المؤسسات، من أجل خدمة مصالح المواطنات والمواطنين. ولذلك، فهي اليوم تعد مدخلا للسعي من أجل تجسيد “النموذج التنموي الجديد” وتفعيل ” الميثاق الوطني من أجل التنمية”.
السيد رئيس الحكومة؛
وختم رئيس الفريق كلمته شاكراً السلطات المغربية لما تقوم به من مجهودات لخدمة هذا الوطن، قال:
لا يفوتنا في الأخير أن نوجه بالغ الشكر والتقدير للقوات المسلحة على جهودها في إطار الدفاع عن الوطن وعزته وكرامته، وكافة أطر الأمن الوطني على حراسة الوطن ومواطنيه والسهر على أمنه وأمانه وسلامته، والحفاظ على منجزاته ومكتسباته، وحماية وحدته وتلاحمه، ونشر الطمأنينة بين أبنائه وبناته، للدفع بعجلة السلم والاستقرار، وكل أفراد القوات المساعدة ورجال السلطة وأعوانهم والأطر الصحية التي شكلت الذراع الواقي في إطار المجهودات المبذولة لمواجهة وباء كورونا وتداعياته الصحية. إننا في فريق الأصالة والمعاصرة سنظل مساندين وداعمين لهذه الحكومة من خلال تقديم الملاحظات والاقتراحات البناءة والهادفة، والتنبيهات إن اقتضى الأمر ذلك، وكل ذلك من أجل إغناء وتجويد كل المشاريع والاستراتيجيات والبرامج التنفيذية، وكذا الإجراءات والتدابير التي تصب في خدمة المصالح العليا للأمة.