الصين: “ديب سيك” ثمرة رؤية طموحة للنظام التعليمي

يرى العديد من الخبراء أن نجاح شركة الذكاء الاصطناعي الصينية “ديب سيك” يجد أسسه في النظام التعليمي بالبلد الآسيوي.

وعلى مدى العقد الماضي، قامت المؤسسات التعليمية الصينية بادماج حلول التعلم القائمة على خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

ومن بين الأدوات المعتمدة في هذا النهج جهاز “سكوريل اي”، الذي تعمل خوارزمياته على تحليل بيانات التلاميذ لتكييف محتوى الدروس وصعوبتها مع احتياجاتهم. وتم استخدام هذه الأداة في 2014، حيث واكبت أكثر من 24 مليون تلميذ في جميع أنحاء البلاد.

وفي سنة 2017، كشفت بكين عن مخططها لتطوير الذكاء الاصطناعي للجيل القادم، وهي مبادرة تهدف لوضع البلاد كرائد عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول سنة 2030.

وتم ترجمة هذه الاستراتيجية على الخصوص عبر سياسة بيداغوجية تقوم على تدريس تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات منذ المرحلة الابتدائية، إلى جانب الحوافز الضريبية للشركات المساهمة في تطوير التقنيات التعليمية.

وفي دجنبر الماضي بدأت الصين مرحلة جديدة من استراتيجيتها من خلال الإعلان عن مخطط وطني يرمي لادماج تدريس الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية بدءا من المرحلة الابتدائية.

ويعتمد هذا المخطط على مقاربة تقوم على التدرج، وذلك عبر تدريس الأساسيات في المرحلة الابتدائية، ثم فهم أعمق للتطبيقات في المرحلة الإعدادية، انتهاء بتطوير مشاريع ملموسة في المرحلة الثانوية.

وفي مجال التعليم العالي، أحرزت المملكة الوسطى تقدما كبيرا، وهو ما يتضح من التصنيفات الدولية.

وبحسب آخر تصنيف لمؤشر نيتشر للمؤسسات الأكاديمية العالمية الصادر في يناير الماضي احتلت جامعة هارفارد الأمريكية المركز الأول، متبوعة بثماني مؤسسات صينية، من بينها الأكاديمية الصينية للعلوم (المركز الثاني)، وجامعة العلوم والتكنولوجيا الصينية (المركز الثالث)، وجامعة بكين (المركز الرابع)، وجامعة نانجينغ (المركز الخامس).

وهكذا نجح النظام التعليمي الصيني تدريجيا في ترسيخ مكانته كفضاء للتميز، ومواكبة تطور الشركات المبتكرة.

وتراهن سياسة التوظيف في “ديب سيك” على المواهب الشابة في بداية مسارها المهني. وذكرت وسائل إعلام صينية نقلا عن عن ليانغ وينفينغ مؤسس الشركة الناشئة أن “المناصب التقنية الرئيسية يشغلها في الغالب خريجون جدد أو موظفون لديهم خبرة عمل تتراوح بين عام وعامين”.

وبحسب الصحافة المحلية، تعتمد الشركة على فريق مكون من 150 باحثا ومهندسا من الجامعات الوطنية، يدعمهم 31 متخصصا في أتمتة البيانات.

ومن بينهم جاو هوازو، خريج في تخصص الفيزياء من جامعة بكين، وزينغ وانجدينغ، طالب في سلك الماستر بمعهد الذكاء الاصطناعي بجامعة بكين للبريد والاتصالات، وكلاهما يعتبران من المبتكرين الرئيسيين في بنية نموذج “ديب سيك”.

ويضم الفريق أيضا جو دايا، وهو حاصل على الدكتوراه من جامعة صن يات صن سنة 2023، وتشو تشيهاو وداي داماي، اللذين حصلا مؤخرا على الدكتوراه من جامعة بكين.

وأشارت وسائل إعلام صينية أن الموظف السابق في شركة “ديب سيك” لوه فولي (29 عاما) تلقى عرض عمل بأجرة سنوية قدرها عشرة ملايين يوان (1,4 مليون دولار) من لي جون، مؤسس شركة التكنولوجيا العملاقة شاومي.

وتمكنت “ديب سيك” من الاستفادة من الكفاءات التي تخرجت من النظام التعليمي الوطني، حيث يجسد تطورها تحقيق طموحات بكين في مخططها لتطوير الذكاء الاصطناعي من الجيل القادم.

ويبرز هذا التطور أيضا المنافسة الصينية الأمريكية في مجال الابتكار وجذب المواهب، وهي دينامية من شأنها أن تعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية في العقود المقبلة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد