أكد أشرف إبراهيم أشرف، لوسائل الإعلام المغربية والمصرية خلال عهدته السابقة، سفيرا لجمهورية مصر العربية بالرباط، على أهمية الثقافة في بناء علاقات متينة بن المغاربة وأشقائهم المصريين.
وأوضح السفير المصري قيد عهدته، :”تولي سفارتنا بالرباط أهمية كبرى لتفعيل التعاون الثقافي بين البلدين من خلال مستويين: دعم الثقافة المغربية لكي تصل إلى مصر، ودعم الثقافة المصرية لتجد لها مكانا واسعا داخل الفضاء المغربي، عبر تنظيم تظاهرات ثقافية وفنية على مدار السنة؛ والتواصل مع العديد من الفاعلين في الحياة الثقافية المغربية بكافة مكوناتها، للوقوف على رؤيتهم لتطوير العلاقات الثقافية ودفعها إلى آفاق أرحب وأوسع”.
يقول الشاعر المغربي وشيد الياقوتي إن تاريخ العلاقات بين المغرب ومصر يفوق بكثير ستة عقود من العلاقات الدبلوماسية، إنه تاريخ مشترك يشهد على متانة الروابط بين الشعبين بما يحفل به من إرث روحي وثقافي وحضاري، ومحبة متجذرة بين الشعبين المغربي والمصري.
ولعل متانة هذه الأواصر الأخوية تأسست منذ القدم على أساس ديني لغوي ثم ثقافي لاحقاً. لقد رحل إلى مصر وٱستقر بها علماء و متصوفة مغاربة كُثر بداية من القرن السادس الهجري، إذ زارها علماء من أمثال الشيخ الشاذلي والشيخ أحمد البدوي الذي أقام بالإسكندرية. وجدير بالذكر أن نشير أن مصر كانت مركزاً للإشعاع الحضاري والثقافي في الشرق الأوسط. وقد لاقى المغاربة من قبل المصريين، حكاما وشعبا، ترحابا كبيرا، و عومل الوافدون المغاربة بعناية خاصة تشهد على انفتاح المصريين على باقي الشعوب واحتضانهم للقامات الفكرية البارزة، مما شجع كثيرا من العلماء المغاربة على الاستقرار بصفة نهائية بأرض الكنانة والاندماج كليا في نسيجها الاجتماعي والعرقي.
وتواصل التلاقح الثقافي بين البلدين، يضيف الياقوتي من خلال المناظرات والمحاورات الفقهية بين الرحالة المغاربة بالمجالس العلمية بمصر في فترات لاحقة. كما كانت مواسم الحج فرصة سانحة للمغاربة ليعرجوا، قادمين من بلاد الحجاز، على أرض الكنانة، فضلا عن الكتب التي تم تبادلها بين الطرفين. وقد تعود العلماء إقتناء الكتب والمصنفات من الأسواق المصرية وحملها في طريق العودة خلال مواسم الحجيج مما ساهم في انتعاش سوق الكتاب بمصر.
للأسباب التي وردت يعتبر المركز الثقافي المصري بالرباط حلقة ذهبيةً في تاريخ هذه العلاقات الموغلة في القدم والمتسمة بتعدد تجلياتها. إذ يحرص على بذل جهود كبيرة للحفاظ على متانة الوشائج الأخوية بين الشعبين المصري والمغربي. ووفقاً للأعراف الدبلوماسية ينتظم المركز الثقافي المصري تحت وصاية السفارة المصرية، وتسهر إدارته على مد جسور التعاون الثقافي بين البلدين وذلك بوضع خطط برامج متنوعة، تشمل كل أجناس الثقافة.
كما تروم السفارة المصرية عبر تجسيد عرى الصداقة والتعاون بصفة واقعية وفعالة، تضمن إستمرار وجودة العلاقات بين البلدين. وقد إستطاع المركز الثقافي المصري، الذي أنشئ بالرباط قبل 60 عاماً، أن يصبح مركز إشعاع وجذب بفعل كثافة انشطته وانفتاحه على المبدعين والمفكرين المغاربة من كل الأجيال والحساسيات. وينخرط دور المركز الثقافي المصري ضمن أدوار عديدة قومية تقوم بها الدولة المصرية عبر سفاراتها لتعزيز سبل التعاون بين البلدان العربية بترسيخ مبدأ الوحدة وتبادل الخبرات، خدمة للمصالح القومية العربية.
وتندرج أنشطة المركز الثقافي في هذا السياق، حيث تشمل مختلف أوجه التبادل الثقافي والفني. وقد دأب المركز على تنظيم عدة أنشطة باحتضان مثقفين مغاربة يشاركون في الندوات والحفلات والأماسي الشعرية والمعارض التشكيلية. كما تحرص إدارة المركز على تمتيع الناشئة من الأطفال المتمدرسين بزيارات لمرافق المركز لإطلاعهم على الحضارة المصرية من خلال المكتبة والمتحف الفني.
كما تتضمن العلاقات الثقافية بين البلدين تبادل الفرق التليفزيونية، وكذلك البرامج بين هيئتي الإذاعة والتليفزيون، علاوة على تنظيم واستضافة دورات تدريبية في المجالات التليفزيونية والإذاعية المختلفة لتبادل الخبرات بين البلدين.
ودائما ضمن العلاقات الثقافية والفنية كانت مصر قبلة لكثير من الفنانين المغاربة، مطربين وسينمائيين طيلة عقود من الزمن للمشاركة في تظاهرات موسيقية، تتوجت بأعمال غنائية مشتركة؛ و شهدت الفترة الأخيرة تعاونا كبيرا بين السينمائيين المغاربة و نظرائهم المصريين كما ظلت القاهرة ومراكش عاصمتين لسينما البلدين من خلال الإحتفال بأبرز الأفلام والمخرجين والممثلين، يشهد على ذلك أسبوع الفيلم المغربي بمشاركة 12 فيلما مغربيا الذي إحتضنته القاهرة سنة 2017، إذ صرح سفير المغرب بمصر على هامش المهرجان أن “المغزى هو العمل المشترك والاجتهاد والابتكار لجعل الحياة أرحب من خلال الإنتاج السينمائي، وجعل هذا الأسبوع فرصة بين المملكة المغربية وبين جمهورية مصر العربية للاستفادة المتبادلة والتعاون من أجل زرع الأمل والإبداع المشترك وتنوير العقول وللانفتاح على آفاق أرحب”.
أما بالنسبة للعلاقات الإعلامية فقد شهدت تطوراً إيجابياً، حيث تم تشكيل اللجنة الإعلامية المشتركة تنفيذاً لتوصيات أول بروتوكول إعلامي بينهما في عام 1988، حيث عقدت اللجنة أولى اجتماعاتها في الرباط في يناير 1994.. إذ تم تبادل الفرق التليفزيونية لتصوير برامج حول البلدين.. وقد أكدت الدورة السادسة للجنة العليا بين البلدين في مادته الثامنة على استمرارية التعاون بينهما في مجالات الإعلام المختلفة.
وكما ورد في إحدى الدراسات المنشورة بصحيفة (الوطن) المصرية فإن على المستوى القومي يعتبر المغرب ومصر ركيزتين أساسيتين لضمان إستقرار وتماسك الأقطار العربية. وذلك بفضل جذورهما التاريخية الضاربة في العمق، إذ تحتل كل منهما موقعا استراتيجيا مهما، بما يحتم عليهما بناء شراكة استراتيجية تسمح بمجابهة التحديات المحدقة التى تواجه العالم العربى وتؤثر على أمنه القومي”، والمتعلقة بمكافحة الإرهاب والتطرف، والنجاح فى تحقيق التحول الديمقراطي والنقلة المطلوبة لاقتصاد البلدين وإعطاء دفعة للقطاع الخاص، لكي يكون قاطرة للنمو الاقتصادي الذي يلبي تطلعات شعبيهما.
أما على المستوى الاقتصادي فإن “اتفاقية أكادير” التى تجمع المغرب ومصر (بالإضافة إلى تونس والأردن)، والتى دخلت حيز التنفيذ عام 2007 ، تعد “فرصة لزيادة التجارة البينية بين البلدين”، إذ أن تفعيل هذه الاتفاقية على أرض الواقع يمثل أولوية فى المرحلة الحالية، وصولا إلى تكوين سوق كبيرة تجمع الدول الأعضاء فى الاتفاقية، فضلا عن الاستفادة من تراكم المنشأ بالنسبة إلى المنتجات التي يتم تصنيعها فى البلدين ودخولهما إلى أسواق دول ثالثة، استفادة من اتفاقيات التجارة الحرة التى تكون مصر أو المغرب طرفا فيها.
هكذا نكون قد قمنا، يورد رشيد الياقوتي، بجرد مقتضب لتاريخ العلاقات المغربية المصرية، هذه العلاقات الموثقة في بطون أمهات الكتب، والتي تغذي مشاعرنا الأخوية، وتُبقي على متانة روابطنا في الحاضر والمستقبل، إننا جيل اليوم مغاربة ومصريين مطالبون ببذل المزيد من الجهود لتعزيز هذه الروابط خدمة لبلدينا، ولعل الفن والثقافة هما الركيزتان الأساسيتان لمزيد من التلاحم.
وتاريخ العلاقات بين مصر والمغرب أخذ أيضاً جانب الدعم العسكرى، وهناك حديث عن رحلات المغاربة الذين ساندوا مصر فى أزمنتها الصعبة، من قبيل حديث المؤرخ الجبرتي عن أفواج المغاربة الذين قدموا إلى مصر للجهاد ضد حملة نابليون، وكذا حضور الجنود المغاربة فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973 على الجبهتين المصرية والسورية.
ويسجل التاريخ الحديث دعم مصر لاستقلال المغرب، واستقبال مصر لزعيم المقاومة فى الريف وأحد أعظم مؤسسي المقاومة الشعبية للاحتلال فى التاريخ العالمي المعاصر، الزعيم عبدالكريم الخطابى، أمير المقاومة فى الريف بشمال المغرب والذي قاوم الاحتلال الإسبانى، ثم الفرنسي، بشكل سجّله له التاريخ بأحرف من نور، وبقي فى مصر لفترة.
ومن المحطات التاريخية الأخرى، إطلاق الزعيم المغربى علال الفاسي نداء القاهرة بعد نصف الساعة من خروج الملك محمد الخامس إلى المنفى عام 1953، وإسهام مصر فى مرحلة كفاح المغرب من أجل الاستقلال والدور المهم لإذاعة «صوت العرب»، ومكتب تحرير المغرب العربي، الذي لعب دوراً فعالا في هذه المرحلة التاريخية من تاريخ المغرب الحديث. وكذلك هناك مشاركة الملك محمد الخامس فى وضع حجر أساس السد العالي مع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.
وعلى المستوى الروحي، كان لمصر دور فى نقل الإسلام إلى المغرب، ودور آخر فى النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة، فى التسهيل والتستر على المولى إدريس الأول كي يمر إلى المغرب، وما ترك هذا العمل من آثار لا حدود لها فى العلاقات بين البلدين، فوصول الأدارسة فراراً من الاضطهاد العباسي إلى المغرب، واستقبالهم من المغاربة ومعرفة من ساعدهم فى هذا الوصول ترك أثراً طيباً فى نفوس المغاربة. كما ثمة ندية ثقافية بين الشعبين، فالثقافة المصرية جزء أصيل من التكوين الروحي المغربي والإرث المغربي الروحي ماثل فى مصر من التصوف، إلى العمارة، إلى الموسيقى.
والأزهر باعتباره مركز العالم الإسلامي منذ قرون، شيده المغاربة، وعمارته عبارة عن نسخة من مسجد القرويين فى فاس عاصمة المغرب العلمية، التي كان ينطلق منها ركب الحج إلى مكة، عبوراً من مصر، والزائر المغربي للأزهر يرى التشابه القوي بمسجد القرويين، خصوصاً فى الركن الفاطمي.
أما على المستوى الثقافي والفني، فلا تزال مصر إلى اليوم قبلة المثقفين والفنانين المغاربة وبوابتهم للعبور إلى الشهرة. هذا وقد شكلت روايات نجيب محفوظ وطه حسين ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس وغيرهم، وجدان القارئ والمثقف والمفكر المغربي، فيما لا تزال أصوات أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ تصدح فى مختلف الأسواق الشعبية المغربية التى احتفظت بوفائها لمطربي مصر، مطربي الزمن الجميل.
ولا يخفى على أحد الصداقة التى جمعت العندليب بالملك الراحل الحسن الثانى، والتقدير الكبير الذى كان يكنه هذا الأخير للسيدة أم كلثوم التي كانت لها زيارة تاريخية للمغرب، بمناسبة احتفالات المملكة بعيدها الوطني، حيث حرص الملك الحسن طوال الزيارة على أن يتابع بنفسه مقام «أم كلثوم» بالمغرب، وأن يعطي تعليماته بالسهر على راحة «أم كلثوم» ومرافقيها.
إن ما يجمع بين المغرب ومصر هو أكبر بكثير من ستين عاماً من العلاقات الدبلوماسية، فهو تاريخ مشترك حافل، وإرث روحي وثقافي وحضاري، ومحبة متجذرة بين الشعبين، يجب ألا يسمح لأحد أو لجهة بالمساس بها أو محاولة النيل منها أو إطفاء وهجها، بحيث تبقى المحبة فى دارها وتستمر مسيرة التلاحم بين البلدين الشقيقين.