من خلال استخدام أحدث التكنولوجيات في مجال الجراحة الروبوتية، نجح فريق طبي مغربي بقيادة يونس أحلال، أخصائي في جراحة المسالك البولية والتناسلية وخبير في الجراحة الروبوتية والجراحة عن بعد، في إجراء عملية استئصال كامل للبروستاتا عن طريق جراحة روبوتية عن بعد، على بعد مسافة قياسية بلغت 12 ألف كيلومتر بين الدار البيضاء وشنغهاي. وفي حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، يسلط البروفيسور أحلال الضوء على تفاصيل وحيثيات هذا الإنجاز الطبي المتميز، كما يستعرض مميزات وفوائد الجراحة الروبوتية عن بعد، بالإضافة إلى التحديات المرتبطة بهذا النوع من العمليات.
1- قمتم مؤخرا رفقة فريق طبي مغربي، بإجراء عملية ناجحة لاستئصال كامل للبروستاتا باعتماد الجراحة الروبوتية عن بعد، على مسافة قياسية بلغت 12 ألف كيلومتر بين الدار البيضاء وشنغهاي، ما يمثل رقما قياسيا عالميا جديدا في تاريخ الجراحة عن ب عد. هل يمكن أن تحدثنا بشكل أكبر عن تفاصيل هذه العملية ؟
يتعلق الأمر بعملية معقدة لعلاج سرطان البروستاتا الموضعي باستخدام تقنية متطورة للجراحة عن ب عد. حيث تم الاعتماد خلال هذا التدخل الجراحي على الروبوت الجراحي “تومي” (Toumai)، مقترنا بمنصة اتصال متطورة تتيح نقلا فوريا لأوامر الجراح بدقة مطلقة وصور ثلاثية الأبعاد عالية الدقة.
وقد قمت بإجراء العملية من شنغهاي(الصين)، على مريض مغربي بالدار البيضاء، بدعم من فريق طبي وتقني متكامل كان يتواجد طيلة العملية قرب المريض.
بالفعل، هذه العملية تعد إنجازا فريدا من نوعه، حيث إنه لأول مرة يتم القيام بعملية على مسافة تبلغ 12 ألف كلمتر، من مدينة شنغهاي في الصين إلى مدينة الدار البيضاء في المغرب، وهو إنجاز تاريخي حطمنا من خلاله الرقم القياسي لأطول مسافة تقام منها هذه العملية الجراحية على المستوى العالمي.
يؤكد هذا الإنجاز المغربي أن المنظومة الصحية ببلادنا تواكب التطورات التكنولوجية الحديثة، وتسير بخطى ثابتة وواثقة من أجل تعزيز الاستقلالية والسيادة الصحية للمملكة.
2- يتعلق الأمر كما قلتم بعملية معقدة، باعتماد تقنيات حديثة، فما هي التحديات التي تشملها الجراحة عن بعد خاصة من هذه المسافة الكبيرة؟ وكيف تمكنتم من تجاوزها؟
يشمل هذا النوع من الجراحة تحديات كبيرة، يتعلق التحدي الأول في توفير شبكة إنترنت سريعة جدا، لأن زمن التفاعل بين أوامر الجراح في الصين واستجابة الروبوت في المغرب يجب أن يكون قصيرا جدا، والمقصود هنا بزمن التفاعل هو عندما يعطي الطبيب الجراح أمرا يجب أن يصل في حينه للجهة التي يوجد فيها الروبوت، لتنفيذ ذلك الأمر. وهنا يتجلى الدور الهام لفرق المهندسين والتقنيين الذين اشتغلوا على هذا الجانب. كما أن الجراح يكون يشتغل من خلال صورة ثلاثية الأبعاد ذات جودة عالية جدا، لذا يجب أن يكون الاتصال دقيقا ومضبوطا وله جودة عالية جدا.
التحدي الثاني هو التوفر على روبوت جراحي من آخر التكنولوجيات الحديثة، حيث إن الروبوت الجراحي هو المنصة التي تكون بين الطبيب الجراح والمريض، وهو الذي يمكن الطبيب من إجراء العملية بطريقة أكثر راحة حيث يكون جالسا على كرسي بشكل مريح مما يقلل من عياء الطبيب وبالتالي يمكنه من إجراء الجراحة في ظروف جيدة تساهم في الحصول على أفضل النتائج.
كما أن الروبوت الجراحي يمكن من الوصول إلى مناطق تكون بعيدة في الجسم مثل غدة البروستات التي كانت محور هذه العملية، ومن المعروف أن غدة البروستات بعيدة وعميقة وتحيط بها أعضاء مهمة (أعصاب الانتصاب والعضلات التي تمكن المريض من التحكم في التبول)، إذا أن التحدي يكمن في استئصال البروستاتا مع الحفاظ على هذه الأعضاء التي تكون رقيقة وصغيرة.
ويتجلى التحدي الثالث في التواصل بين مختلف الفرق المتدخلة، يجب أن يكون هناك انسجام من أجل ضمان تواصل سلس وهذا ما نجحنا فيه بفضل العمل المسبق والتجارب القبلية التي قمنا بها.
يكمن التحدي الرابع في عدم وقوع أي عطب تقني خلال العملية، حيث يكون هناك فريق من التقنيين والمهندسين الذين يحرصون قبل العملية وطيلة مدة إجرائها على تتبع ومراقبة أدق التفاصيل التقنية.
ومن أجل مضاعفة الاحتياطات والتأكد من سلامة المريض، كان هناك طاقم طبي متكامل يضم أطباء جراحين متخصصين في جراحة المسالك البولية والتناسلية، وخبير في جراحة الروبوت برفقة المريض بالدار البيضاء.
كان هناك عمل طويل ومهم وراء إنجاز هذه العملية بنجاح، هذا العمل شاركت فيه فرق من اختصاصات متعددة. التحضيرات بدأت حوالي أربعة أشهر قبل موعد العملية، وهو ما مكن الفرق الطبية والتقنية المشاركة في العملية من العمل جنبا إلى جنب والتنسيق فيما بينها، بالإضافة إلى توقع مختلف السيناريوهات واقتراح الحلول المناسبة للحيلولة دون وقوع أي مفاجآت خلال العملية.
وبالفعل، بفضل تضافر جهود جميع المتدخلين، ثم المهنية والكفاءة العاليتين التي أبانت عنهما كافة الأطقم الطبية والتقنية، كانت العملية ناجحة بكل المقاييس وتمكنا من إجراء هذه العملية في ظروف جد جيدة وبشكل سلس.
3- ما هي مميزات الجراحة الروبوتية بالمقارنة مع الجراحة التقليدية؟
هذا النوع من العمليات له فوائد عديدة جدا، فهي تدخل في إطار العمليات خفيفة التوغل (mini invasive)، فعندما نقوم بالعملية بطريقة تقليدية يجب فتح بطن المريض مما يؤدي إلى آلام كبيرة وتستلزم مرحلة الشفاء إبقاء المريض في المستشفى لعدة أيام، في حين أنه بالجراحة الروبوتية لا يكون هناك أي جرح تقريبا (جرح صغير يبلغ بضع ملمترات)، وهو ما يجعل المريض لا يحس بأية آلام بعد الجراحة، بالإضافة إلى أن النزيف يكون قليلا جدا، وبهذا ورغم أن العملية تكون معقدة يمكن للمريض أن يخرج في اليوم نفسه من المستشفى ويمكنه العودة إلى مزاولة أنشطته وحياته العادية في وقت قصير مقارنة بالجراحة التقليدية.
كما أن نسبة النجاح في العمليات بالروبوت تكون أكبر من العمليات التقليدية، حيث إن الروبوت يمكننا من القيام بحركات دقيقة جدا، بالإضافة إلى أن الرؤية التي تكون ثلاثية الأبعاد بجودة عالية تمكن الجراح من استهداف بالضبط العضو أو المنطقة التي يريدها وبالتالي تكون النتيجة أكثر دقة بالمقارنة مع الجراحة التقليدية التي قد يعاني الطبيب الجراح في بعض الأحيان من صعوبة الرؤية والتحكم في بعض التفاصيل التي تكون دقيقة جدا.
وتعد العملية الجراحية عن بعد ذات فوائد كبيرة جدا بالنسبة للمرضى الذين يعانون من الأمراض النادرة، التي لا يوجد عدد كاف من المتخصصين فيها، حيث يمكن للطبيب الجراح القيام بالعملية عن بعد، دون حاجة تنقله أو تنقل المريض.
وللإشارة فإن هذا الروبوت الذي تم استخدامه خلال هذه العملية، يعد آخر التكنولوجيا المتوفرة في المجال، ويمكن الاشتغال به في أغلب الجراحات، مثل تلك المتعلقة بالجهاز العظمي، والبنكرياس، والمعدة، والكبد، والرئة، بالإضافة إلى جراحة الأنف والحنجرة، وغيرها. مثلا نعلم أن استئصال الغدة الدرقية يترك ندبة كبيرة، الآن وبفضل الجراحة الروبوتية يمكن الولوج إلى الغدة الدرقية من تحت الإبط وبالتالي ضمان عدم وجود أية ندبة بعد العملية، كما أنه باعتبار أن الغدة الدرقية يوجد بقربها أعصاب رقيقة، فإن دقة الروبوت تمكن من استئصال الغدة الدرقية بدون المساس بتاتا بهاته الاعصاب.
4- ما هي تكلفة هذا النوع من العمليات؟
يتعلق الأمر بعمليات جراحية تعتمد على تكنولوجيا حديثة ومتطورة وبالتالي تكون تكلفتها حوالي ضعف تكلفة العملية التقليدية. ولكن أظهرت دراسات تم القيام بها في كندا بالنسبة لعمليات استئصال المثانة، أن التكلفة الأولى لعملية الروبوت تكون عالية، إلا أنه عند احتساب المصاريف التي تم صرفها بعد العملية التقليدية على مدى ثلاثة أشهر، تصبح تكلفة العمليتين متقاربة.
وتم خلال هذه الدراسات أخذ بعين الاعتبار أن المريض الذي أجرى الجراحة الروبوتية يمكنه مغادرة المستشفى في نفس اليوم أو بعد يوم من إجراء العملية، كما أن نتيجة العملية تكون عالية الجودة، أي أن الأعراض الجانبية ستكون أقل بكثير، وبالتالي لن يستهلك أدوية كثيرة، مقارنة بالجراحة التقليدية.
5- كيف ترون مستقبل الجراحة الروبوتية عن بعد في المغرب؟
أظن أن المغرب يسير بخطى ثابتة في ما يخص مواكبة التكنولوجيات الحديثة، واليوم علينا مضاعفة العمل من أجل تعميم هذا النوع من الجراحات وتوفيرها للمرضى الموجودين في مناطق نائية أو غير مجهزة بشكل جيد.
يجب أيضا التذكير بأن الجراحة بالروبوت دخلت إلى المغرب حديثا منذ بضعة أشهر فقط، ولكي نتمكن من مواصلة ونجاح هذه العمليات بالمغرب علينا العمل على تدريب مواكبة الجراحين المغاربة في مختلف المدن المغربية من أجل تكوين متخصصين في الجراحة الروبوتية والجراحة عن بعد.