الدكتور اسليمة امرز باحث في المسرح الحساني “المادة الدرامية المقدمة يعتريها الوهن والاسفاف

الدكتور اسليمة امرز من مواليد 1979 بطانطان استاذ التعليم الثانوي نائب رئيس المكتب الاقليمي للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية بجهة كلميم. له العديد من المؤلفات منها ” اشكالية الفرجة في التراث الشعبي الحساني ” ” ثقافة الصحراء والتنمية” ” الامل بابعاد ثلاثية “” الثقافة الحسانية الحمولات التربوية وسؤال الادماج في المنظومة التعليمية ” كان معه هذا الحوار :

اولا مرحبا بك وشكرا على تخصيصنا جزء من وقتك

العفو أخي الكريم ، ومرحبا بك وبالمصدر ميديا ومتتبعيه

كيف تقضي فترة الحجر ؟

دعني بداية أتقدم لكم ولجميع متتبعيكم بأحر التهاني وتحقيق الأماني بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا وعليكم باليمن والبركات وبلغنا وإياكم العشر ورفع عنا وعنكم الشر والحجر وأكرمنا بليلة القدر.

عطفا على سؤالكم حول قضاء فترة الحجر، لا أخفيك أن الأمر كان صعبا سيما بعد تمديد مدة الحجر والتباعد الاجتماعي، لكونه قد تزامن مع شهر رمضان المبارك بما يحمل هذا الشهر من حمولة دينية وطقوسية واجتماعية، بالإضافة إلى أن هذه الظرفية الاستثنائية فرضت نوعاً من العزلة والوحدة الإجبارية التي لا تتلاءم مع الخصوصيات الدينية والثقافية لهذا الشهر، وذلك لظروف صحية ووقائية هدفها مصلحة الانسان.

ومع ذلك نحاول التأقلم مع هذا الوضع الاستثنائي وتطبيق الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي والمكوث بالمنزل من خلال تزجية الوقت في بعض الاعمال المنزلية والمساعدة فيها، إضافة إلى المطالعة وإعادة النظر والتأمل في بعض المسلمات .

رب ضارة نافعة ، هي حكمة المؤمن الذي يحتوي اللحظات الصعبة ويستثمرها فيما هو اكثر ايجابية، ومن محاسن هذا الحجر القدرة على الاقلاع عن بعض العادات السيئة كالتدخين ولله الحمد.

من خلال شبكة البرامج كيف تنظر الى الانتاجات الرمضانية بقناة العيون الجهوية ؟

يصعب علي الإجابة بصفة العموم على سؤالكم، لأني غير متابع لكل البرامج والإنتاجات الرمضانية بقناة العيون الجهوية مع سبق الإصرار. وللأمانة وتحري الدقة قد تابعت الحلقات الأولى من المادة الدرامية المقدمة ولم استطع اكمالها نظرا للوهن والاسفاف اللذين يعتريهما على المستوى الإبداعي والفني وغياب التصور وحفظ الخصوصية. ليكون الملاذ شد الرحال لمحطات عربية أخرى. إلا أن بعض البرامج الثقافية التي دأبت محطة العيون على بثها في شهر رمضان كـ “الجمل بما حمل” و “سباق القوافي” قد حفظت ماء وجه القناة برأيي، ضف على ذلك مسابقة القناة لحفظ وتجويد القرآن الكريم وما تيسر من المادة الوثائقية.

على العموم، إن موضوع تقييم الانتاجات الرمضانية التي تبثها القنوات المغربية عموما ومن بينها قناة العيون لهو موضوع متجدد يثير نقاشا سنوياً في المغرب حول الانتاجات الفنية المحلية في شهر رمضان . وفي كل عام يجمع المشاهدون والنقاد على رداءة تلك البرامج مطالبين بضرورة تشديد شروط اختيار أعمال تحترم ذوق المشاهد الذي يمول تلك القنوات. وما قيل هنا عن الأصل ينطبق على الفرع.

كيف تنظر الى المسرح بالاقاليم الجنوبية ؟

أنظر إلى المسرح في ربوعنا بعين طوطمية محملة بآفاق وآمال جسيمة… طبعا كغيري من المهتمين بالمسرح الحساني أواكب عن كثب كل ما يحوم بالركح الحساني، من خلال متابعة العروض المسرحية محاولا مواكبتها بالتأريخ لها ودراستها، بالإضافة إلى البحث عن سبل لعرض المنتوج المسرحي الحساني في مناطق أخرى من خلال المشاركة في التظاهرات والمهرجانات المسرحية، وبالتالي تقديم تجربتنا المسرحية للآخر والتعريف بها إبداعا ونقدا.

وبالرجوع إلى سؤالكم وبكل أمانة فقد حقق المسرح الحساني في مدة وجيدة تراكما إبداعيا كبيرا مكنه من خلق حساسية جديدة في المشهد المسرحي المغربي ولك أن تستحضر حصيلة الدورتين السابقتين من المهرجان الوطني للمسرح بتطوان لتدرك أننا على السكة الصحيحة، وأكاد أجزم أنه لو توفرت الشروط الملائمة لممارسة مسرحية سليمة في الصحراء لوجدت أن المسرح قد تسيد المشهد الثقافي الحساني إن لم نقل أنه سيصبح ديوان الثقافة الحسانية الجديد.

البعض يقول ان المسرح بالجنوب يفتقد الى كتاب لديهم دراية بالمجال، ماردك ؟

غير صحيح على الاطلاق، أقول لك أن أحد أبرز أسرار تطور المسرح في الصحراء، وجود نص مسرحي ناضج وذا رؤية، ضف على ذلك أن كتاب المسرح في الصحراء يتسمون بميسم قد لا تجده في بقاع أخرى.

إن الكاتب المسرحي في الصحراء يكتب للركح لا للأدب، وفي الغالب تجد هؤلاء الكتاب يشتغلون جنبا إلى جنب المخرجين هذا إن لم نقل أنهم في بعض الأحيان يكونوا مخرجين لعروض نصوصهم.

ومما لا يدع مجالا للشك، فإن التطور الكبير الذي عرفته تجربة المسرح الحساني يرجع بالأساس إلى وعي رجالاته بالتزاماتهم تجاه هذا الفن وباعتمادهم على قدراتهم وإدراكاتهم الأدبية والفنية والابداعية، ناهيك عن نضالاتهم الثقافية المستميتة في سبيل إثبات الوجود وخلق التميز بالرغم من الاكراهات والعوائق الكثيرة.

باعتبارك باحث في التراث ما مدى استفادة المسرح من ذلك ؟

إن إشكالية تأصيل الخطاب المسرحي العربي عموما ارتبطت في أذهان الكثير من المسرحيين العرب بالتراث، وكان طبيعيًا أن تبرز لديهم ثنائية الأصالة والمعاصرة، بوصفهما تحققان وحدة باطنية عضوية تعبر عن الرؤية المعاصرة للتراث التي تفرض علينا أن نتعامل معه كمواقف وحركة مستمرة من شأنها أن تساهم في تطوير التاريخ وتغييره نحو القيم الإنسانية المثلى، لا أن تقتصر نظرتنا للتراث على أنه مادة خام تنتمي إلى الماضي الذي انتهت وظيفته. وهذا أمر مرت منه كل التجارب العربية ومن بينها التجربة الحسانية . ولأن المسرح شكل من أشكال التعبير، وأداة من أدوات التواصل الثقافي بين أبناء الجنس البشري، فقد برزت الحاجة إلى ضرورة أن يأخذ المسرح دوره في الساحة العربية بعيدًا عن الاستسلام والهيمنة التي يفرضها الشكل الأوروبي للمسرح، ذلك أن هيمنة شكل المسرح الواحد، وعملية النقل الحرفية دون دراسة وتمثيل واستيعاب، تجعلان المسرح سلطة ليس من السهل الفكاك منها، بل إن خطورة نقل هذا الشكل والإذعان له من شأنها أن تقتل الأنشطة والظواهر الجانبية، وتعرقل نشأة مسرح خالص يحمل هوية مستمدة من الموروث الشعبي والتاريخي.

فتوظيف التراث في المسرح يتيح الفهم الموضوعي للذاكرة التراثية وتفسيرها ضمن سياقات متعددة يمكن من خلالها نقد الحاضر في ضوء معطيات الماضي، ومن خلال أشكال الفرجة المسرحية والظواهر الدرامية يمكن أن يحقق توظيف التراث رهان الحداثة والتجديد الذي من شأنه الوقوف في وجه المحاولات الرامية إلى طمس الهوية العربية الإسلامية، وترسيخ قيم فكرية وفنية وجمالية تتجاوز التقليد والاستنساخ المبرمج للمنتج المسرحي الغربي، وذلك بهدف تأسيس حوار نقدي جدلي عبر تعميق ثنائية الأصالة والمعاصرة والأنا والآخر، في محاولة لتأصيل مسرحنا.

البعض يقول كلمة باحث في التراث اصبح تميعها اعلاميا لكل من هب ودب تعطى له الصفة ما جوابك ؟

لا أملك جوابا محددا، لأني لا أملك سلطة المنح والمنع، لكن قد يكون الجواب الموضوعي لسؤالكم رهين بتقديم حصيلة البحث قبل منح الصفة، بمعنى أن الباحث وهي صيغة ” اسم الفاعل” مرتبطة بممارسة الفعل وهو هنا فعل البحث، الذي يشترط القيام به ليأخذ الفاعل مشروعيته في فعله. أي مكانة الباحث ومشروعيته في حمل الصفة مرتبطة أساسا بحصيلة بحثه وانتاجاته ومشروعه البحثي.

ما سوى ذلك، فالأمر مجرد صنع اعلامي، أو فرقة اعلامية لا غير، وللبيت رب يحميه.

كيف تنظر الى واقع المسرح بالصحراء ؟

واقع يلفه الغموض ….
هذا الغموض مرتبط بإعادة صياغة السؤال :
– ما هو مآل تجربة مسرحية تنشط تحت مظلة “جمعيات” لا كمقاولات فنية، وقانون الجمعيات لدينا محكم بفعل التطوع.
– ما مستقبل المسرح الحساني المشروط بدعم الوزارة ضمن مشاريعها ؟ أليس هذا تناقض مع ورش الجهوية الذي باشره المغرب.
– ما هي آفاق المسرح الحساني، وهو بالكاد الآن يفتقد ولو لتظاهرة او مهرجان واحد منتظم يمكن أن يكون مجالا لتبادل التجارب والانفتاح والتقييم والتطوير.
– هل سنتحدث مستقبلا عن مشروع المسرح الحساني في غياب بنية تحتية وقاعات مناسبة للممارسة المسرحية ومعاهد للتكوين، ونحن بالكاد قطعا (أشواطا) من مسيرة النموذج التنموي.
إزالة هذا الغموض رهين في اعتقادي بــ:
– ضرورة وضع المسرح ضمن برامج السياسات العمومية محليا وجهويا.
– الأخذ بعين الاعتبار التوزيع الجغرافي والعدالة المجالية في تمويل المشاريع الثقافية من لدن الوزارة الوصية.
– إعادة النظر في هيكلة لجان الدعم وضرورة تطعيمها بتمثيليات خاصة بالمسرح الحساني والامازيغي.
– صياغة قوانين ومساطر تنظيمية خاصة بالفرق المسرحية تتناغم مع قانون الفنان والمهن الفنية وتسريع تنزيله إجرائيا.
– إعادة النظر في مفهوم الفعل النقابي ضمن ممارستنا المسرحية من خلال انكباب المكاتب الإقليمية والمحلية على تحريك المياه الآسنة في بركة العمل الفني والانتاج الدرامي بالصحراء وتصفيته من المنبع لا من المصب.
– اعتماد الحكامة في تدبير المال العام الموجه للمشاريع الفنية بعيدا عن المحاباة والمصالح الخاصة .
تلكم بعض الهواجس التي تتملكني كما غيري من الفعاليات الثقافية بالصحراء أردت مشاركتها معكم لعل واقع مسرحنا يتخذ المسار الصحيح بعد المفترق.

باعتبارك محتك بالمسرحين كيف هو واقعهم الاجتماعي وهل يمكن الاعتماد على ابو الفنون كمورد مالي ؟

واقع المسرحيين الحسانيين لا يختلف عن واقع المسرح أو الشأن الثقافي عامة إن شئنا. إذ يتأرجح واقعهم بين القبول والرفض الاجتماعيين، بين العمل أحيانا والعطالة أحايين أخرى، بين شغفهم بما يبدعون و احتقار الآخر سواء كان متلقيا أو منتجا منفذا أو إذاعة وتلفزة .

إن أغلب المسرحيين في الصحراء حتى لا أعمم يبدعون في صمت، دون ضجيج المطالبة باحتواء فنهم، ولا بتغيير واقعهم من باب الاستجداء . بل الأنكى من ذلك أن هناك منهم من ينفق على الفن من قوت يومه مع علمه اليقين أن الفن لا يمكن أن يكون موردا اقتصاديا مستداما .

إنهم مناضلين بحق… حماة ثقافتنا من السخافات الوافدة… يحاربون العفن بالفن … لا يقلون أهمية ووظيفة عن حماة الوطن.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد