“الحريك” طريق الموت المفتوح للبحث عن حياة أفضل

كشفت صحيفة “إل باييس” الإسبانية عن أرقام صادمة بخصوص عدد المهاجرين الذين تمكنوا من الوصول إلى الضفة الشمالية للمتوسط عبر قوارب الموت، والذين بلغ عددهم 33215 شخصا، يمثل المغاربة ضمنهم ما يقارب 20 في المائة.

وفي ذات السياق، أكدت الحكومة المغربية على لسان مصطفى الخلفي الناطق الرسمي بإسم الحكومة خلال الندوة الأسبوعية التي تعقب المجلس الحكومي، الأسبوع الماضي، أن عدد المغاربة ضمن مجموع المهاجرين السريين، الذين جرى إحباط محاولاتهم، بلغ 7100 شخص إلى غاية نهاية غشت 2018، وذلك مقابل 8200 شخص في متم غشت من سنة 2017،

 منظمة الهجرة الدولية أكدت بدورها أن المغاربة يتربعون على عرش المهاجرين السريين الذين وصلوا، بحرا (دون الحديث عن سبتة ومليلية)، إلى إسبانيا منذ يناير الماضي إلى حدود التاسع من الشهر الجاري، والذين فاق عددهم هذا العام 6000 شخص، متبوعين ب4800 مهاجر من غينيا كوناكري، و4150 مهاجرا من مالي، و2000 مهاجر من ساحل العاج، فيما لم يتجاوز عدد الغامبيين والكاميرونيين وغيرهم 2000 مهاجر سري عن كل بلد.

أرقام صادمة تكشف واقع الرفض والرغبة في الهروب التي أصبحت تخالج نفوس الشباب المغربي، وتدفع بهم إلى سلوك كل السبل لمعانقة حلم الضفة الأخرى “الإلدورادو” أو “الجنة الموعودة“.

في خضم هذه الأرقام القياسية، طرقت المصدر ميديا ابواب مجموعة من المختصين والمتتبعين لظاهرة “الحريك” لإيجاد جواب شاف وكاف حول أسباب ودواعي تنامي ظاهرة “الحريك”، حملت المصدر ميديا تساؤلات المواطنين إلى مجموعة من المتتبعين للظاهرة، وفتحت أبواب فهم تنامي حلم معانقة ” الإلدورادو” أو “الجنة الموعودة” لدى شباب المغربي.

محدوديــة نمــاذج التنميــة

كشف محمد بنعيسى رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، أن تنامي الظاهرة سبقته مؤشرات دالة ارتبطت بالحركية التي عرفها الفعل الاحتجاجي، والذي عبرت احتجاجات الريف وجرادة عن تجلياته الكبرى والرفض الصارخ للتفاوتات المجالية التي تعرفها مجموعة من مناطق المملكة، وما صاحبها من واقع للبطالة والتهميش والهشاشة التي أصابت فئات الشباب بشكل خاص.

وأكد بنعيسى أن هذا الواقع مكن مافيات التهريب في ظل تنامي الطلب المتزايد للعديد من الشباب للهروب من الواقع المرفوض، من إقتحام مجال تجارة البشر عبر تهجير الراغبين في تحقيق حلم الإغتناء والهروب من واقع البطالة والحكرة من خلال “قوارب الموت”، وهو ما فتح المجال أمام تجارة مربحة في ظل تنامي الطلب على العبور إلى الضفة الأخرى.

تصريح  رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، يجسد في طياته إلتقاءا واقعيا مع مضامين التقرير الذي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، 23 سبتمبر 2018، حول الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية بالمغرب خلال سنة 2017، بخصـوص عدم قـدرة المجـالات الترابيـة علـى مقاومـة الصدمـات الاقتصاديـة، بعد ان أكد التقرير ان الاحتجاجـات التـي شـهدتها بعـض أقاليـم المملكـة كجـرادة، والتـي كان مـن بيـن أسـبابها نقـص فـرص الشـغل  اللائــق ومــوارد الدخــل المســتقرة،  ومحدوديــة نمــاذج التنميــة القائمــة فــي بعــض المجــالات الترابيــة والمعتمـدة علـى مـورد طبيعـي واحـد أو التـي تتوفـر علـى بنيـة إنتاجيـة غيـر متنوعـة بالقـدر الكافـي، تستدعي بلـورة اسـتراتيجية حقيقيـة لتنويـع الأنشـطة القطاعيـة وفـرص الشـغل فـي هـذه المناطـق، مــع الحــرص علــى تثميــن المــوارد والإمكانيــات المحليــة.

بطالة الشباب تتفاقم

أكد الطبيب النفسي محمد حركات، أن تنامي الظاهرة يرتبط بواقع أزمة حقيقية داخل المجتمع المغربي، أصبحت محركا ومحفزا قويا لرغبة العديد من الشباب في اختيار الهروب، والبحث عن حلم الاغتناء وانتشال أسرهم من الفقر والحاجة.

وأوضح حركات أن الخطير اليوم في هذه الموجة هو تنامي حركة هجرة المتعلمين وأصحاب الشواهد عبر إختيار الهجرة السرية كوسيلة هروب وتعبير عن رفض واقع الزبونية والمحسوبية والإختلالات الكبرى التي تشهدها منظومة الشغل والتشغيل ببلادنا.

واستند الطبيب النفسي في تحليله لتنامي هجرة الشباب عبر إختيار ركوب قوارب الموت، بمخرجات تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (السالف الذكر)، الذي أكد أن معـدل البطالـة بلغ 10.2 فـي المائـة فـي نهايـة سـنة 2017 عـوض 9.9 فـي المائـة فـي 2016، وذلـك رغـم تراجـع معـدل النشـاط، وأن الشـباب لازالوا يعانون مـن صعوبـات كبيـرة فـي الحصـول علـى منصـب شـغل، حيـث يتجـاوز معـدل البطالـة فـي صفوفهـم معـدل البطالـة علـى الصعيـد الوطنـي بــ 6.2 مـرة. كمـا يفـوق معــدل بطالــة الشــباب 40 فــي المائــة فــي الوســط الحضــري.

التمثلات المجتمعية محفز لمعانقة حلم الضفة الأخرى

اعتبر المصطفى السعليتي أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة القاضي عياض، أن تنامي ظاهرة الهجرة السرية يرتبط بأسباب ودوافع متعددة ومتفاعلة تشكل محركا لتنامي ظاهرة الهجرة السرية، ترتبط في أبعادها بحالة الإحباط واليأس والقلق والخوف من المستقبل والصورة السلبية التي يحملها الفرد عن ذاته في المجتمع.

وأضاف السعليتي، أن تنامي الظاهرة يرتبط بواقع الإدراك الاجتماعي حيث أن الأفراد لا يدركون إلا ما هو إيجابي في مغامراتهم، وهو ما يمكن ان يقاس على الرغبة المتزايدة لمن يختارون سلوك طريق الهجرة السرية، رغم خطورتها طمعا في تغيير وضعياتهم الاجتماعية والاقتصادية، عبر التساؤلات الوهمية التي تدعم الدفع الذاتي لتنامي الرغبة في الهجرة بعيدا عن مخاوف الموت في رحلة حلم الضفة الأخرى.

وربط أستاذ علم النفس الاجتماعي، أن تنامي الظاهرة يرتبط أيضا بالثمثلات الاجتماعية، التي تربط مغامرة ركوب الأمواج بأسباب خارجية ترتبط بالثمثلاث المجتمعية الدينية والثقافية والتبريرات الغيبية مثل “الموت علينا حق، الموت بيد الله…”، التي تشكل حافزا تبريريا لهؤلاء الشباب لركوب قوارب الموت، وكذا تمثلاتهم حول العالم الآخر أو حلم الضفة الأخرى او الجنة الموعودة الذي يعتبرونه تبريرا لسلوك طريق الهروب من جحيم الواقع.

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد