الحريك: حكايات شباب رافض لواقع المعاناة

المصدر ميديا : زينب حريتي

ربما الحلم، وربما المستقبل، للبحث عن أمل جديد، وجهان لعملة واحدة، شباب أعمته أحلام اليقظة وأصبح يعتبر أي قشة خشبة نجاة، فالبحث عن مستقبل زاهر قادهم إلى ركوب الأمواج، ليس كهواية للترفيه والترويح عن النفس، وإنما كمنتحرين أضفوا إليها لمستهم الخاصة فأصبحت لعبة “لركوب الموت”.

“الحريك”، الكل يرى في الضفة الأخرى الملاذ الآمن والفردوس المنتظر ليركبوا قوارب الموت، بحثا عن ظروف أحسن وواقع أجمل، لتتعدد بذلك الطرق والأساليب التي أصبح الشباب المغربي يعتمدها، وجعلت الرأي العام يهتز لها من خلال ما أصبح يعاينه ويشاهده من فيديوهات توثق لمشاهد انتحارات جماعية على مواقع التواصل الاجتماعي،

ليطرح التساؤل العريض ما سبب فرار الشباب من البلد الأم إلى الاغتراب الغير الآمن ؟

الملاك الأبيض:

مواقع التواصل الاجتماعي، روج روادها فيديوهات توثق هجرات جماعية لشباب في عمر الزهور محاولين العبور إلى الضفة الأخرى أو ما يسمونه بالحلم المنتظر، لكن الغريب في الأمر، أن “الحريك” ليست ظاهرة وليدة اليوم أو اللحظة، فالشباب المغربي قرر منذ سنوات خلت اللجوء إلى الهجرة السرية، لكن المحير اليوم هو أن الفيديوهات الموثقة للحظات العبور عبر قوارب الموت أظهرت شبابا ساخطا متذمرا عن وضعه الاجتماعي والمعيشي، فلم يعد يكترث للأمن الحدودي ولا يخشى عدسات كاميرات الهواتف الذكية التي تصوب نحوه كلما حاولت مجموعة العبور، بل عكس ذلك اعتبروها فرصة مناسبة للتعبير بالصورة عن الرفض والتمرد على واقع لم يعد يطيقه أحد منهم.

“الفونطوم” كان بمثابة وسيلة للنجاة ورغبة جامحة للهجرة دون الاكتراث لعواقبها بل انتظار الوصول النهائي إلى جنة الفردوس.

“حياة “، الشابة العشرينية كانت ضحية للملاك المتنكر ووضعت رصاصة الهجرة السرية حدا لحياتها وحرمتها من الحياة بشكل نهائي بعد أن قادها فقدانها للأمل إلى البحث عن واقع أفضل من واقعها المعاش، لتتخذ القرار الأصعب الذي وجدت فيه الصواب في لحظة غضب وسخط عن الأوضاع كلفها حياتها، فالظروف التي دفعت بها للهجرة ربما ليست وليدة اللحظة بل هي نتيجة لتراكمات عديدة أفرزها واقع اجتماعي واقتصادي متدهور .

المصدر ميديا التقت بعبد الرحمن، وهو شاب مغربي في مقتبل العمر، تراوده فكرة عبور البحر، فلم يتردد في الحديث عن تجربته في البحث عن “الزودياك” ، يقول:” قلبت مع عدد من أصدقائي الراغبين في الهجرة عن بائع “لزودياك” فمواقع التواصل الاجتماعي، هاد البحث ما كلفناش بزاف باش نلقاو لي كيبيعها سوى بعض النقرات على شاشة هواتفنا الذكية، من بعد اتفقنا على الثمن لكن الطمع خلا يزيد علينا فالسعر لي تجاوز إمكانياتنا المادية لاسيما وأن أغلبنا باعوا كل ما كيملكوه لتوفير المبلغ المتفق عليه، لنتراجع بذلك عن الفكرة مؤقتا حتى تتاح الفرصة المناسبة مستقبلا”.

ويضيف عبد الرحمن، “رغبتنا في العبور ليس سببها الهروب من الخدمة العسكرية كيما كانت عليها الهضرة بزاف فالسوشل ميديا شحال هادي، خاصة وأن بعض مقاطع الفيديو تداولت تصريحات لحراكة يرددون عبارات” تريدون تجنيدنا”، نحن لسنا خائفين من التجنيد واختيارنا للعبور سببه الأول والأخير الأوضاع الاجتماعية والمعيشية فأغلبنا لا يتوفرعلى عمل قار لكسب قوت يومه”.

آراء متضاربة:

كثر الحديث والتساؤل حول الأسباب والدوافع التي جعلت الشباب يغامر بالحياة ويمتطي قوارب الموت، مصادر صحفية أوروبية، أرجعت السبب وراء الهجرات الجماعية للشباب إلى قانون الخدمة العسكرية والذي يقضي إلى تجنيد الشباب في الفئة العمرية من 19إلى 25 سنة وذلك بعد أن صادق عليه المجلس الوزاري يوم 20 غشت 2018، والذي يهدف إلى تربية الشباب على قيم المواطنة، بعدما تم تجميده قبل 11 سنة من الآن.

يقول محمد حمزة بولحسن، أستاذ العلوم السياسية بمكناس: ” لا يمكن إرجاع السبب وراء توافد الشباب على قوارب الموت إلى قانون الخدمة العسكرية لا سيما وأن أغلبية المهاجرين قاصرين لم يصلوا بعد إلى السن المحدد لأداء الخدمة العسكرية”.

فؤاد بلمير، الأستاذ والباحث في علم الاجتماع، أوضح لـ “المصدر ميديا”، أن “المسألة بعيدة كل البعد عن قانون الخدمة العسكرية، بل الأمر يرتبط بحلم الشباب بالفردوس الأوروبية، وأن السبب الكامن ورائها يرجع الى ما هو اجتماعي من بطالة وغيرها”.

ومن جهته، قال صبري لحلو، محامي وخبير في القانون الدولي وحقوق الانسان: ” لا علاقة للقانون بالهجرة التي ارتفعت بنسب كبيرة لعدة عوامل منها ما هو ذاتي مرتبط بسيكولوجية الشباب سواء بالمغرب أو باقي الدول الإفريقية الأخرى، علاوة على عوامل أخرى متعددة منها ما هو اقتصادي مرتبط بقلة فرص الشغل، إضافة إلى كون الطريق المغربي ظل الطريق الأنسب والآمن مقارنة مع باقي الطرق المغلقة من بينها الطريق المار عبر تركيا والطرق التي كانت بوابة لأوروبا والتي جعلت مجموعة من الشباب يقعون في أيدي مافيات التجارة في البشر”.

شواهد بلا استقرار .

أصبحت الهجرة هاجس الشباب الحاصل على الشهادات العليا، تخرجوا من جامعات مغربية آملين في الحصول على فرصة شغل للاستقرار، لكن طموحهم يصطدم بواقع تتكاثر فيه نسبة البطالة عاما تلو الأخر وعدم موافقة شواهدهم مع متطلبات سوق الشغل.

تقول دنية خريجة جامعة محمد الخامس بالرباط: “أنا حاصلة على شهادة الإجازة في الدراسات الإسبانية سنة 2011 ولحد الآن أعاني من البطالة، حاولت الهجرة مرات عديدة لكن طريق العبور كان مخيفا بالنسبة لي كفتاة، الفكرة عندي مازالت قائمة ولن أتخلى عنها، أبحث باستمرار عن كيفية العبور والطرق التي أسلكها، فأنا مستعدة للقيام بزواج أبيض لأضمن العبور بسلام وأمان”.

المستقبل وكيفية تحقيقه وضمانه جعل مقولة “الغاية تبرر الوسيلة ” تتحقق مع شباب حامل لشهادات عليا، وجد نفسه يتسكع بديبلومات ربما لم تتناسب مع فرص الشغل المتاحة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد