خرج الشعب الجزائري في مظاهرات حاشدة يوم أمس الجمعة (الجمعة السابعة)، رغم إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن تنحيه من رئاسة البلاد، للمطالبة بالرحيل الكامل لـ”نظام الرئيس”، في ظل وضع إقتصادي متأزم، ووعي الشعب بضرورة حماية المكاسب التي حَققهَا، ومنعِ أيّ طرفٍ، مدنيٍ كان أو عسكريٍ، من الاِلتفاف على مطالب الحِراك الشّعبي.
وضع يكشف على ان الجزائريين اصبحوا اكثر وعيا بأن مسألة التغيير داخل الجارة هي أكبر من بوتفليقة، وأن الدولة مطالبة اليوم بإيجاد حلول للأزمة الإقتصادية التي تعيشها البلاد، ضمن توافق شعبي سياسي أساسه سلطة الشعب، وليس سلطات جمعات الضغط المتصارعة داخل النظام.
الوضع الإقتصادي:
على الرغم من إمتلاك الجزائر كمّاً هائلاً من الموارد الطبيعية، فإن مجموعة من التقارير، حذرت قبل خروج الحراك الشعبي الجزائري، من احتمال حدوث أزمة مالية قد تصل إلى الإفلاس.
وحذر صندوق النقد الدولي من عودة قوية للتضخم في الجزائر بداية من العام القادم كنتيجة لخيار التمويل غير التقليدي الذي أقرته الحكومة، مشيرا إلى أن ذلك قد يقود إلى أزمة مالية.، بعد ان رفع الصندوق من توقعات إمكانيات حصول التضخم إلى 7.4 % هذه السنة مقابل توقعات مبدئية قدرت بـ 4.4 % فيما تقدر هذه التوقعات لسنة 2019 بحوالي 7.6%.
أما العجز المسجل في الحساب الجاري الذي بلغ 12.3- % في الناتج الداخلي الخام في 2017 فمن المتوقع أن يتقلص إلى 9.3- % في هذا الناتج في 2018 و 9.7- % في سنة 2019 .
وفيما يتعلق بالبطالة في الجزائر، قام صندوق النقد الدولي كذلك بتخفيض توقعاته إلى 11.2 % في 2018 بعد أن راهن في أكتوبر الماضي على 13.2 %.، حيث من المرتقب أن ترتفع نسبة البطالة في سنة 2019 الى 11.2 %.
ويرى مراقبون ضرورة عمل الحكومة على إيجاد مخرج بديل عبر تنويع الصادرات خارج قطاع المحروقات (النفط والغاز) وتفعيل الإنتاج الوطني ومواصلة ترشيد النفقات العمومية ومراجعة قانون الاستثمار الأجنبي في ظل تواصل انهيار أسعار النفط العالمي.
وانخفضت عائدات الجزائر من النفط والغاز سنة 2016 إلى حدود 27.5 مليار دولار بعد أن كانت 35.7 مليار دولار في 2015، وستين مليار دولار في 2014، بحسب التقديرات الأولية للحكومة، وتعتمد الجزائر (العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»)، على عائدات النفط والغاز بنسبة كبيرة في موازنته، وتمثّل المحروقات نسبة 96% من صادراته نحو الأسواق العالمية.
كما سجّلت احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي، تراجعًا كبيرًا حيث هبطت من 194 مليار دولار، نهاية دجنبر 2013، إلى 112 مليار دولار في فبراير 2017، ونتيجة ذلك عادت الجزائر إلى الاقتراض الخارجي بعد 11 سنة من قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وقف الاستدانة من الخارج، من أجل تمويل مشاريعها في ظل عجز خزينتها العامة، وسبق أن أعلن أويحي عندما كان يشغل منصب مدير ديوان الرئيس، أن الجزائر ستضطر للاستدانة من صندوق النقد الدولي ما يعادل 5 مليارات دولار سنويًا ابتداءً من السنة المقبلة، وذلك إذا تواصل انهيار سعر برميل النفط.
وتتضافر هذه التوقعات لتخلص إلى مؤشرات مقلقة بخصوص مالية البلاد، وبالتالي حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي ستؤثر عليها بشكل مباشر. في ظل توقع البنك العالمي لمعدل نمو ضعيف خلال سنتي 2019 و2020، وهي توقعات تأتي لتشكك في التأكيدات المفرطة في التفاؤل للنظام الجزائري، من أنه وضع البلاد على سكة التنمية الاقتصادية، وليكشف الشارع الجزائري حقيقة وضع الأزمة التي عجلت برحيل بوتفليقة.
إن الإحتجاجات داخل الجارة الجزائر، أصبحت الآن أكبر من بوتفليقة، بعد ان أعلن هذا الأخير عن تنحيه عن الرئاسة، وعدم ترشحه للإنتخابات الرئاسية القادمة، لينتقل الشعب إلى المطالبة برحيل جميع الوجوه القديمة للنظام الحالي، وضمنها مؤسسة الرئاسة (آل بوتفليقة، شقيقاه، السعيد والناصر…)، المؤسسة ذات الصلاحيات الواسعة جداً داخل النظام السياسي الجزائري، التي تراجع دورها بعد الاحتجاجات الأخيرة، ورفض المؤسسة العسكرية مواجهة الشعب من أجل رئيس يعتبر منتهياً، ومخاوف من تكرار أحداث العشرية السوداء الدامية.
كما ان الوضع داخل الجزائر، يرهن بالدفع بتنظيمات اخرى، في خضم المطالب الشعبية المرفوعة بمحاسبة المفسدين المحسوبين على الرئيس، همشت في عهد بوتفليقة، ضمنها الصراع الأمني القائم ما بين جهاز “المخابرات القديمة” الذي كان يقوده محمد مدين المعروف باسم الجنرال توفيق، من سنة 1990 إلى 2015، الذي كان أحد اقوى الأجهزة طيلة التسعينيات في الجزائر قبل ان يتراجع دوره لحساب مؤسستي الرئاسة والجيش في السنوات الأخيرة، بعد إطاحة بوتفليقة بالجنرال توفيق سنة 2015، وتحجيم دور جهاز المخابرات داخل بنية النظام السياسي الجزائري، وجهاز “المخابرات الجديدة” التي يقودها “بشير طرطاق”، الذي كان نائب الجنرال توفيق لمدة 20 سنة عندما كان الأخير على رأس الجهاز.
أما على المستوى الإقتصادي، فإن الصراع يبقى قائما بين كل من رجال الأعمال المحسوبين على تيار أثرى رجل أعمال في الجزائر “يسعد ربراب”، الذي يقود شبكة رجال أعمال مهمة داخل الجزائر وخارجها، كما يمول عدداً من المؤسسات الإعلامية، والذي يعتبر الواجهة المالية للجنرال توفيق، ومنتدى رؤساء المؤسسات الذي يجمع عدداً من رجال الأعمال المقربين من سعيد بوتفليقة، أبرزهم علي حداد، ثاني أثرى رجل في الجزائر.
فيما تبقى الأطراف السياسية المعارضة لحكم بوتفليقة، بشكل عام ضعيفة في بلاد المليون شهيد، التي يجمع عدد من المتتبعين عن ضعف إمكانياتها لقيادة بديل خارج منظومة الحكم الحالية، فهل يستطيع الشعب الجزائري إعادة ترتيب أوراق اللعب وفتح أبواب الإنتقال الديمقراطي الحقيقي لمرحلة ما بعد بوتفليقة؟، في ظل إلتفاف ظاهر للجيش حول الشعب، وماض خفي يضع المؤسسة أمام مقولات التشكيك في قدرتها على قيادة التغيير الحقيقي لمرحلة حكم الشعب بالشعب وللشعب.