الثقافة المغربية في سنة “كورونا”: احتضار أليم وأمل الانتظار الرحيم

في عام استثنائي بكل المقاييس وعلى جميع الأصعدة، لحق ضرر كبير العديد من القطاعات التي اضطرت إلى التوقف والإغلاق لمدة تزيد عن ثمانية أشهر، بسبب الإجراءات الاحترازية والوقائية التي فرضها المغرب للحد من تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد (كوفيد 19)، الشيء الذي انعكس سلبا على المشتغلين بهذه القطاعات والذين وجدوا أنفسهم دون دخل مادي قار يسد رمقهم إلا من دعم استثنائي هزيل.

جائحة كورونا انعكست سلبا على القطاع الثقافي في المغرب. من إلغاء المهرجانات الموسيقية إلى إغلاق دور السينما والمسارح، ومنع التظاهرات الثقافية والأدبية، وتوقف العمل في استديوهات التصوير، واقع ألحق أضرارا مادية جسيمة بآلاف العاملين في مجال الثقافة، رغم الدعم المالي الذي قدمته الحكومة، إلا أن الوضع المادي للعاملين في الثقافة ظل صعبا.

وضعية الفنانين والمثقفين الصعبة التي رمتهم فيها جائحة “كورونا” قادت البعض منهم إلى الاحتجاج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والبعض الآخر اختار إيصال صوته والجهر بوضعيته المزرية والمتدهورة بسبب توقف النشاط الثقافي أمام وزارة الثقافة، بعد تغييب أسماهم من الدعم الاستثنائي الذي خصصته الوزارة الوصية للمشاريع الفنية، والذي دفع الوزير عثمان الفردوس إلى الخروج عن صمته قائلا في هذا الصدد: “إن دعم المشاريع الفنية يظل مجهودا قابلا للتجويد والتطوير”.

وظل المطلب الأساسي للفنانين والمثقفين والمشتغلين في القطاع الثقافي والفني هو أن تقرر الحكومة استئناف العمل وإعادة الروح للقطاع مع الاحترام التام للتدابير الوقائية وإجراءات السلامة الصحية، إلا أن مطالبهم لم تلق التجاوب المأمول، لتجد فئة واسعة من المهنيين تعيش الفقر المدقع، والذي دفعهم إلى البحث عن مهنة أخرى أو بيع آلاتهم الموسيقية من أجل قوت يومهم.

مخاوف المهنيين والفنانين لم تتوقف عند هذا الحد، بسبب الوضع المزري الذي أصبح يعيشه القطاع الثقافي المتأثر بتداعيات جائحة “كورونا”، بل وصلت إلى التعبير عن تخوفهم من ظهور فصول أخرى من المعاناة غاية في الصعوبة، والتي من الممكن أن تعطل تعافي المشهد الثقافي من كبوته.

الدعم الاستثنائي زاد الطينة بلة

من أجل التخفيف من وطأة الأزمة الحادة التي ضربت القطاع الثقافي والمشتغلين فيه جراء وباء “كورونا”، لجأت وزارة الثقافة والشباب والرياضة إلى تخصيص دعم استثنائي للمشاريع الفنية، من موسيقى، ومسرح، وفنون تشكيلية وكوريغرافية، ومعارض فنية وغيرها، إلا أن هذه المبادرة لحقها جدل كبير وصار حديث الساعة في الوسط الفني وحتى لدى نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

انتقادات واسعة واتهامات كثيرة بـ “الزبونية والمحسوبية والإقصاء” و”استفادة أشخاص لا علاقة لهم بالفن على حساب من هم أولى به”، دفع نعمان لحلو وسعيد مسكر إلى تخليهم عن الدعم المخصص لهما.

حسناء البدوي أعربت عن غضبها من طريقة صرف الدعم قائلة أن “معظم المستفيدين من هذا الدعم ليسوا بمحترفين، والذي كشف مواطن الخلل في طريقة صرف هذا الدعم هي جائحة كورونا وتداعياتها الكارثية على الجانب الاجتماعي لدى الفنانين المحترفين حيث صممت وزارة الثقافة من خلال مديرية الفنون على استمرار دعم نفس الفرق التي تستفيد كل سنة من هذا الريع متجاهلين ما يمر به العالم والمغرب من فترة عصيبة سواء على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و التي انعكست بشكل كارثي على القطاعات الغير مهيكلة و التي للأسف القطاع الفني و الثقافي واحد منها، مع الثغرات الموجودة في قانون الفنان بشكله الحالي و التي سمحت لكل من ليس له علاقة بالفن الاحترافي من اختراق المشهد الفني الثقافي والاغتراف من كعكة الدعم مع إهدار حقوق الفنانين المحترفين الذين لا يجدون اليوم أي مصدر للدخل و أي تعويض عن توقفهم عن العمل”.

مسعود بوحسين، رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الفنون الدرامية، قال أن الضجة والجدل الذي أثاره الدعم الاستثنائي مبني على معلومات غير صحيحة، معتبرا أنه لا يتعدى كونه شعبوية، على اعتبار أن الدعم يوجد منذ زمن، وأن الهدف منه دعم الأعمال الثقافية لا دعم الأفراد، ومؤكدا أن المبالغ التي رصدت لهذا الدعم قليلة.

المغرب بلا روح لأزيد من نصف سنة

استمرار إغلاق القاعات السينمائية والمسارح ودور الثقافة، دفع العديد من الممثلين والفنانين والنقاد والمهتمين بالشأن الفني والثقافي بالمملكة، إلى توقيع عريضة من أجل مطالبة السلطات المغربية المختصة بفتحها لاستئناف الأنشطة الثقافية والسماح بتنظيم التظاهرات الفنية مع الحرص على الالتزام بتدابير السلامة الصحية للحد من تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد (كوفيد 19).

المخرج والناقد السينمائي المغربي عبد الإله الجوهري وصف هذه المبادرة بالإيجابية، وأضاف قائلا: “لا يمكن لبلد كالمغرب أن تظل مؤسساته الثقافية متوقفة لأزيد من 8 أشهر في مقابل ذلك نجد فضاءات أخرى مفتوحة”.

وتابع المخرج المغربي أن القاعات السينمائية المغلقة لا تتجاوز طاقتها الاستيعابية في الأيام العادية 50 في المائة في أحسن الحالات، متسائلا في الوقت ذاته قائلا: “كيف يعقل أن تبقى القاعات السينمائية مغلقة في ظل هذا الوضع؟”.

وفي ظل هذا الوضع، دعا الجوهري إلى إعادة الحياة إلى القاعات السينمائية والمسارح ودور الثقافة من جديد، واستطرد قائلا: “البلد بلا ثقافة فهو بلا روح والمغرب بلا روح منذ أزيد من 8 أشهر”.

عام كورونا عنوان للهدر الثقافي ولا إنعاش للقطاع بدون سياسة ثقافية مهيكلة 

مراد القاديري، رئيس بيت الشعر بالمغرب، قال إن القطاع الثقافي والفني بالمغرب يعيش وضعية هشاشة والعديد من المشتغلين داخله يعملون بالنظام الحر، مضيفا أن هذه الفئة تأثرت كثيرا في زمن كورونا بدرجة كبيرة حيث توقفت مشاريعهم وبرامجهم.

وتابع القاديري قائلا: “بعض الفعاليات التجأت إلى العالم الافتراضي محاولين بذلك ملئ الفراغ الذي خلفته الجائحة، إلا أن العمل الثقافي يحتاج إلى تلك اللقاءات المباشرة والحميمية التي تتيح صلة وصل متينة بين المبدع والجمهور”.

ونحن نودع سنة 2020، يقول رئيس بيت الشعر بالمغرب، “نأمل أن نطوي هذه الصفحة بشكل نهائي وأن تتيح عملية التلقيح التي تنخرط فيها بلادنا إمكانية استعادة الحياة الثقافية والفنية إلى طبيعتها بعد أن حصل الكثير من الهدر الثقافي في عام كورونا”.

نفس المتحدث، أكد أنه “لا يمكن أن يكون هناك إقلاع ثقافي في غياب سياسة ثقافية وهو مع الأسف الأمر الغير المتحقق في بلدنا المغرب وكورونا عند حلولها عمقت الجراح أكثر لهذا القطاع الذي تغيب عنه سياسة واضحة مهيكلة ومهيكلة”.

وتابع القاديري: “النهوض بالقطاع الثقافي رهين باعتماد سياسة ثقافية متوافق عليها من طرف جميع الفاعلين والمتدخلين في الشأن الثقافي، وفي غياب هذه الهيكلة سيظل القطاع دائما هشا ومعرض للنكسات”.

دروس كورونا تحتم إعادة النظر في طريقة تدبير القطاع الثقافي

مسعود بوحسين، رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الفنون الدرامية، أكد أن جائحة “كورونا” أبانت عن ضعف في التدبير الثقافي بالمغرب والذي معه حان الوقت الآن إلى تغيير الخطاب حول الفن والثقافة.

وأضاف رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الفنون الدرامية أن المسؤولين عن الشأن الثقافي بالمغرب لا يسايرون التطور الذي تعرفه الثقافة المغربية.

الدروس المستخلصة من كورونا، يقول بوحسين، “تبين أنه لكي تتحول الثقافة إلى قطاع قوي ومهيكل يجب أن يعاد النظر عاجلا في طريقة التدبير وإصلاح ما يمكن إصلاحه لنتفادى الأسوأ”.

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد