التمكين الروحي للمرأة: ركيزة أساسية في استدامة الحضارة

بقلم: الباحثةياسمين سلمان الجعيفري

تناولت أدبيات دراسات المرأة في العالم العربي والإسلامي بتفصيلٍ واسع أنماط التمكين السياسي، والإجتماعي، والإقتصادي للمرأة، وآليات تعزيز دورها في مختلف المجالات، إلى جانب العمل على صناعة قيادات نسوية قادرة على مواكبة التحديات المتزايدة. ومع ذلك، لم يُسلَّط الضوء بشكل مباشر على جوهر التمكين بمختلف أوجهه، ألا وهو التمكين الروحي، الذي يُعدّ الركيزة الأساسية في بناء الإنسان.

استشعرتُ قوة مفهوم التمكين الروحي وأبعاده من خلال حضوري سلسلة من اللقاءات الحوارية التي نظّمتها الدكتورة يسرى الجزائري، عضوة جمعية عقيلات السفراء ورؤساء المنظمات الدولية المعتمدة في الرباط. فقد كانت هي صاحبة الخطوة الأولى والمبادرة الأساسية في تشكيل المفهوم عملياً، حيث بدأت بإدارة تلك المحاضرات والجلسات النقاشية واستضافتها في منزلها، بهدف مساندة المرأة ودعمها روحيًا عبر التأمل في القصص والعِبر المستمدة من القرآن الكريم وإعادة قراءتها وتفسيرها من منظور معاصر يأخذ بعين الاعتبار التحديات والتطورات الراهنة. وقد قدّمت تلك المحاضرات والدروس الأستاذة الدكتورة خديجة أبو زيد، أستاذة التعليم العالي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس، التي تتمتع بأسلوبٍ فريدٍ وسلسٍ يخترق أغوار النفس البشرية بمنتهى العذوبة واللطف.
حظي نمط التمكين الروحي بتطبيق واقعي على نطاقٍ أوسع وأشمل وتحت مظلة منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة ( الإيسيسكو)، التي برعت في توظيف الإبتكارات لتعزيز دور المرأة واستثمار الأفكار في خدمة تمكينها. وفي هذا السياق، قامت الإيسيسكو بتنظيم النسخة الأولى من الملتقى العلمي “رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية” خلال شهر رمضان المبارك لعام 2024 ، وذلك بالتعاون مع جمعية مجموعة عقيلات السفراء ورؤساء المنظمات الدولية المعتمدة في الرباط. ويهدف الملتقى إلى استقطاب أكبر عدد من النساء، وإتاحة المجال لهن للإستفادة من المعرفة، وإعادة تشكيل وعيهن بأمور الحياة، مستلهماتٍ العِبر والمواعظ من القرآن الكريم وديننا الحنيف.

في هذا العام، استُهلت أعمال النسخة الثانية من الملتقى العلمي بتاريخ الرابع من مارس 2025، في ظل عبق الأجواء الرمضانية في مقر منظمة الإيسيسكو، حيث حملت الجلسة الأولى عنوان “قصص وعبر”، واستعرضت خلالها الدكتورة خديجة أبو زيد العبر والدلالات المستنبطة عن قصة السيدة مريم عليها السلام التي وردت في القرآن الكريم، وقد تجسد من خلال الطرح وتفاعل الحاضرين أبهى صور التمكين الروحي للمرأة، إذ لأول مرة أستمع إلى تلك العبر والمواعظ المتعارف عليها دينيًا وثقافيًا، ولكنها طُرحت بنهج مختلف، وبطريقة تسللت إلى أعماق الروح ولامستها، حاثةً إياها على النهوض والأخذ بالأسباب، والتسليم بأمر الله وقضائه والخروج من دائرة الحزن والضيق، ومواصلة السعي المثابر، مع التوقف عند محطات مؤقتة؛ مرةً للعزلة، وأخرى للصمت لإعادة تقييم وتقويم الخطوات وضبط النفس، وشد العزيمة، والإقبال على الحياة بنظرة وفكر مفعم بالتفاؤل والعطاء والتسامح، وأدركت أن النسخة الثانية للملتقى قد رسّخت أبعاد نمط التمكين الروحي للمرأة كأساس متين لبقية أشكال التمكين.
إن التعاون الثقافي والمعرفي بين منظمة الإيسيسكو وجمعية مجموعة العقيلات ورؤساء المنظمات الدولية أنتج بعدًا جديدًا في مسار تمكين المرأة، وهو نمط التمكين الروحي ، بطابعٍ ومفهومٍ حضاري إسلامي يُسهم بشكل كبير في تعزيز قدرات المرأة على إتخاذ القرارات الحاسمة، وتمكينها من امتلاك رؤية واضحة لهويتها الإسلامية والحضارية ورسالتها في الحياة، مما يتيح لها مواجهة التحديات بروح متجددة وقلب مفعم بالإيمان. وبالتالي ينعكس إيجابًا على أدائها لمختلف أدوراها الإجتماعية والمهنية في مجالات الحياة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد