تعد الانتخابات الرئاسية محطة مهمة في مسار أي دولة تسعى لترسيخ قيم الديمقراطية والحرية. فهي تمثل الفرصة التي يتمكن فيها الشعب من اختيار ممثليه وتجديد الثقة في نخبته أو المطالبة بتغييرهم. لكن في بعض البلدان التي تفتقر إلى الحريات الأساسية، تتحول الانتخابات إلى مجرد مسرحية هزلية هدفها الحفاظ على الوضع القائم، وذلك باستخدام استراتيجيات متعددة، منها تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج.
فغالباً ما يجد النظام الحاكم نفسه محاصراً بالعديد من المشاكل الداخلية، مثل الفقر، البطالة، الفساد، وسوء الإدارة. ومع اقتراب موعد الانتخابات، يصبح من الصعب تجاهل هذه الأزمات، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة من الشارع المطالب بالإصلاح والتغيير. وللتعامل مع هذه الضغوط، تلجأ بعض الأنظمة إلى افتعال أزمات خارجية، غالباً مع دول الجوار، بهدف توحيد الشعب حول “عدو خارجي” وتحويل الأنظار عن المشاكل الحقيقية التي يعاني منها المواطنون.
مثال على ذلك، ماحصل في الاتحاد السوفيتي، فخلال فترة الحرب الباردة، دأب على استخدام سياسة تصدير الأزمات لتوجيه الانتباه بعيداً عن مشاكله الداخلية. كان يحرص على نشر الأيديولوجية الشيوعية وافتعال النزاعات مع الدول المجاورة، وذلك لتوحيد الشعب حول الحزب الشيوعي وإلهاء الرأي العام عن الفقر والمشاكل الاقتصادية التي كانت تعصف بالبلاد. وبهذه الطريقة نجح في الحفاظ على قبضته على السلطة لفترة محدودة، رغم التوترات الداخلية المتزايدة، لكن انتهى به الأمر إلى الأمر المحتوم لأي دولة مشاغبة تسعى إلى تصدير مشاكلها بدل اللجوء إلى الحكمة والإصلاح الداخلي، فانتهى به الأمر إلى التفكك والانهيار.
ومع ذلك نجد شبيه هذا النظام البائد يكابر و”يقابح” سالكا نفس منهجه في تصدير مشاكله الداخلية إلى دول الجوار بل و شيطنتهم إذا اقتضى الأمر.
ومن باب الاحترام لهيبة الأسد وكرامة الشبل، لا نقول هذا الشبل من ذاك الأسد، بل هذا البرغل من ذاك الضبع، ففي السنوات الأخيرة، ومع اقتراب الانتخابات في الجزائر، شهدنا تصاعداً في التوترات المفتعلة من النظام الجزائري تجاه المغرب. ذلك النظام الذي يواجه تحديات داخلية كبيرة من حيث البطالة، الفساد، وقمع الحريات، حاول مراراً وتكراراً توجيه الرأي العام الداخلي نحو “العدو التقليدي” أي المغرب. عبر وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، جرى تضخيم القضايا الحدودية والسياسية بين البلدين، مما ساهم في خلق جو من التوتر الإقليمي. هذه الاستراتيجية ليست جديدة، إذ يستخدم النظام الجزائري مسألة الصحراء المغربية كنقطة توتر دائم مع المغرب، بهدف تحويل الانتباه عن الأزمات الداخلية التي تعصف بالبلاد. لكن الجديد الآن هو وصول هوس النظام الجزائري حد اتهام مواطني المملكة بالتخابر والتجسس للمس بأمن دولتهم.
ورغم أن هذه الاستراتيجية قد تبدو ناجحة في توحيد الشعب حول قضية مفتعلة تبدو ذات أهمية قصوى، إلا أن تأثيرها يبقى مؤقتاً. فالأزمات الداخلية لا تختفي بمجرد تحويل الأنظار نحو الخارج، بل تستمر وتزداد تعقيداً مع مرور الوقت.
ولأن مبدأ السببية ينص على أن “هُناك سبب أو علة وراء كل حدث في الوجود”.فإن السياسات التي تقوم على تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج لها عواقب وخيمة على المدى الطويل.
الحقد كمرض عضال، يصيب الفرد و يستهلك طاقته فيدمره من الداخل. وكذلك الحال بالنسبة للدول، فهو يستهلك طاقتها، ويضعف مناعتها، ويهدد وجودها. الدول القوية هي تلك التي تبني جسور التواصل والتعاون، لا التي تحفر الخنادق والحواجز.
المصدر ميديا : حجيبة ماء العينين