أخيرا طوى مجلس المستشارين، يوم أمس الجمعة، بالأغلبية جدل الخلاف داخل المشهد السياسي المغربي حول مشروع القانون الإطار رقم 51.17 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، بين مناصري “التعريب” الذين إعتبروه تعزيزا لنفوذ لغة الأجنبي، وداعمي الفرنسة وضروارت الإنفتاح،
وحظي المشروع بموافقة 42 مستشارا، وعارضه ثلاثة مستشارين، فيما امتنع تسعة مستشارين عن التصويت، بعد أن أحيل عليه بعد مصادقة مجلس النواب عليه نعم من طرف 241 نائبا (البيجيدي، الأحرار، الحركة، الدستوري، الاتحاد الاشتراكي، البام)، في مقابل امتناع برلمانيي حزب الاستقلال وتصويت البرلمانيين: المقرئ أبو زيد الإدريسي، ومحمد العثماني والشناوي وبلافريح، بالرفض.
وفي كلمة بمناسبة تقديم هذا النص، قال وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، سعيد أمزازي، إن المشروع الذي يشكل تتويجا لمسار ساهمت فيه مختلف المؤسسات الدستورية، يأتي في سياق سيرورة متواصلة ومتجددة لإصلاح منظومة التربية والتكوين، تجسد رغبة وطنية ملحة، وحرصا ملكيا شديدا لتجديد المدرسة المغربية، بغية تحقيق إقلاعها الحقيقي.
واعتبر أمزازي أن مشروع القانون-الإطار، يعد مشروعا وطنيا ومجتمعيا، يهم كافة أطياف المجتمع، ومختلف مؤسساته، ويتقاطع مع جميع الأوراش الإصلاحية للمملكة في مختلف المجالات، على اعتبار أن الاستثمار في التربية والتكوين والبحث العلمي يعد استثمارا منتجا في الرأسمال البشري، ورافعة للتنمية المستدامة ودعامة أساسية للنموذج التنموي للبلاد.
واستعرض الوزير أهم المقتضيات التي تضمنها المشروع، والمتعلقة أساسا بتعهد الدولة بضمان المجانية في التعليم العمومي في جميع أسلاكه وتخصصاته، وتوسيع إلزامية التعليم ليشمل جميع الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 4 و16سنة، والعناية بالطفولة المبكرة، وإيلاء عناية خاصة للأطفال في وضعية إعاقة، أو من ذوي الاحتياجات خاصة، إلى جانب تقليص الفوارق المجالية.
كما تهم هذه المقتضيات، يضيف الوزير، العمل على تجديد وملاءمة المناهج والبرامج والتكوينات والمقاربات البيداغوجية المتعلقة بمنظومة التربية و التكوين والبحث العلمي، والتأكيد على أن اللغة العربية هي اللغة الأساسية للتدريس، وتطوير وضع اللغة الأمازيغية في المدرسة باعتبارها كذلك لغة رسمية للدولة، مع تنمية اللغات الأجنبية واعتمادها كلغات للتدريس في بعض المواد، ولاسيما العلمية والتقنية منها، فضلا عن الارتقاء بالتكوين المهني، والنهوض بالتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وتطوير حكامة المنظومة في أفق الجهوية المتقدمة.
وجدد الوزير التأكيد على التزام الحكومة باتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتطبيق مقتضيات هذا القانون-الإطار مباشرة بعد المصادقة عليه ونشره بالجريدة الرسمية، ووضع برمجة زمنية محددة لإعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة، باعتماد مقاربة تشاركية، مشددا على ضرورة انخراط الجميع في هذا الورش الإصلاحي المصيري.
إلى ان السؤال المطروح اليوم يبقى أكبر من القانون بإعتباره أداة مؤطرة لإلزامية العمل المشتركة، بل يرتبط بإمكانيات تغيير واقع التعليم الذي يمثل القطاع ضمنه 6.4 % في المتوسط من إجمالي الناتج المحلي، ضمن واقع أزمة حقيقية كانت نتيجتها تصنيفَ المغربِ ضمن الـ21 دولة الأسوَء في مجال التعليم في العالم، إلى جانب الصومال وجيبوتي واليمن، نتيجة ما وصفه صندوق النقد الدولي، في آخر دراسة له، بالتباين الضارخ بين الإنفاق على التعليم، والنتائج التعليمية السيئة، ومعدل البطالة، وواقع الإشكالات البنيوية التي يتخبط فيها القطاع تتجاوز سؤال “التعريب والفرنسة”، لتمتزج بتفاعلاتها المرئية والخفية مع الإشكالات الإجتماعية (الأسر، المجتمع…)، والإقتصادية (البطالة، سوق الشغل…)، والسياسية.