تنفيـــــــذا لمضمون قرار المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي اتخذ في الاجتماع المنعقد بتاريخ 12 فبراير الجاري، وضع فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، يوم أمس الإثنين 15 فبراير، رسميــــــــــا، مذكرة الطعن في بعدم دستورية مقترح قانون بشأن إلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء المجلس.
وفيما يلي، النص الكامل للمذكرة:
السيد الرئيس:
إن النائبات والنواب البرلمانيين أعضاء فريق الأصالة والمعاصرة الموقعين رفقته، وهم يستندون إلى أحكام الفصول 129 و130 و131 و132 من الدستور، يتقدمون بإحالة مقترح القانون المشار إلى مراجعه أعلاه، بسبب عدم مطابقة مضمونه للدستور، وذلك وفق ما يلي:
أولا- من حيث الاختصاص:
حيث إن الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور، تنص على أنه “يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور”، مما يكون معه الاختصاص منعقدا للمحكمة الدستورية للبت في الموضوع.
ثانيا- من حيث الشكل:
وحيث إن الفقرة الثالثة المشار إليها، تشترط، شكلا، في الإحالة أن تكون مقدمة من قبل خمس أعضاء مجلس النواب على الأقل، وأن تتم الإحالة قبل إصدار الأمر بتنفيذ القانون.
وحيث إن هذه الإحالة تمت قبل صدور الأمر بتنفيذ القانون المعني، وأنها أرفقت بقائمة الموقعين مما تكون معه الإحالة قد قدمت وفق ما يتطلبه الدستور من نصاب في الموضوع.
وحيث إن المادة 23 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية، تنص على أنه “تكون إحالة القوانين إلى المحكمة الدستورية قصد البت في مطابقتها للدستور، طبقا لأحكام الفقرة الثالثة من الفصل 132 منه …برسالة أو عدة رسائل تتضمن في مجموعها إمضاءات عدد من أعضاء مجلس النواب لا يقل عن خمس الأعضاء الذين يتألف منهم …”؛
وحيث إن الإحالة تم إيداعها لدى الأمانة العامة للمحكمة الدستورية، طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 43 من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية، قبل إصدار الأمر بتنفيذ القانون موضوع الإحالة؛
وحيث إنه، بذلك تكون الإحالة قد قدمت وفق الشكليات والنصاب المتطلب دستورا وقانونا، مما يتعين على المحكمة التصريح بقبولها شكلا، والبت فيها داخل الأجل الدستوري المقرر.
ثالثا: في الدفع المتعلق بتجريح أعضاء من هيئة المحكمة الدستورية:
حيث إن الدستور ينص في الفقرة الأولى من فصله 36، على أنه “يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح”؛
وحيث إن تنازع المصالح، ينصرف إلىوضعية تداخل ما بين المهام المسندة لمؤسسة أو مرفق، وبين مصلحة خاصة للشخص الممارس لهذه المهمة، بشكل يمكن أن يؤثر في الممارسة المستقلة، الحرة، والنزيهة والموضوعية لمهامه؛
وحيث إن بعض السادة القضاة الآتية أسمائهم …. قد شغلوا، قبل انتخابهم أعضاء بالمحكمة المذكورة، منصب عضو بمجلس النواب، خلال الولايات التشريعية، بعده، قاض قضى (الولايات التشريعية: 1977-1983، 1984-1992، 1993-1997، 1997-2002، 2007-2011)، والثاني (الولاية التشريعية 1993-1997)، والثالث ( في الولايتين التشريعيتين: 2007-2011، 2011-2016)؛
وحيث إنه، بحكم ذلك، انخرطوا في نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس النواب، والذي يهدف القانون، موضوع الإحالة، إلى إلغائه وتصفيته، مما يجعلهم، نتيجة لذلك، في حكم المعنيين بمقتضياته وبمآله؛
وحيث إن القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية، لئن كان لا ينص على أحكام خاصة تحدد الحالات التي يكون فيها أعضاء المحكمة، في وضع تنازع للمصالح، من شأنه أن يؤثر على حيادهم وعلى أدائهم للمهام الموكولة لهم بكل تجرد واستقلالية، من جهة، ولا صورا لتجريحهم، من جهة أخرى،فإن مضمون نص القسم المؤدى مباشرة بعد التعيين، يتضمن، طبقا للمادة الرابعة من القانون التنظيمي المذكور، على أن رئيس وأعضاء المحكمة “يقوموا بالمهام المسندة إليهم بإخلاص وأمانة ويمارسوها بكامل النزاهة في ظل احترام الدستور”، وكذا مضمون الفقرة الأولى من المادة الثامنة، الذي ينص على أنه “يلتزم أعضاء المحكمة الدستورية بواجب التحفظ، وعموما بالامتناع عن كل ما من شأنه أن يمس باستقلالهم ومن كرامة المنصب الذي يتقلدونه”، يتضمنان مقتضيات لا يمكن التوفيق بين الالتزام بها والوفاء بما تتطلبه، ووضعية ثابتة لتنازع للمصالح؛
وحيث إن قانون المسطرة الجنائية، باعتباره نصا عاما في غياب مقتضى خاص، نص في المادة 273 منه، على أنه “يمكن تجريح كل قاض من قضاة الحكم في الأحوال الآتية: – إذا كانت له أو لزوجه مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة في الحكم في الدعوى …”؛
وحيث إنه، أمام ثبوت حالة تنازع المصالح بخصوص السادة أعضاء المحكمة الدستورية، المشار إلى أسمائهم أعلاه، فإن التقيد بسمو أحكام الدستور،والغايات الموضوعة في القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية، واحترام القواعد العامة للتقاضي، وكفالة استقلالية القاضي، يستوجب من المحكمة الدستورية، البت في هذا الدفع، والاستجابة لمضمونه بتجريح الأعضاء المعنيين.
رابعا : من حيث الموضوع:
1- في الوسيلة المتعلقة بعدم اندراج القانون، موضوع الإحالة، ضمن الميادين المحددة في الفصلين 71 و72 من الدستور:
حيث إن الدستور حدد في فصله 71، على سبيل الحصر، الميادين التي يجوز للبرلمان التشريع فيها بمقتضى القوانين؛
وحيث إن نظام معاشات أعضاء مجلس النواب لا يندرج لا في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، ولا في الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين؛
وحيث إن ميدان “الضمان الاجتماعي”، الوارد في الفصل 71 من الدستور، أتى في سياق يفهم منه أنه يتعلق بالعلاقات الشغلية، إذ رتبت خانة الضمان الاجتماعي، قبل “علاقة الشغل”، ووضعت بعدها “حوادث الشغل والأمراض المهنية”، مما يفضي، في أطار التأويل الداخلي للنص، إلى انصراف دلالة ومجال “الضمان الاجتماعي” حصرا إلى العلاقات الشغلية دون سواها؛
وحيث إن القول بأن القانون، موضوع الإحالة، يتقيد بمبدأ توازي الشكليات، بحكم أنه إنما يلغي ويصفي نظاما للمعاشات لفائدة أعضاء مجلس النواب محدث بقانون (القانون رقم 92-24 بتاريخ 22 ديسمبر 1993)، سيجعل مبدأ عاما يسمو، بإعماله، على حكم مندرج في النظام العام الدستوري؛
وحيث إنه، بصرف النظر عن مدى دستورية تنظيم معاش لأعضاء مجلس النواب أصلا بقانون، لأن ذلك ليس مشمولا بموضوع الإحالة، ولأن الأمر يتعلق بقانون سار لا يقع في حومة المراقبة القبلية، كما يشترط ذلك الفصل 132 من الدستور، فإنه يتبين من مراجعة أنظمة المعاشات والتقاعد في القانون المغربي أن المنظمة منها “بقانون” هي تلك التي تتعلق بالموظفين المدنيين والعسكريين، من ذلك “النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد”، و”القانون المتعلق بنظام رواتب التقاعد المدنية”، و”نظام رواتب التقاعد العسكري”، أو الخاصة بالمستخدمين، بحكم اندراج ميدان “الضمان الاجتماعي”، ضمن التعداد الحصري للفصل 71 المذكور ؛
وحيث إنه، سبق للمحكمة الدستورية، في إحدى قراراتها، أن أسست لمبدأ أن التمييز في التنظيم يقتضي أساسا دستوريا، بقولها “وحيث إن مُبرر جمع التفتيش القضائي والتفتيش الإداري والمالي في قانون واحد، المضمن في الأعمال التحضيرية للبرلمان، بحكم أن الأمر يتعلق بمحاكم التنظيم القضائي، سيجعل، فضلا عما تقدم، التفتيش الإداري والمالي التابع للوزارة المكلفة بالعدل الوحيد المنظم بقانون، في حين أن باقي المفتشيات المماثلة، الممارسة للاختصاص ذاته، التابعة لوزارات أخرى منظمة بنصوص تنظيمية، وهو تَمييز لا يجد أي أساس أو سند دستوري له” (قرارها عدد 19/89 م.د بتاريخ 21 فبراير 2019)؛
وحيث إنه، ليس في الدستور، أي أساس يمكن الاستناد إليه لجعل تنظيم معاشات أعضاء مجلس النواب منظما بمقتضى القانون، يكون بذلك استثناء من التحديد الدستوري الذي يجعل القانون إطارا خاصا بتنظيم النظام الأساسي للوظيفة العمومية والضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين، والضمان الاجتماعي بالنسبة للمستخدمين؛
وحيث إنه، تبعا لذلك، يتعين التصريح بعدم دستورية تصفية نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس النواب، بمقتضى قانون؛
وحيث إنه، فضلا عن ذلك، فإن هذا الموضوع لا يندرج بدوره في المجال التنظيمي، المنصوص عليه في الفصل 72 من الدستور، على اعتبار أن أعضاء مجلس النواب ليسوا مستخدمين، ولا يتلقون راتبا من المجلس المذكور، ولا يشكلون، بالتالي، فئة مهنية يقتضي تنظيمها وضع مرسوم خاص بمعاشها، مما يجعل عدم دستورية الإحالة، لا يتعلق بشكلها القانوني الخارجي، أي القانون بدل المرسوم، بل إن موضوعها، ووضعية المعنيين بمقتضياتها، يجعل عدم الدستورية تطال موضوعها نفسه، المندرج في الأشكال القانونية الاتفاقية التي تخضع للتعاقد، وليس للأشكال القانونية الدستورية؛
وحيث إن مجلس النواب، باعتباره مكونا للبرلمان (الفصل 60 من الدستور)، يمارس السلطة التشريعية، وهي سلطة مستقلة منفصلة عن السلطة التنفيذية؛
وحيث إن مجلس النواب، ليس إدارة موضوعة تحت تصرف الحكومة، ولا مجالا تنظيميا يطاله اختصاص السلطة التنظيمية الممارسة بمقتضى مراسيم؛
وحيث إن ما يعزز ما تم بيانه، أن نظام تعويضات أعضاء مجلس النواب ليس منظما بمقتضى القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس، ولا بقانون عادي، ولا بمرسوم، مما يكون معه تأطير نظام للمعاشات، يساهم فيه الأعضاء المعنيون بجزء من تعويضاتهم المحددة بقرار من مكتب مجلس النواب، لا يجب أن يتم بقانون أو بمرسوم؛
وحيث إنه، بناء على ما تقدم، يتعين على المحكمة الدستورية التصريح بعدم جواز تنظيم موضوع الإحالة بمقتضى مرسوم؛
2- في الوسيلة المتعلقة بعدم مشاركة الحكومة في المسطرة التشريعية للقانون:
حيث إن الدستور نص في الفقرة الأولى من فصله الأول، على أنه ” نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية”، وفي الفقرة الثانية، من الفصل المذكور، على أن “يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها”؛
وحيث إنه، تأسيسا على ذلك، فإن الدستور المغربي تبنى نظاما مرنا لفصل السلط، يشرك الحكومة في العمل البرلماني، من خلال تخويل الوزراء “… أن يحضروا جلسات كلا المجلسين واجتماعات لجانها” (الفقرة الأولى من الفصل 67)، وامتلاكها لحق المبادرة التشريعية “لرئيس الحكومة … حق التقدم باقتراح القوانين” (الفقرة الأولى من الفصل 78)، وكذا حقها في التعديل “… وللحكومة حق التعديل” (الفقرة الأولى من الفصل 83)؛
وحيث إن الأحكام المشار إليها، تجعل من الحكومة شريكا في العمل التشريعي، ومن البرلمان مؤسسة للحوار بينهما سواء من خلال اجتماعات اللجان أو جلسات المجلس؛
وحيث إنه، بمقتضى ذلك، لا يمكن تصور ممارسة البرلمان للسلطة التشريعية دون حضور الحكومة؛
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 24، من القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، تنص على أنه “يشارك أعضاء الحكومة في أشغال مجلس النواب … كلما تعلق الأمر بتقديم ومناقشة مشاريع القوانين ومقترحات القوانين المسجلة في جدول أعمال أحد المجلسين طبقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 82 من الدستور، كما يشاركون في اجتماعات وجلسات تقديم التعديلات في شأنها والتصويت عليها …”، مما تكون معه مشاركة الحكومة عند تقديم كل مبادرة تشريعية ومناقشتها وتعديلها، بل والتصويت عليها، شرطا لصحة المسطرة التشريعية وسلامتها؛
وحيث إن النظام الداخلي لمجلس النواب، لاسيما في المواد من 170 إلى 197 منه، يجعل من الحكومة شريكا في المسطرة التشريعية، وليس فيه ما يسوغ لإمكانية بدء تقديم أو مناقشة أو تعديل أو تصويت على المشاريع ومقترحات القوانين المبرمجة في غياب للحكومة، أو ما يشرع لممارسة مجلس النواب لدوره التشريعي في غيابها، وما كان له أن يتضمن مقتضيات من ذات القبيل، لأن من شأنها أن تشرع لغياب الحكومة عن حضور اجتماعات اللجان وجلسات المجلس، وأن تجعل التشريع نتاج عمل خالص لأعضاء مجلس النواب، وهو ما لا يمكن أن يستقيم مع الأساس الدستوري للنظام البرلماني المغربي، وللعلاقات التي تربط البرلمان بالحكومة كما حددها الفصل الأول من الدستور؛
وحيث إن مقتضيات النظام الداخلي، المشار إليها أعلاه، مرتبطة بأحكام دستورية، يتوقف إعمالها عليها، مما يجعلها جزءا من الكتلة الدستورية، وموضعها وموقعها ضمن التراتبية القانونية أسمى من التشريع؛
وحيث إنه، يتضح من الرجوع إلى تقريري لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، في القراءتين الأولى والثانية، أن الحكومة لم تكن حاضرة أثناء تقديم مشروع القانون، موضوع هذه الإحالة، ولا مناقشته ولا تعديله ولا التصويت عليه، مما يجعله، نتاج مناقشة حصرية لأعضاء اللجنة المعنية، مع ما يشكله ذلك من مخالفة للأحكام والمقتضيات المشار إليها أعلاه؛
وحيث إن الحكومة لم تشارك في اجتماع اللجنة المعنية بمجلس النواب بالرغم من إحاطتها علما بذلك، كما تقضي بذلك المادة 176 من النظام الداخلي للمجلس المذكور، والشأن نفسه في اجتماع اللجنة المعنية بمجلس المستشارين؛
وحيث إنه، فضلا عن ضرورة مشاركة الحكومة خلال المسطرة التشريعية، كما يتطلب ذلك الدستور والقانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة، والنظام الداخلي للمجلس المعني، فإن موضوع القانون المحال يخص الحكومة، ويهم قانون المالية الذي تتولى إعداده وتسهر على تنفيذه، بحكم أنه ينظم مآل مساهمات مجلس النواب (المادة الثانية)، المتأتية من ميزانيات المجلس المذكور المبرمجمة في قوانين مالية؛
وحيث إن مسؤولية الحكومة بخصوص النظام المالي لهذا النظام تبقى ثابتة، بحكم أن المادة العاشرة من “نظام المعاشات لفائدة أعضاء مجلس النواب”، تنص على أنه “يتم التحقق من توازن النظام بواسطة بيان حسابي يقدم عن كل سنة إلى لجنة تتألف من: – محاسبي مجلس النواب؛ – ممثل للوزير الأول؛ – ممثل لوزير المالية؛ – ممثل عن المؤسسة المكلفة بتسيير نظام المعاش”، وهو ما يجعل حضورها خلال مناقشة الإحالة ضروريا؛
وحيث إن الدستور، ينص، طبقا للفقرة الثانية من فصله 89، على أن الحكومة تعمل “… على ضمان تنفيذ القوانين …”، وهي المهمة التي قد يتعذر على الحكومة القيام بها، إذا كانت تمتنع عن المشاركة في العمل التشريعي للبرلمان، وفي الحالة، مجلس النواب؛
وحيث إن الدفع، في هذا الباب، بكون اجتماعات اللجان هي مجرد أعمال تحضيرية، يتنافى مع مقصد المشرع الدستوري، ويشرعن ضدا على صراحة أحكام الدستور وغاياتها، غياب الحكومة أو تغييبها، ويقيم تمييزا غير مؤسس بين اجتماعات اللجان وجلسات المجلس، بالرغم من أن أحكام الدستور، وتلك المتعلقة بالقانون التنظيمي المشار إليه، ومواد النظام الداخلي، المعملة لأحكام الدستور، لا تتضمن ما يسمح وما يسوغ ذلك؛
وحيث إنه، بناء على كل ما تقدم، فانعدام حضور الحكومة عند تقديم ومناقشة وتعديل ثم التصويت على القانون بشأن إلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس النواب، يعيب الإجراءات المتبعة لاعتماد هذا القانون، ويمس بصدقية النقاش البرلماني، مما يتعين معه، على المحكمة الدستورية التصريح بعدم مطابقته للدستور؛
3- في الوسيلة المتعلقة بعد مراعاة المبادئ الدستورية المقررة في تنظيم المال العام ودور المجلس الأعلى للحسابات في الموضوع.
أ- في المأخذ المتعلق بخرق القواعد المنظمة للمال العام.
حيث إن المادة الثالثة من الإحالة، تنص على أنه “يتم توزيع احتياط النظام …”، وفق ثلاث طرائق حددتها نفس المادة؛
وحيث إن هذه المادة لا تميز بين المال الخاص، المتأتى من مساهمات أعضاء مجلس النواب، وبين المال العام، الناتج عن مساهمات الدولة، المرصودة في الميزانيات السنوية لمجلس النواب، بل وتقضي، على العكس من ذلك، بتوزيع احتياط النظام دون الأخذ بعين الاعتبار ما تقدم، مما سيؤدي إلى إعادة رصد مبالغ مالية لنفقات ليست هي المقررة طبقا للقوانين التي اعتمدتها، بشكل يخالف أحكام القانون التنظيمي لقانون المالية؛
وحيث إن مساهمات الدولة في نظام المعاشات، وبغض النظر عن مدى دستوريته، بحكم أن الدولة ليست جهة مشغلة ولا موظفة لأعضاء مجلس النواب، ولا يتلقون راتبا، يكون من مشمولاته التوفر على معاش مدني، لا يمكن، لقانون أن يغير طبيعتها أو يحول ما هي مرصودة من أجله، فالإحالة، قد حولت مساهمات الدولة إلى نفقة جديدة، لا تخدم غايات النفقة الأصلية، وتأمر بصرفها في وجه جديد ليس هو الوجه الذي على أساسه تمت برمجتها؛
وحيث إن المال العام يخضع في رصده وصرفه لقواعد دستورية آمرة، وأحكام من القانون التنظيمي لقانون المالية، إلى جانب نظام للمحاسبة العمومية، ولا يجوز بالتالي، وضع استثناء عن هذه الأحكام والمقتضيات من شأنه خلط ذميتن ماليتين مختلفين؛
وحيث إن ما تم بسطه، يجعل هذه المادة غير مطابقة للدستور، وللقانون التنظيمي لقانون المالية؛
ب- في المأخذ المتعلق بعدم تقيين نظام المعاشات قبل الإقدام على تصفيته:
حيث إن الدستور، ينص في الفقرة الثالثة من فصله 147، على أنه “يتولى المجلس الأعلى للحسابات ممارسة المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية. ويتحقق من سلامة العمليات، المتعلقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة لمراقبته بمقتضى القانون، ويقيم كيفية تدبيرها لشؤونها، ويتخذ، عند الاقتضاء، عقوبات عن كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة”، كما ينص في الفقرة الثانية من فصله 156، على أنه “تقدم المرافق العمومية الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية، طبقا للقوانين الجاري بها العمل، وتخضع في هذا الشأن للمراقبة والتقييم”؛
وحيث إنه، تطبيقا لذلك، نصت المادة 76 من مدونة المحاكم المالية، على أنه “يمارس المجلس رقابته على … أجهزة الضمان الاجتماعي كيفما كان شكلها، التي تتلقي من أحد الأجهزة المنصوص عليها … مساعدات مالية في شكل مساهمات من أرباب العمل أو في شكل إعانات وتوجه إلى المجلس سنويا الحسابات والوثائق المحاسبية الأخرى للأجهزة المشار إليها …”؛
وحيث إن من مجالات الرقابة، المندرجة في اختصاص المجلس الأعلى للحسابات، الإشراف على تصفية هذا النظام الذي كان يتلقى مساهمات من المال العام، المبرمجة سنويا في الميزانية المخصصة لمجلس النواب من قانون المالية، وهو الإشراف الذي كان يجب أن يكون مسبوقا بتقييم المجلس لأدائه، للتوقف عند وضعيته وكيفية تصفيته، ومآل المال العام المشكل من مساهمة الدولة في نظام المعاشات؛
وحيث إن المادة السابعة، من الإحالة، نصت على أنه “يعهد إلى المؤسسة التي تم التعاقد معها لتسيير نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس النواب … بمهمة تصفية النظام المذكور …”؛
وحيث إن الإحالة، تكون بمقتضى ما تقدم، قد خولت مهمة تصفية نظام المعاشات، لجهة غير المجلس الأعلى للحسابات، بشكل يخالف ما هو مضمن في الدستور، والمقتضيات القانونية التي جاءت تطبيقا له؛
وحيث إنه، تبعا لذلك، يتعين على المحكمة الموقرة التصريح بكون هذه المادة غير مطابقة للدستور؛
4- في الوسيلة المتعلقة “بعدم الانسجام التشريعي”
حيث إن المادة التاسعة، من القانون المحال، تنص على أنه “يعلن عن الانتهاء التام لعملية التصفية بقرار لرئيس مجلس النواب”؛
وحيث عن تخويل رئيس المجلس هذه الصلاحية، وهو جهة غير مشرفة على تصفية النظام، ولا على إعداد تقرير حول نتائجه، وأنه ليس جهة صرف المبالغ المسترجعة، كما أنه يتلقى، فقط، نسخة من التقرير الوارد في المادة الثامنة، دون أي التزام بعدي من جهته؛
وحيث إن مقتضيات هذه المادة غير منسجمة مع مقتضيات المادتين السابعة والثامنة، من القانون المحال، ولا تستجيب للربط الدستوري بين المسؤولية والمحاسبة، بحكم أن رئيس مجلس النواب، خولته المادة المعنية صلاحية الإعلان عن الانتهاء العام لعملية التصفية، بالرغم من أن هذه الأخيرة غير مندرجة ضمن مسؤولياته، طبقا للقانون المحال؛
وحيث إنه، بناء على ما تقدم، يتعين على المحكمة الموقرة، التصريح بعدم دستورية هذه المادة من مدخل الانسجام التشريعي للنص؛
5- في الوسيلة المتعلقة بتنازع المصالح، وخرق مبدأ المساواة بين المواطنين، وتنظيم موضوع مندرج في مشمولات قانون المالية، وتخويل إعفاء ضريبي دون سند أو غاية دستورية
حيث إن المادة العاشرة من القانون المحال، تنص على أنه “تعتبر المبالغ التي يستفيد منها المعنيون بالأمر وفق أحكام هذا القانون مبالغ صافية معفاة من أي ضريبة، ولا تخضع للتصريح”؛
وحيث إن المادة الأولى من القانون التنظيمي لقانون المالية، نصت على أنه “يحدد قانون المالية، بالنسبة لكل سنة طبيعة ومبلغ وتخصيص مجموع موارد وتكاليف الدولة …”، وأن من بين موارد الدولة، طبقا للمادة 11من القانون التنظيمي المذكور “الضرائب”؛
وحيث يستفاد مما تقدم، أن تحديد الضريبة، مبلغها، الفئات المعنية بها، والإعفاء منها، مواضيع مندرجة في المجال المحفوظ لقانون المالية؛
وحيث إنه، تبعا لذلك، فإن صدور إعفاء ضريبي ضمن مقتضيات قانون غير قانون المالية مخالف لأحكام القانون التنظيمي المشار إليها؛
وحيث إن الدستور أكد في أكثر من موضع على فكرة المساواة بين المواطنين لا سيما في تصديره، وفي الفصول 6 و31 و154 منه؛
وحيث إن المواطنون يؤدون ضريبة على معاشاتهم المعتبرة أجرا، طبقا للقوانين الجاري بها العمل؛
وحيث إن إعفاء معاشات أعضاء مجلس النواب من أي ضريبة يخل، تبعا لذلك، بمبدأ المساواة المكرس دستوريا؛
وحيث إن الالتزام بأداء الضريبة يعد صورة من صور تلازم الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات، كما نص على ذلك الدستور في فصله 37، وتجسيدا لما عبرت عنه أحكام الدستور، لا سيما تلك الواردة في فصليه 39 و40، بالتتابع، من أنه “على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها …”، و”على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد …”؛
وحيث إن إقرار الإعفاء، كاستثناء من الالتزامات الدستورية المشار إليها، يقتضي تبريرا يخدم غاية من غايات الصالح العام أو يرمي إلى خدمة مبدأ دستوري أو كفالة تمييز أقره الدستور، والحال أن الإعفاء، المقرر في المادة المعنية، لا يندرج في أي من الحالات التي تم بسطها؛
وحيث إنه، بإقدام أعضاء مجلس النواب، في غياب غايات دستورية أو غايات مشروعة تبرر الإعفاء، على تخويل أنفسهم وللأعضاء السابقين بالمجلس، هذا “الامتياز”، التمييزي، موظفين في ذلك السلطة الدستورية المخولة لهم للتشريع، فإنهم يوجدون، بذلك، في وضعية لتنازع المصالح، ما بين حقهم الدستوري في التقدم باقتراح القوانين (الفصل 78 من الدستور)، وبين كونهم المستفيدين من نتائج تصفية نظام المعاشات؛
وحيث إنه، يتضح مما تقدم، أن هذه المادة غير مطابقة للفصول 36 (الفقرة الأولى) و39 و40 من الدستور، والمادتين الأولى و11 من القانون التنظيمي لقانون المالية؛
§ في الإثارة التلقائية المتروكة لتقدير المحكمة الدستورية:
وحيث إن الإحالة، باعتبارها صورة من صور الدعوى الدستورية، هي من جنس الدعاوى العينية التي تتيح للمحكمة إمكانية إثارة وسائل أو مآخذ جديدة غير مضمنة في مذكرة الإحالة؛
وحيث إن المحكمة الدستورية بما لها من ولاية في فحص دستورية القانون المحال عليها، ومن أن منطوقها يخول شهادة دستورية أو عدم دستورية ما أحيل عليها في كليته؛
وحيث إنه، بناء على ذلك، يلتمس المحيلون من المحكمة الموقرة، إثارة ما بدى لها من ملاحظات بشأن دستورية القانون المعروض على نظرها؛
§ في الطلبات الختامية:
أولا-إقرار تجريح السادة الأعضاء المحترمين مولاي عبد العزيز الحافيظي، ومحمد الأنصاري، ومحمد بن عبد الصادق، وعدم مشاركتهم في اجتماعات المحكمة ومداولاتها الخاصة بموضوع الإحالة.
ثانيا- التصريح بعدم دستورية:
– اتخاذ إلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس النواب، صيغة قانون؛
– تغيير الشكل الخارجي لهذا القانون بمقتضى مرسوم (إعادة الترتيب)؛
– الإجراءات المتبعة في تقديم ومناقشة وكذا التصويت على القانون موضوع الإحالة، لعدم حضور الحكومة أثناء التداول فيه؛
-مضمون مواد القانون المحال، في كليته، وذلك لاستحالة الفصل بينها.
ثالثا- التصريح بتوقيف الإجراءات التشريعية الجارية للقراءة الأولى لمجلس النواب المتعلقة بمقترح قانون “بشأن إلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس المستشارين”، لاتحاده في المضمون والموضوع مع الإحالة، تقيدا بإلزامية قرارات المحكمة الدستورية، تطبيقا للفصل 134 من الدستور.