“البام” تدخل على خط مأسسة الحوار الاجتماعي

من المنتظر أن يتقدم حزب الأصالة والمعاصرة، بمقترح قانون حول مأسسة الحوار الاجتماعي إضافة إلى مذكرة تقديمية حول المقترح، حيث عقد الأمين العام للبام لقاءات ومشاورات مع زعماء النقابات مع أحزاب من الأغلبية والمعارضة لدعمه.

ويعتبر المغرب حسب المذكرة التي تقدم بها “البام”،  من بين الدول القلائل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي سجلت تجارب تشريعية وقانونية ومؤسساتية وممارسة فعلية للحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية، كوسيلة لتجاوز التوترات والمنازعات الاجتماعية.

وهكذا، فقد عرفت تجربة الحوار الاجتماعي بالمغرب، بالرغم من طابعها السياقي والظرفي والموسمي، مصاحبة تشريعية، ومواكبة مؤسساتية، منذ بداية عقد التسعينات والى الْيَوْمَ. حيث تم إحداث المجلس الوطني للشباب والمستقبل، والذي شكل اللبنة التجريبية الاولى للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وإحداث المجلس الاستشاري لمتابعة الحوار الاجتماعي، المحدث بمقتضى ظهير 24 نونبر 1994، حيث حدد جلالة الملك الراحل الحسن الثاني فلسفته وأهدافه التشاورية بين الفرقاء الاجتماعيين في خطاب 16 ماي 1995.

كما حثت الاتفاقيات الثلاثية الموقعة بين الأطراف الاجتماعية، في إطار الجولات الأربعة للحوار الاجتماعي ( التصريح المشترك لفاتح غشت 1996؛ اتفاق 23 ابريل 2000؛ اتفاق 30 ابريل 2003؛ اتفاق 26 ابريل 2011)، على الضرورة الدورية المنتظمة للحوار الاجتماعي الوطني في دورتين سنويتين، الأولى تشاورية عند بداية التحضير للقانون المالي للحكومة، والثانية تعاقدية قبل حلول فاتح ماي من كل سنة، مع الاتفاق القبلي على منهجية العمل، وجدول الأعمال، وتمثيلية تملك صلاحيات اتخاذ القرارات، مع سقف زمني لجولات الحوار الاجتماعي، و إحداث لجنة ثلاثية لتتبع تنفيذ الالتزامات التعاقديّة.

ولقد حددت مدونة الشغل المتوافق عليها سنة 2004 ( قانون 99-65) مجموعة من المؤسسات التشاورية بين الأطراف الاجتماعية منها: مجلس المفاوضة الجماعية ( من المادة 92 إلى المادة 103)؛ المجلس الأعلى لإنعاش التشغيل بهدف دراسة السياسات العمومية في مجال التشغيل وإبداء الرأي الاستشاري ( المادة 522- 525)؛ مجلس طب الشغل والوقاية من الاخطار المهنية بهدف دراسة واقع الصحة. السلامة المهنية وتقديم اقتراحات وتوصيات النهوض بطب الشغل والوقاية من الحوادث والامراض المهنية (المادة 332- 335)؛ اللجنة الثلاثية المكلفة بتتبع التطبيق السليم للمقتضيات المتعلقة بمقابلات التشغيل المؤقت ( المادة 496-506)؛ اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة (المادة 564)؛ هيئة التحكيم الوطنية في نزاعات الشغل الجماعية التي تم إحداثها بموجب قرار لوزير الشغل سنة 2010 .

كما نصت القوانين المنظمة للمؤسسات العمومية والهيئات الوطنية المتصلة بعالم الشغل والتشغيل على ضمان تمثيلية الأطراف الاجتماعية في تركيبة مجالسها الإدارية لإدارة التشاور والحوار بينها في مجالات اختصاصاتها وصلاحياتها الموضوعاتية والتنظيمية (المجلس الإدراي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، ومكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل.

وفي هذا السياق، تواجه بلادنا تحديات بالغة الصعوبة، على رأسها تنامي واتساع رقعة الاحتجاجات النقابية والمهنية، والحركات الاجتماعية الترابية… وارتفاع مؤشرات البطالة، وخصوصا لذا الشباب حاملي الشواهد، والتراجع الكبير في مؤشرات تشغيل النساء، مع ارتفاع مهول وخطير لهشاشة الشغل، والعمل لبعض الوقت والمحدود، وهيمنة العمل ضمن الاقتصاد غير المهيكل. بالإضافة إلى الفشل العميق لبرامج إصلاح التربية والتعليم والتكوين المهني والجامعي، وتفاقم العجز المتراكم في الاستجابة للحاجيات الصحية والتكفلات العلاجية، والاختلالات البنيوية لمنظومة الحماية الاجتماعية والتأمين الصحي الشمولي، ونسبة تغطيتها وتوازناتها، ورفض المقاربة المقياسية لاصلاح أنظمة التقاعد ومنظومة المقاصة.

كما تواجه بلادنا، حسب “المذكرة”، تحديات إعادة بناء النموذج الاقتصادي الوطني والجهوي، في بعده التنموي. كما تواجه بلادنا تحديات استراتيجية مرتبطة بتأمين الوحدة الوطنية والترابية، ومعالجة جذرية للاختلالات الجهوية، وإعادة الاعتبار للخدمات العمومية المؤسسة للمشروعية الاجتماعية للدولة والمجتمع والوطن، وبناء مقومات الديمقراطية التشاركية بتدعيم عملي لمشروعية التنظيمات الاقتصادية والنقابية والمهنية، وتنشيط وظائفها التشاورية والتفاوضية.

إن هذه العناصر، وغيرها كثير، تؤشر على دخول المغرب في مرحلة وعتبة جديدة، بمداخل استراتيجية متعددة، وعلى رأسها إجراء تقييم موضوعي، يمكن من استثمار نجاحات وكذا إخفاقات المنظومة الحالية للحوار الاجتماعي، والانتقال إلى منظومة جديدة تتغيى تحقيق تكامل الأدوار بين مختلف آليات الحوار الاجتماعي، الدستورية والقانونية والمؤسساتية، الموضوعاتية والقطاعية والترابية، الثلاثية والثنائية الأطراف بهدف تحويل الحوار الاجتماعي إلى مؤسسة تمتلك القدرة الاستباقية والاستشرافية، لقيادة التوازنات الضرورية بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بشكل يتجاوب مع مشروعية الطلب المجتمعي بخصوص الولوج العادل للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على المستويات الوطنية والقطاعية والترابية، وبلورة عمل جماعي، بين الحكومة والنقابات وأرباب المقاولات، لبناء منظومة جديدة للحوار الاجتماعي، كآلية من اليات الديمقراطية التشاركية، و مرتكز أساسي للسلم والاستقرار الاجتماعي والتنمية المستدامة.

وفِي هذا الصدد، يعتبر الحوار الاجتماعي من ضمن المتطلبات الاستعجالية، لتعزيز النهج الديمقراطي للعلاقة بين الدولة والمجتمع، عبر الانتقال به، منهجا ومنضمونا، من منطق المزاجية وضغوط الظرفية، إلى مستوى المأسسة، كفاعل اجتماعي ومجتمعي منظم، في شكل مؤسسة دائمة ومستقلة، مؤطرة بنص تشريعي يحدد مجالها التنظيمي وصلاحياتها القانونية، في اتجاه بناء نموذج مغربي متفرد للحوار الاجتماعي التعاقدي، باعتباره مرتكزا استراتيجيا للتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.
المرتكزات المعيارية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد