الألتراس في الملاعب المغربية: من الفرجة الرياضية إلى نقد الأوضاع الاجتماعية

“فبلادي ظلموني”، “صوت الشعب”، “هادي بلاد الحكرة”، وغيرها من الشعارات والعناوين، كورال جماعي وحد حناجر آلاف المشجعين في مدرجات الملاعب المغربية وحولها إلى فضاءات للاحتجاج ضد الأوضاع الاجتماعية التي تشغل بال الرأي العام.

صدى الشعارات تجاوز نطاق جغرافيا المكان، لتقتسمها الجماهير العربية رغم صعوبة استيعاب اللهجة المغربية وفهم مدلول كلماتها ومصطلحاتها، ليحفظها الملايين عن ظهر قلب، نقل فيها مشجعو الفرق المغربية مطالبهم من الشارع إلى المدرجات، للتعبير عن مشاعر الإحباط والسخط من أوضاعهم الاجتماعية، في نقد قوي للواقع المعاش وللعملية السياسية ككل.

الألتراس.. الأسلوب الجديد في التعبير والتشجيع

العديد من الفصائل المشجعة للفرق المغربية، نظمت عشرات الأغاني في مدرجات الملاعب تعبر عن الواقع الاجتماعي المعاش طامحين أن تحدث التغيير المنشود، في لوحات فنية إبداعية فريدة توجه من خلالها انتقادها لـ “فشل” السياسات الحكومية في معالجة أهم القضايا التي يعاني منها المجتمع.

أغاني “الألتراس” انتقلت في الآونة الأخيرة من تشجيع الفرق وزرع الحماس في اللاعبين فوق أرضية الميدان إلى نقل الاحتقان الاجتماعي الذي يعيشه الشارع المغربي، لتلقى التجاوب السريع لدى فئات واسعة أخرى من الجماهير.

فئة من هذه الجماهير أصبح لا يهمها الفائز والمنهزم في المباراة، فرغم أن هذه الأخيرة قد تستهويه إلا أنه يبقى محايدا لا مع الغالب ولا مع المغلوب، لأن لجمهور الألتراس طبيعة خاصة، يبحث عن الفرجة، عن المتعة على المدرجات بأساليبهم الخاصة بعيدا عن الأساليب التقليدية في التشجيع.

التشجيع في كرة القدم كان بالأمس لا يغادر حقل الفرجة بالمعنى الرياضي، أصبح اليوم يأخذ شكلا احتجاجيا جديدا ومنظما داخل مدرجات الملاعب المغربية صاحبه جدل كبير وتنافس بين جماهير الفرق حول القدرة على التعبير عن أقوى المضامين الاحتجاجية في لوحات إبداعية التي يكون أثرها بالغا ورسائلها أكثر دلالة.

“التيفو”.. الرسالة الملغومة

كلمة “تيفو” هي إيطالية الأصل تعني “المشجع”، وهي عبارة عن “دخلة” أو “طلعة” تقوم بها “الألتراس” لتعبر عن رأي أو فكر المراد إيصاله للجمهور وغالبا ما تكون في بداية المباراة.

في المغرب، تبدع “الألتراس” منذ نشأتها في المدرجات بـ “تيفوهات” تحمل مضامينها رسائل متعددة يصعب أحيانا فهمها واستيعابها لتترك بذلك باب التأويلات مفتوحا، كـ “تيفو” فصيل “إترا إيكلز” المساند لفريق الرجاء البيضاوي الذي رفعته عام 2009، يحمل رسالة “لله يا جزاير” وهي عبارة مقتبسة من أغنية لنجم الراي الشاب خالد، لتعتبرها السلطات الأمنية المغربية سياسية وتقرر مصادرة “التيفو” بحجة أن السياسة يجب أن تبقى بعيدة كل البعد عن الرياضة.

بعد مرور عشر سنوات، وفي مباراة الديربي الشهيرة بين الرجاء والوداد البيضاويين برسم إياب دور ثمن نهائي كأس محمد السادس للأندية الأبطال، يوم 23 نونبر 2019، بالمركب الرياضي محمد الخامس، رفع فصيل “الغرين بويز” المساند لفريق الرجاء البيضاوي، “تيفو” يتضمن عبارة “ROOM 101″، ليتم تأويله ونسبه إلى المفكر البريطاني جورج أورويل الذي يعني بها رمز للاعتقال السياسي والتعذيب.

وبعد التأويلات المقدمة سواء داخل المغرب أو ما تناوله الإعلام الأجنبي حول رسالة “تيفو الغرفة 101″، رد فصيل “غرين بويز”، من خلال بلاغ رسمي، حذر فيه من “الركمجة” محاولا تصحيح ما تم تداوله حول “التيفو” وإبعاده عن التأويلات، إلا أن السلطات الأمنية المغربية قررت منع فصائل الرجاء من رفع “تيفو” جديد خلال مباراة الرجاء البيضاوي والترجي الرياضي التونسي برسم الجولة الأولى من دور مجموعات دوري أبطال إفريقيا.

فضاء الاحتجاج: من الشارع إلى الملاعب الرياضية 

يرى أحمد متمسك، أستاذ جامعي وباحث في علم الاجتماع، أن الأشكال الاحتجاجية المعبر عنها في الشارع عندما تنتقل إلى الملاعب الرياضية تصبح نوعا من العصيان، معتبرا في تصريحه لـ “المصدر ميديا” أن “الحركات الاحتجاجية في الشارع تعبر عن مطالب اجتماعية واضحة ومقنعة”، أما الاحتجاج في المدرجات فهو “تنفيس عن المعاناة الاجتماعية بطريقة احتجاجية تحكمه عدة اعتبارات، فهو امتداد غير واع كحركة اجتماعية”.

وأوضح متمسك في التصريح ذاته أن “الاحتجاج داخل المدرجات تعبيري تلقائي كرد فعل عن قرار تأديبي أو منع من دخول الملعب يؤدي إلى العصيان والعنف”.

وتابع متمسك أن هذه الفئة المحتجة “تكون غالبا من المراهقين والشباب تعتبر الملاعب متنفسا مناسبا لها للتعبير عن المعاناة نفسية والمادية التي تعيشها بالإضافة إلى غياب رؤية واضحة عن المستقبل والتي تدفعها إلى الظهور والتعبير بتلك الطريقة الاندفاعية”.

وقال أحمد متمسك: “يجب دراسة الفئة التي تحتج في الشارع والفئة التي تعبر عن احتجاجاتها داخل الملعب” لمعرفة الفرق بينهما ثقافيا واجتماعيا وسلوكيا.

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد